السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

روبرت هاريس: عملية اوستيا تقدم مؤشرات لمستقبل العالم في مرحلة ما بعد هجمات سبتمبر

14 أكتوبر 2006 00:12
ترجمة ـ أيمن جمعة: واصل الكاتب البريطاني الشهير روبرت هاريس هوايته في اثارة القضايا الجدلية التي تصلح لأن تكون شعارات منتديات للنقاش العالمي، وذلك بأن نشر مقالاً في صحيفة ''هيرالد تريبيون انترناشونال'' يحاول فيه استشراف المستقبل في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر بعنوان ''الحرب على الإرهاب التي دمرت روما''• وفي مقاله يحاول هاريس تقديم توقعاته من خلال قراءة جديدة لهجوم إرهابي تعرضت له الحضارة الرومانية في أوج مجدها الديمقراطي عام 68 قبل الميلاد• ويعتقد هاريس الذي تحظى كتبه بواحدة من أعلى معدلات القراءة في العالم أن هناك أوجه شبه كثيرة ومثيرة للاهتمام بين ملابسات وتداعيات الهجومين بما يجعله يتساءل عما إذا كان التاريخ لا يعيد فعلاً تكرار نفسه• يبدأ هاريس مقاله بتوضيح ملابسات ذلك الهجوم قائلا: إنه في خريف عام 68 قبل الميلاد، تعرضت القوة العسكرية المهيمنة على العالم لضربة عنيفة بل ومهينة وغير مسبوقة أيضاً، من خلال هجوم إرهابي جريء في عقر دارها، ونال كبار رموزها• فقد تم إضرام النيران في ميناء أوستيا، رمز القوة العسكرية للجمهورية الرومانية، وكانت المحصلة تدمير الأسطول الحربي للمستشار وهو منصب أقرب ما يكون إلى رئيس السلطة التنفيذية حالياً، إضافة إلى اختطاف عضوين بارزين في مجلس الشيوخ وحراسهما الشخصيين ومساعديهم• ويقول هاريس الذي صدر له مؤخرا كتاب بعنوان ''الامبراطورية•• قصة روما القديمة'': إنه على الرغم من أن العملية وتداعياتها كانت دراماتيكية لأنها وضعت بذور انهيار الجمهورية الرومانية، بما تمثله من قمة التطور الدستوري في العصر الروماني، فإنها لم تلق الاهتمام الكافي من مؤرخي العصر الحديث• ويضيف قائلا ''تلك العملية الارهابية التي كنا حتى خمس سنوات فقط نشير إليها في سطر واحد عندما نتحدث عن التاريخ القديم، حصلت اليوم على الكثير من الاهتمام لأنها تقدم لنا مؤشراً لما يمكن أن يتجه إليه العالم في مرحلة ما بعد هجمات 11 سبتمبر ''•2001 والسبب بسيط جداً•• فخلال أجواء الرعب التي تلت قيام مجموعة من قراصنة البحر المتوسط بضرب ميناء أوسيتا، سارع سكان روما الى اتخاذ قرارت خطيرة لحرب عشواء على الإرهاب، جعلتهم يسيرون بأنفسهم على طريق تدمير دستورهم وحريتهم وديمقراطيتهم التي قاموا بتأسيسها على مدى قرون طويلة• ويقول هاريس ''في ضوء ما يحدث في اميركا حالياً فإنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير فيما إذا كان التاريخ يعيد نفسه•'' ''قانون جابينوس'' ويشير هاريس الى أوجه شبه بين العمليتين قائلا ''منفذو هجمات 11 سبتمبر وهجوم اوستيا كانوا أفراداً أو جماعات صغيرة•• فلم تكن هناك في القديم دولة لديها من الشجاعة ما يجعلها تشن هجوماً على الجمهورية الرومانية والأمر نفسه مع أميركا حالياً•'' ويضيف: ''ومثلما هو الحال مع تنظيم القاعدة، فإن القراصنة الذين نفذوا هجوم اوستيا كانوا مجموعة داخل تنظيم هش لكنهم استطاعوا نشر أجواء من الرعب والخوف بين المدنيين الذين كانوا يظنون أنهم في منعة من الضربات او الهجمات''••كما يمكن رصد تشابه في وصف قيادة روما القديمة والبيت الأبيض للحرب على الإرهاب بأنها ''حرب لا يحدها مكان ولا زمان وتتسع دوائرها لتشمل المعمورة كلها ويمكن أن تستمر إلى الأبد•'' ولنعد الى أجواء الهجوم الارهابي على اوستيا••كانت تلك المرحلة تمثل ذروة تطور روما القديمة في الدستور والحريات بعد اسقاط الملك الخامس لروما والتوصل الى سلسلة توازنات واجراءات تضمن عدم تمركز السلطات في يد شخص أو هيئة واحدة• وكان هناك مجلس الشيوخ (السلطة التشريعية) الذي لا يمكن تمرير اي قرار من دون موافقته، إضافة الى مجلس مستشارين (السطة التنفيذية) والذي يتألف من عضوين يتم انتخابهما سنويا• وكان المواطن العادي يتمتع بقدر كبير من الحرية، بل إن جملة ''أنا مواطن روماني'' كانت هي ضمان السلامة في كل أنحاء العالم• لكن مشاعر الهلع والخوف التي