السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

الأفلام القصيرة.. رؤى متنوعة وتجارب واعدة ومعالجات متباينة

الأفلام القصيرة.. رؤى متنوعة وتجارب واعدة ومعالجات متباينة
13 ديسمبر 2017 23:12
إبراهيم الملا (دبي) ماذا يعني أن تقدم فيلماً في مهرجان سينمائي مهمّ، ومبرمج لعرض نتاجات إبداعية جديدة ومتميزة مثل مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يستقطب في كل دورة من دوراته المتعاقبة، قطاعاً واسعاً من جمهور متعدد الأذواق، ومتعطش لرؤية أفلام لا يجدها في أي مكان آخر؟ ماذا يعني أن يكون الفيلم الإماراتي حاضراً وسط هذا الطيف الفني المتخم بالتيارات والاتجاهات والنخب السينمائية العالمية والعربية، والأعمال الناطقة بقصص إنسانية مؤثرة، تنقل صوت الواقع وأنين المهمشين ووجع المنسيين، وشغف الحالمين أيضاً؟ هذا يعني أن يكون المخرج الإماراتي مخلصاً لتجربته، وأن يستشعر المسؤولية الثقيلة الواجب عليه تحملّها، وإدراك تبعاتها، والتفكير مليّاً قبل البدء في تنفيذ عمل سينمائي مرصود أمام متفرجين باتوا يمتلكون حسّاً نقدياً عالياً، بحكم تنوّع مرجعياتهم، وكثافة مشاهداتهم، وتنامي وعيهم. هذا الهاجس الإيجابي، أو هذا الانحياز لأعمال مستقلة ومتفرّدة ومعتنى بها فنياً وموضوعياً وأسلوبياً، كان ملموساً وملاحظاً في معظم الأفلام الإماراتية المشاركة بالدورة 14 من مهرجان دبي السينمائي الدولي، ونتمنى أن يستمر التصاعد في الإيقاع الإنتاجي والنوعي للسينما الإماراتية، خلال الدورات المقبلة من المهرجان. ضمّت الدورة الجديدة ثمانية أفلام قصيرة في مسابقة المهر الإماراتي هي كالتالي: «ضوء خافت» لوليد الشحي، و«سرمد» لعبدالله الحميري، و«وضوء» لأحمد حسن أحمد، و«غافة» لعائشة الزعابي، و«الزمن الباقي» لمحمد الحمادي، و«أراشيان» لأحمد الطنيجي، و«السمكة الذهبية» لعبدالعزيز المناعي، والفيلم الثامن حمل عنوان «هروب» لهناء الشاطري وياسر النيادي. تميزت الأفلام بمواضيعها المدهشة ورؤاها المتنوعة وأساليبها المبتكرة، سواء ما يمس القضايا الفردية أو العامة وحتى المستقبلية، مع وجود تباين ملحوظ في الرؤية الإخراجية وأسلوب التنفيذ في عدد قليل من هذه الأفلام، ما أثّر على قيمة وقوة الفكرة المطروحة بسبب قصور المعالجة البصرية أحياناً وتشتت السيناريو وضعف الأداء التمثيلي في أحيان أخرى. وفيما يلي قراءة لعدد من الأفلام المعروضة في المسابقة: ترميم الخراب يقدم وليد الشحي في «ضوء خافت» لمحة مكثفة وخاطفة بصرياً، ولكنها ممتدة فلسفياً وجمالياً وروحياً حول آليات ترميم الخراب المحيط بنا والجاثم في دواخلنا، خراب بات يتغذّى من الفوضى والهدم والعبث المطلق، استخدم المخرج أسلوب الغرافيك بتقنية الستوب موشن لإيصال فكرته وترسيخها في العرض، انطلاقاً من رغبة النص الذي كتبه أحمد سالمين وباح به وبشكل آسر في الفيلم، للحفر داخل المنطقة الفاصلة بين النور والعتمة، وإثارة أسئلة وجودية مقلقة حول شكل ومستقبل العالم، في ظل الهجمة الوحشية للإرهاب وآثار التفجيرات الانتحارية، استثمر الفيلم وبذكاء رموزاً قد تبدو هامشية وضئيلة مثل الفانوس المحطم، والفتيل القماشي المطفأ داخل الفانوس، بالإضافة لديكورات متشظيّة في فضاء غرفة تعرضت للتفجير، وتضم عائلة صغيرة اختارها الموت في توقيت مفاجئ وعشوائي، وبقرار شيطاني من انتحاري ملوث فكرياً، ومدنّس إنسانياً، تذهب الأب ومعه الأم إلى ظلمة الموت، ويبقى الرضيع حيّاً، منتظراً ضوء الفانوس ووهج المستقبل ولمعة البشارة، ليظل خيط التفاؤل مشعاً، وسط مشهدية مفتتة وجارحة وكابوسية، لعلها تكون أمثولة محرّضة، تحفّز وتدفع المجتمعات المغلقة إلى التغيير والانبعاث والنهوض مجدداً من رماد الظلمة العقائدية المنذورة للشر، وللشر وحده. ذاكرة معطّلة في فيلم «سرمد» يعمل المخرج عبدالله الحميري على نقل معاناة شاب يعاني مشكلة فقدان الذاكرة الآنية أو القريبة، واستطاع المخرج من خلال اللقطات