الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أعمال عبد الرحمن النشار الفنية تعكس فلسفة العصر واتجاهاته العلمية

أعمال عبد الرحمن النشار الفنية تعكس فلسفة العصر واتجاهاته العلمية
13 أغسطس 2011 23:00
تقترن هندسة الضوء في بناء الأعمال الفنية لدى فنّان الشرق، بإحساس المؤمن بالرهبة والهدوء، لتكتسب مضموناً روحياً، النور إشراق استبطاني غير ملموس وإدراك قلبي لتعاقب الحضور بصورة تبعث على الخشوع والتأمل، تسبيح بحمد الله، يستوعب الحياة والإنسان والكون والوجود، إنه نور فطري منبعث من القلب، وفي الفن ينتشر مسار النور الذي يضفي بريقه في تنوع رحب لا نهائي، وتتلاشى بؤر التمركز، من خلال سطوح تخطف الضوء وتعكسه في إشراق باطني روحاني. يقول الفنان التشكيلي عبد الرحمن النشار: إنني فنَّان عابد لله، أتجه بأدواتي من الخطوط والألوان في دأب وتبجيل، أصلي لله، بالصبر والمثابرة، بالمجاهدة والرجاء وإيماني بالخالق الواحد الأحد وانطلق من حيث انتهيت نحو أبعاد من التجريب، لإضافة مزيد من تحديث حضارة العصر، مضافاً إليها نبرات وجدان فنان من الشرق. وأضاف أن المطلق واللانهائي إيمان عميق وهدف تصبو إليه وتتحرك نحوه الحياة، ليتوارى العرضي والعابر واللحظي، ويتأكد الثابت واليقيني والخالد، إنه استشعار لما هو فوق الحسي، ذلك الإدراك الذي اكده د. عز الدين إسماعيل رئيس أكاديمية الفنون المصرية الأسبق بفكرة اللانهائي المتجاوز للمكان والزمان، كمشاعر روحية عميقة ترسبت في وجدان المسلم، الذي كان يبدع في رحاب المسجد، وهو يستشعر في نفسه الحضرة الإلهية. الرؤية الصوفية أكد النشار أن الرؤية الصوفية، وما تتضمنه من مشاعر وقيم وأفكار، تعد وجداً واسترسالاً للذات، كما عبر عنها الإمام الغزالي بـ «صفوة الخلوة» فهي تصفية وتهذيب، ودرجة كائنة تحت الوحي، وفوق العقل، وأبعد مدى عن منال الحواس. وأشار إلى أن رحلة المجاهدة والخوف والرجاء عند الصوفية، طريق ممتد يستدعي شاعرية الوجدان والبصيرة، لاستشفاف كينونة المادة في جوهرها، حين تصبح مجرد أطياف مرئية، فهو طريق للتأمل والإبداع. وقال إن المجرد في الفن منطق جمالي ومنطلق تعبيري يتحدد وفق استجابات لمطالب روحية، ذلك التحليل الذي أشار إليه «هربرت ريد» في إبداعيات الفن الهندسي البدائي والإسلامي والحديث، كما فسر الفنان التشكيلي حامد سعيد موقفه من هندسيات الفن الإسلامي بأنها تلخيص لكون معمور بالنظام، وموسيقى الكيان الموحد البنيان، الذي ينم عن واحد أحد ليس كمثله شيء، وتلك المعاني ترجمت خلال رموز لوحات مجردة انتظم تركيبها عن طريق تفهم الأسس الهندسية أوالمنطق الرياضي لحركة الكون. وأوضح أن التكوينات التجريدية، الهندسي منها أو الانسيابي، التي تطرح لغة الشكل هي فن رفيع يكشف في الوقت نفسه عن فكرة الظاهر والباطن، وما يتولد عنها من طاقات روحية، فالعلاقات في العمل الفني ليست بالضرورة علاقات في الشكل الخارجي، ولكنها تقوم على التعاطف الداخلي للمعاني، وهي إدراك عميق، واستبصار بفهم ثاقب لأبعاد الروحانية للمجرد في الفن. موروث الثقافة وقال النشار إن موروث الثقافة بأبعاد جذورها المحلية والتراثية هو علاقة موصولة الحلقات في تواصل التاريخ وتأكيد الهوية وتأصيل الإبداع، فالتراث لطبيعة سريانه في شرايين حياة الفرد باعتباره ماضي الحاضر، هو عامل مهم في جعل الفن يتخطى