الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تهيئة الأجواء المناسبة

14 أكتوبر 2006 00:35
الاتحاد - خاص: بقدر ما تتعاظم الحاجة إلى حوار جدي بين الثقافات والحضارات لإقامة جسور التفاهم بين الأمم والشعوب وبلوغ مستوى لائق من التعايش الثقافي والحضاري تبدو هناك ضرورة قصوى لتهيئة الأجواء الملائمة لإجراء هذا الحوار وإيجاد الشروط الكفيلة بتوجيهه بصورة صحيحة• ولعل نقطة الانطلاقة الأساسية لأي استجابة فعالة تبدأ من خلال فهم الذات وفهم الآخر• فالبداية يجب أن نتعرف إلى واقعنا كما هو بالفعل من دون خجل أو تهوين أو تهويل• ثم التعرف إلى الآخر، أي دراسة الغرب وحضارته وفهم ركائزها• وبرأي الدكتور حسن عزوزي أن الانعزال والتقوقع والانغلاق على الذات في عالم أمر مستحيل• كما أن الانسياق وراء الدعوة إلى حضارة عالمية واحدة هو بحد ذاته عملية تكريس لانتصار الحضارة الغربية الكاسحة وهو طريق التبعية الحضارية الذي يفقدنا خصوصيتنا الحضارية ويحولنا إلى مجرد هامش لحضارة الغرب• ولا يمكن إنكار أن التقاء الحضارات معلم من معالم التاريخ الحضاري للإنسانية، وقدر لا سبيل إلى مغالبته أو تجنبه، وقد تم دائماً وفق هذا القانون الحاكم• والخيار البديل لصدام الحضارات هو أن تتفاعل الحضارات الانسانية مع بعضها بعضاً بما يعود على الانسان والبشرية جمعاء بالخير والفائدة، فالتفاعل عملية صراعية ولكنها متجهة نحو البناء والاستجابة الحضارية لتحديات الراهن، عكس نظرية (صدام الحضارات) التي هي مقولة صراعية تدفع الغرب بإمكاناته العلمية والمادية لممارسة الهيمنة ونفي الآخر والسيطرة على مقدراته وثرواته تحت دعوى وتبرير أن نزاعات العالم المقبلة سيتحكم فيها العـــامل الحضاري• والإسلام كدين وحضارة عندما يدعو إلى التفاعل بين الحضارات ينكر (المركزية الحضارية) التي تريد العالم حضارة واحدة مهيمنة ومتحكمة في الأنماط والتكتلات الحضارية الأخرى، فالاسلام يريد العالم (منتدى حضارات) متعدد الأطراف، ولكنه مع ذلك لا يريد للحضارات المتعددة أن تستبدل التعصب بالمركزية الحضارية القسرية، إنما يريد الاسلام لهذه الحضارات المتعددة أن تتفاعل وتتساند في كل ما هو مشترك إنساني عام• وإذا كان الاسلام ديناً عالمياً وخاتم الأديان، فإنه في روح دعوته وجوهر رسالته لا يرمي إلى ترسيخ المركزية الدينية التي تجبر العالم على التمسك بدين واحد، إنه ينكر هذا القسر عندما يرى في تعددية الشرائع الدينية سنة من سنن الله تعالى في الكون، قال تعالى: ''لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدةً ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات''• وقال أيضاً: ''ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين''• ''إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم''• ويعتقد الدكتور حسن عزوزي فى دراسته ''الاسلام وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري'' أن دعوة الاسلام إلى التفاعل مع باقي الديانات والحضارات تتبع من رؤيته إلى التعامل مع غير المسلمين الذين يؤمنون برسالاتهم السماوية، فعقيدة المسلم لا تكتمل إلا إذا آمن بالرسل جميعاً (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله)• بيد أنه لا يجوز أن يفهم هذا التسامح الانساني الذي جعله الإسلام أساسا راسخا لعلاقة المسلم مع غير المسلم على أنه انفلات أو استعداد للذوبان في أي كيان من الكيانات التي لا تتفق مع جوهر هذا الدين• فهذا التسامح لا يلغي الفارق والاختلاف، ولكنه يؤسس للعلاقات الانسانية التي يريد الاسلام أن تسود حياة الناس، فالتأكيد على الخصوصيات العقائدية والحضارية والثقافية، لا سبيل إلى إلغائه، ولكن الاسلام لا يريد لهذه الخصوصيات أن تمنع التفاعل الحضاري بين الأمم والشعوب والتعاون فيما بينها• وفي سياق التفاعل الحضاري المنشود يمكن القول إنه من المحتمل أن تتقدم حضارة على أخرى بهذا الجانب ،لكن القول بأفضلية حضارة على أخرى هو قول متهالك، فمن يستطيع إثبات أن هذه الحضارة أفضل من تلك أو أغزر ثقافة أو حكمة وإنسانية وتسامحاً، ولا يوجد في الواقع أي مقياس أو معيار نقيس به هذه الأفضلية في كل الجوانب؟• إن شرط ازدهار هذه القيم في أي حضارة يرتبط أساساً بمدى قدرتها على التفاعل مع معطيات الحضارات الأخرى ومكوناتها •وبالتالي الاعتراف بهذه الحضارات ومحاورتها وقبول تعددية الثقافات وتفهم مفاهيم وتقاليد الآخرين، واعتبار الحضارة الانسانية نتاجاً لتلاقح وتفاعل هذه الحضارات لا صراعها فيما بينها أو استعلاء بعضها على البعض الآخر• والحضارة الإسلامية منذ نشأتها وتكونها لم تخرج عن هذا الإطار التواق إلى التفاعل مع الحضارات الأخرى أخذا وعطاء، تأثرا وتأثيرا• لقد حمل العرب قيم الاسلام العليا ومثله السامية وأخذوا في نشرها وتعميمها في كل أرجاء الدنيا، وبدأت عملية التفاعل بينها وبين الحضارات الفارسية والهندية والمصرية والحضارة الأوروبية الغربية فيما بعد، ومع مرور الزمن وانصرام القرون نتجت حضارة إسلامية جديدة أسهمت في إنضاجها مكونات حضارات الشعوب والأمم التي دخلت في الاسلام، فاغتنت الحضارة الاسلامية بكل ذلك عن طريق التلاقح والتفاعل• وكانت بدورها فيما بعد عندما استيقظت أوروبا من سباتها وأخذت تستعد للنهوض مكوناً حضارياً ذا بال أمد الحضارة الأوروبية الغربية بما تزخر به من علوم وقيم وعطاء حضاري متنوع• في المقابل لم تظهر الحضارة الغربية فجأة، بل تكونت خلال قرون كثيرة حتى بلغت أوجها في العصر الحاضر، نتيجة التفاعل الحضاري مع حضارات أخرى• وبفعل التراكم التاريخي وعمليات متفاعلة من التأثر والتأثير خلال التاريخ الانساني الحديث• إن أكبر دليل على أن الحضارة الاسلامية لم تسع في أي وقت من الأوقات إلى التصادم مع الحضارة الغربية هو أن العرب والمسلمين لم يضعوا في أي زمن من الأزمان صوب أهدافهم القضاء على خصوصيات الحضارة الغربية وهويتها الحضارية، كما نجد الفكر العربي والاسلامي قد اتجه بانفتاح وقوة صوب التراث الغربي للاستفادة منه وتطويره• فقد كانت هناك استجابة سريعة للحضارة العربية الاسلامية في تفاعلها مع الحضارة الغربية، وهذا ما لا نلمسه في الحضارة الغربية التي لا تسعى إلى الاستفادة من تراث ومعطيات الحضارات الأخرى•
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©