المقربة والكاميرا المتحركة أن يلامس هذه الحالة المرضية النادرة، وكان من الأفضل هنا الاستغناء عن بعض التفصيلات المشهدية الجانبية وغير المؤثرة على الفكرة المطروحة في الفيلم، والعمل على تجسيد الحالة من وجهة نظر المريض، وبشكل أكثر كثافة وتركيزاً واستنطاقاً للرؤية المشوشة للشخصية الرئيسة في الفيلم. أعراس ومآتم في فيلم «وضوء» وفي أول تجربة إخراجية له، يقدم أحمد حسن أحمد عملاً ناضجاً وباشتغال فني مرهف، وأدوات تعبيرية بدا متحكماً فيها. استفاد المخرج من رصيد خبرته الطويلة في التعامل مع الأفلام الروائية القصيرة والطويلة، وتوليه مهام المدير الفني في العديد من الأعمال السينمائية المحلية اللافتة، وجاء قرار تصديه للإخراج في توقيت مناسب، اعتمد فيه على نص لكاتب السيناريو أحمد سالمين، الذي ينسج هنا حالة من التوتر الحسي الجامع والمفرّق في ذات الوقت بين الشقيقين باهيت وباهية. يستمتع باهيت بمهنته الأثيرة في إعداد الولائم، وبموهبته في الغناء الشعبي والعزف على العود، بينما اختارت شقيقته باهية مجالاً مناقضاً، وهو مهنة غسل الموتى والانزواء داخل عالمها المغلق، ونظرتها الزاهدة في الحياة، يلتقط الفيلم في بدايته التمهيدية الطويلة نوعاً ما، تلك الخيوط الصامتة لتفاصيل بيت شعبي قديم يفوح برائحة النوستالجيا والتفاصيل الساكنة في الغياب، ومستحضراً في الوقت ذاته الإشكالية الراهنة حول التابوهات الاجتماعية وترسباتها في اللاوعي وآثارها في تحجيم الحياة وتقليص الفرح، إشكالية ستكون حاضرة بعنف خلال النصف الثاني من زمن الفيلم عندما تؤكد باهية رغبتها في الانفصال عن المساحة التي يسكنها باهيت، حتى لو كان ذلك من خلال قماشة بيضاء كالكفن، تفصل بين المباح وغير المباح، وبين لون الحياة وحيادية الموت، وبين الخوف مما هو قادم والانتشاء بما هو حاضر، تقول باهية:«الموت حق علينا كلنا»، ويجيبها باهيت:«الحياة أيضاً حق علينا»، وعلى وقع هذا الخلاف الوجودي حتما، ترتفع كاميرا المخرج أحمد حسن عالياً لتصوير شكل المنزل المقسم لنصفين، نصف يشبه المأتم، ونصف يشبه العرس، نصف للعزاء ونصف للغناء، ليقول لنا في ختام الفيلم إن الماضي والحاضر توأمان، وإن الفناء والميلاد متلاصقان، وفي النهاية: فإن الحياة وبكل تناقضاتها، ما تزال تسع الجميع. نوايا مريبة في فيلم «هروب» يتطرق المخرجان هناء الشاطري وياسر النيادي، لأربع قصص منفصلة تجسد فكرة الهروب ببعديه المادي والآخر الضمني، في القصة الأولى نرى الخادمة المترددة في اتخاذ قرار الهروب من منزل مخدوميها، بحثاً عن وظيفة أفضل وراتب أعلى، ولكن خوفها من المجهول يعيدها للمنزل مرة أخرى، في القصة الثانية نرى زوجان يحاولان الهرب من علاقة لا أفق لها، ويجدان في الطلاق منفذاً، ترتفع وتيرة الجدل والنقاش المحتدم في السيارة التي يقودها الزوج ولكن استيقاظ طفلتهما النائمة في المقعد الخلفي تدفعها ما لإعادة النظر في قرارهما الصعب، وتتناول القصة الثالثة شاباً خارجاً لتوه من السجن، يحاول تنظيم حياته والهروب من ماضيه، ولكنه يصطدم بظروف معاكسة عندما يفقد الأمل في رؤية طفله من طليقته. في القصة الرابعة نجد امرأة عانس تسعى للخلاص والهروب من وضعها الاجتماعي الملتبس، ولكنها تصطدم بنوايا مريبة من خطيبها الذي تم رفضه أكثر من مرة، فيلجأ لحيل غير أخلاقية من أجل الظفر بها. استطاع فيلم «هروب» من خلال معالجة إخراجية متقنة وأداء متزن للممثلين، ومن خلال سيناريو محكم وسلس أيضاً في تنقلاته المشهدية، أن يجمع هذه القصص الأربع في خط مشترك، يلخص معاناة أناس قد نصادفهم في الخارج، ولكننا نجهل الكثير عن أزماتهم وما يعتمل في دواخلهم، فنحكم عليهم من تصرفات نراها مشبوهة لأنها تأسست أصلاً على سوء الفهم، وعلى وجهات نظر شخصية لا تتمتع بالحياد أو تدوير الزوايا أو البحث عن أعذار لضحايا هذه الظروف والانعطافات المفاجأة في حيواتهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©