هوة العدم، كما أن الاتجاه بضرورة الأخذ بأبعاد الثقافة الغربية، بكل مقومات تقدمها العلمي والتكنولوجي، أمر حيوي في الخروج بالإبداع من دائرة الاجترار والتكرار والثبات، فالتلاحم العضوي بين موروث الثقافة وثقافة الغرب هو السبيل للوصول إلى محتوى ابداعي يجمع بين الأصالة والتحديث. وأضاف أن غاية الفن قد تغيرت من وجود الفنان ونمطه الفني، كاتزان لأيديولوجية معينة تخضع الفن والفنان في إطار فكري عام شأن معظم فنون الحضارات إلى مرحلة نشأت مع بداية القرن الـ 19، أصبحت فيها شخصية الفنان واتجاهه الفني نمطاً له استقلاله وتفرده كقيمة للإنسان الفرد، واتزان لوجوده الإنساني المتفرد، بما يعكس فلسفة العصر وأبعادها العلمية، حيث يتبع الفنان المعاصر في إبداعه المنهج التجريبي كطريق للكشف عن الجديد وتحقيق عالم باطني لأغوار الذات، وعمق الأيمان وتفرد الوجدان وبذلك يتخطى الإبداع حالة الحتمية التي لا تتفق وإرادة التغير من جانب الفنان، إلى حالة الاحتمالية التي تمتد إلى رحابة الإبداع بكل ما يتضمنه من تفرد وأنماط مستحدثة. وقال إنه يجب أن تكون رؤية الطبيعة هي تعامل مع جوهرها للكشف عن تراكيبها، كرؤية تأملية أو ما يمكن أن يطلق عليه رؤية صوفية للطبيعة، وتمتد هذه الرؤية خلال ترجمة التركيبات ذات الأنسجة الانسيابية، وتنتظم في تكوينات بعضها رقيق أو شاعري والبعض الآخر خشن أو معقد أو صلب، وهذه التراكيب تمثل في مجموعها الاستطراد النامي والانبثاقات الحية لتوالد الطبيعة أو الحياة كما فعل الفنان المسلم. لغة الرمز وعن الرمز وارتباطه بالشرق والفنان المسلم قال النشار إن الرمز نبض وجداني مقترن بجماليات الفن منذ الأزل، انطلاقاً من مفهوم الفن بما هو شكل ورمز، أو رمز ومعنى تتكشف قيمة الرمز في كونه تكثيفاً وتركيزاً لجوهر التصور، في توحد جمالي يتخطى حدود الزمان والمكان، سواء تحققت الرموز في أشكال مجردة أو أشكال تمثيلية أو شبه تمثيلية، وسواء أكانت استلهاماتها من الواقع أم من المجهول أم صادرة من الوعي أو اللاشعور، فالرموز تنبيء وتتشكل وفق إدراك حدسي، وتكشف عن معنى ضمني يكمن في تصميم بنائياتها، وتدخل المفردات الهندسية في بنيتها واطرادها ونمائها في نطاق مفهوم الرمز، تجريدياً لشمولية الجوهر أو رمزاً للفكرة المجردة، كضوئيات تنبثق من أغوار الأشياء، تتخطى مصادر التأثيرات الضوئية العارضة، متحررة من المظاهر المادية للمفهوم الفيزيائي للضوء، إلى نور هو روح البصيرة. لغة الخطوط والمساحات وقال إن البناء التجريدي للصورة ضرورة لها أهميتها، فلغة الخطوط والمساحات خلال الشكل المجرد، سواء كانت هندسية أو عضوية، هي منطق جمالي غير نسبي أو محدود، ومفهوم له ارتباط عميق بالطبيعة، كما أن منطلق نفي الطبيعة والمادة، وغياب أشكال التعبير الفني المتصلة بالطبيعة، والفصل بين المدركات المحدودة المادية للأشكال والمدرك اللانهائي لما هو قدسي أو «الجمال المطلق» هو البيئة التي يتحرك فيها العقل والقلب أيماناً بالقدرية إلى مصدر الطمأنينة والسكينة، فهي حركة في كل اتجاه وكل مكان، وبذلك تصبح ذات ارتباط بين استمرار الزمان وأبعاد المكان أو بين صراع الأضداد، فهي حركة تقودنا إلى نشوة الرصانة المقترنة بالسكينة وبالمطلق الجمالي وإلى عالم المطلق والمجرد، إنه استشعار وجداني.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©