انتشرت بشدة بعد الهجوم جعلت الناس مستعدين للتنازل عن بعض هذه الحقوق لصالح الأمن• وبالفعل تحرك القائد العسكري البارز جنيوس بومبيس ماجنوس (38 عاما) والذي يشتهر باسم بومبي العظيم، وأقنع حليفه أوليو جابنيوس بأن يقف في المنتدى الروماني (قلب روما القديمة) ومقر الاجتماعات وأن يقترح قانونا جديدا عرف فيما بعد باسم ''ليكس جابينيا'' أي قانون جابينوس الذي كان في جوهره تقييد للحريات واطلاق يد الجيش في العمل• ''إسقاط مجلس الشيوخ'' ويقول المؤرخ الاغريقي بلوتارش ''وبهذا القانون لم يحصل بومبي العظيم على قيادة القوات البحرية فحسب بل وما يصل فعليا الى السلطة المطلقة وغير المشروطة على الجميع• لم تكن هناك مناطق كثيرة في العالم الروماني بمنأى عن سلطته•'' وتدريجيا وضع بومبي يده على كل موارد الخزانة الرومانية لتمويل خططه ''للحرب على الارهاب'' والتي تضمنت تأسيس أسطول من 500 سفنية حربية و120 الف جندي مشاة وخمسة آلاف من الفرسان• ولم يكن هناك من سبقه في الوصول لمثل هذا القدر من النفوذ والسلطة•والمحصلة هنا ان هذا القانون نسف فعلياً كل ما توصلت اليه الدستورية الرومانية من منع تركز السلطات في يد شخص واحد• وكان هذا القانون تطورا رئيسيا نحو اسقاط مجلس الشيوخ بوصفه السلطة التشريعية في روما لتنطلق حقبة الامبراطورية• وبمجرد أن انطلق بومبي مع قواته بحراً فإن الامر لم يستغرق سوى ثلاثة أشهر للقضاء على القراصنة في البحر المتوسط، وعلى الرغم من أن النصر السريع رفع من شعبية بومبي في روما فإنه أثار تساؤلات خاصة داخل مجلس الشيوخ بانه اذا كان القراصنة بمثل هذا الضعف فكيف كانوا بمثل تلك الخطورة من الأساس• ''الحلف السري'' لكن الوقت كان قد فات لتوجيه مثل هذه التساؤلات، وتحققت المخاوف• فقد تم استغلال أجواء الذعر والخوف لوصف كل أصوات العقل على أنها ضعف او حتى خيانة، تمهيداً لنقل السلطة الى أناس لم يتنازلوا عنها بعد ذلك أبدا• وبالفعل بقي بومبي في البحر المتوسط لمدة ستة أعوام حيث قام بوضع أنظمة على هيئة دمى وأصبح أغنى رجل في الجمهورية• ويقول المؤرخون ان بومبي هذا عقد ''حلفا سريا'' بعد ذلك مع يوليوس قيصر وكراسوس للسيطرة على الجمهورية الرومانية• وانقلب الثلاثة على بعضهم واندلعت حرب أهلية انتهت بتنصيب يوليوس قيصر دكتاتورا مدى الحياة، وهو ما كان البداية الحقيقية لظهور الامبراطورية الرومانية• ويرى هاريس في مقال نشرته صحيفة ''هيرالد انترناشونال تريبيون'' أن بالإمكان عقد مقارنة سهلة بين كيف تم انتزاع الحقوق الدستورية والمدنية سواء قديماً بعد ضرب ميناء أوستيا أو في الولايات المتحدة بعد ضرب مركز التجارة العالمي وكيف يمكن أن يكون المصير واحدا أيضا؟• فقد وافق مجلس الشيوخ الاميركي على حرمان المعتقلين من التظلم من اعتقالهم أمام القضاء•• والحديث المنمق عن التعذيب والذي يحظر فقط التعذيب الجسدي او النفسي العنيف للحصول على معلومات اضافة الى السماح للرئيس بأن يعلن أن مقيماً بشكل قانوني هو مقاتل من الأعداء•• مثل هذه القرارات وغيرها هي تغير تاريخي في ميزان القوى بين المواطن والسلطة التنفيذية• ''الخطوط الحمراء'' أي مواطن اميركي ذكي ومتخوف لن يشك في ان ما يحدث منذ الحادي عشر من سبتمبر قد يكون مبشراً لتدمير الدستور الأميركي الذي تم التوصل اليه عبر قرون من التضحيات والمناقشات، وأعتقد ان هذا ما كان يظن به أيضاً أي مواطن روماني ذكي عام 68 قبل الميلاد• قد يقول البعض إن مصير الجمهورية الرومانية كان محسوماً بالانهيار على أي حال، غير أن رد الفعل المبالغ فيه على ذلك الهجوم الإرهابي عجل بشكل لا جدال فيه بالعملية لأنه أضعف الخطوط الحمراء التي كانت موجودة أمام المغامرات العسكرية وأفسد الاجواء السياسية• واستغرق الامر قروناً طويلة لكي نعود مرة ثانية الى شيء يقارن الديمقراطية الرومانية• ويقول هاريس: ''قانون جابينوس قدم صورة تقليدية للتداعيات غير المتوقعة للقوانين المقيدة للحريات•• فقد قوض الدستور بدلاً من أن يحميه• ولنأمل ألا تكون لقرارات مجلس الشيوخ النتيجة نفسها بالنسبة للولايات المتحدة•''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©