الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سليم الثالث قائد ارتدى ثوب الثقافة وسار على خطى الفنانين

سليم الثالث قائد ارتدى ثوب الثقافة وسار على خطى الفنانين
11 أغسطس 2013 20:02
وسط العاصفة، وجد سليم الثالث نفسه سلطاناً وخليفة لدولة تحيط بها المخاطر من الداخل والخارج، ورغم أن سليل محمد الفاتح كان رجلاً عظيم الهمة، فإن كل محاولاته للإصلاح ذهبت سدى ومعها روحه أيضاً. ولد سليم الثالث أو سليم بن مصطفى الثالث في عام 1175هـ «1761م»، وعقب وفاة عمه عبدالحميد الأول في رجب عام 1203هـ «أبريل 1789م» إثر جلطة بالمخ أصبح سليم سلطاناً للدولة العثمانية وهو في الثامنة والعشرين من العمر. كان سليم الثالث رجل دولة بالمعنى الكامل للكلمة، ففضلاً عن مواصلته المعارك التي كانت مستمرة منذ عهد عمه تبنى السلطان الجديد سياسة إصلاحية شاملة لو قيض له أن يسير بها لنهايتها لأنقذ الخلافة العثمانية من مصيرها المحتوم. كان سليم عالماً متبحراً في العلوم الإسلامية وشاعراً مجيداً وخطاطاً ماهراً على دراية بالفنون الجميلة وبالجملة كان سلطاناً مثقفاً ولا يباريه بين سلاطين آل عثمان في هذا المضمار سوى السلطان مراد الثالث. الإصلاح وقد تركت ثقافته الرفيعة أثراً واضحاً على سيرته كخليفة لبلاد المسلمين، فكان ميالاً للإصلاح رحيما برعيته حريصاً على نشر العدل بينها بغض النظر عن دياناتهم وأصولهم العرقية وحاول أن يقضي على الفساد الذي أنهك الدولة العثمانية وأدى لتراخي قبضة الدولة على بعض الولايات التي امتنع بعض ولاتها عن دفع الضرائب، بل وهناك من حاول منهم الاستقلال عن الدولة العلية. بدأ سليم الثالث عهده بالقتال في معارك بالقارة الأوروبية دفاعاً عن مملكته وواجه ببسالة تحالف روسيا والنمسا معاً الذي أدى لسقوط رومانيا والقرم بأيدي الروس واستيلاء النمسا على بلاد الصرب وعاصمتها بلغراد، ولكن من حسن طالع السلطان أن هذا الحلف تفككت عراه الوثيقة نتيجة للثورة الفرنسية ووجدت النمسا نفسها بحاجة لحماية حدودها الغربية من امتداد أفكار هذه الثورة لأراضيها فاتفقت مع السلطان سليم على أن يعفو عن العناصر الصربية التي حاربت في صفوف النمسا نظير أن تعيد النمسا للدولة العثمانية بلغراد والأراضي الصربية كافة التي كانت قد استولت عليها، وهكذا تمالكت الخلافة نفسها بعد أن كادت تفقد كل أملاكها من الأراضي بالقارة الأوروبية. ترتيب الأمور ووجد السلطان سليم في هدوء جبهات القتال فرصة سانحة لإعادة ترتيب أمور السلطنة، وذلك بتبني برنامج إصلاحي فلسفته محاكاة النظم الأوروبية الحديثة خاصة في مجالات التعليم والإدارة وتنظيم الجيوش الحديثة. ووجد سليم مساندة ظاهرة من القوى الإصلاحية في الدولة لا سيما من الصدر الأعظم يوسف باشا وبعض حكام الولايات، ثم من صديقه كوشك حسين باشا الذي زوجه إحدى أخواته وعينه قائداً للأسطول العثماني. دراية تامة كان كوشك حسين على اطلاع كامل ودراية تامة بأحوال أوروبا وعمل جاهداً من أجل تأمين طرق التجارة البحرية معها، فأصلح الموانئ وحصن القلاع لمواجهة أخطار القراصنة وبنى عدة سفن حربية على أحدث الأنماط الفرنسية والبريطانية واستعان بعدد من المهندسين من السويد وفرنسا لصب معظم قوالب المدفعية التركية. وقام القبودان حسين أيضاً بإصلاح مدارس البحرية والمدفعية وزودها بمدربين أوروبيين وبمكتبات تضم كتباً مترجمة عن فنون القتال والتحصينات الحربية. وعمل سليم الثالث على وضع خطة جادة لتوسيع رقعة التعليم في الدولة، فافتتح العديد من المدارس والمعاهد. تنظيم الجند ولما كانت هذه الخطوات لإصلاح الدولة على النسق الأوروبي تلقى معارضة من الانكشارية وبعض رجال الدين فقد رأى كوشك حسين أن يحيد تأثير العسكر من الانكشارية بتنظيم الجند المشاة على النسق الأوروبي وعرفت الفرق الجديدة من المشاة باسم النظام الجديد، ولكن الانكشارية تحصلوا على فتوى من العلماء المتشددين والمعادين للتغيير بإبطال النظام الجديد بزعم أنه مستورد من الغرب الكافر ونظراً للنفوذ الكبير للعلماء اضطر سليم لإلغاء النظام الجديد وقام كوشك حسين بالإبقاء على 600 من أفضل أفراد النظام الجديد الملغي والإنفاق عليهم من ماله الخاص. وشهدت خلافة سليم الثالث في عام 1213هـ «1798م» حملة بونابرت على مصر والشام وقد أبلت الفرقة التي أبقاها كوشك حسين من النظام الجديد بلاء حسناً في تنظيم مقاومة عكا لحصار بونابرت للميناء مما شجع السلطان على إعادة النظام الجديد وأمر بتدريب المزيد منهم كما أمر بفصل المدفعية عن الانكشارية وتنظيمها على النسق الأوروبي. وزاد نجاح الجند الجديد فيما فشل الانكشارية في تحقيقه من قمع لعصابات بلقانية نشطت في أراضي الرومللي بدعم من روسيا في إصرار سليم الثالث على إلغاء الانكشارية وإدماج من هم أقل من 25 عاماً من المجندين بالنظام الجديد وأغدق في الإنفاق المالي عليهم مما سبب ثورة عارمة بين صفوف الانكشارية والعلماء المتشددين ومن سايرهم من طلاب المدارس الدينية. وعلى أثر ذلك استدعى السلطان الجند الجديد من القرم لقمع الثورة في استانبول، ولكن ذلك لم يحسم الأمور لصالحه. جهود سليم وانقلبت الأمور رأساً على عقب بوفاة المفتي الذي كان مؤيداً لجهود سليم الإصلاحية وتولى مكانه آخر معاد تماما لتلك النزعة الإصلاحية وبالفعل أصدر فتوى بعدم جواز التشبه بالنصارى في أنظمتهم وأزيائهم العسكرية وحاول سليم الثالث أن يحني رأسه للعاصفة فقرر عزل الصدر الأعظم وتعيين أغا الانكشارية مكانه وأمر بإلغاء النظام الجديد، ولكن تلك الإجراءات كلها لم تجد نفعاً أمام ثورة القوى المحافظة والانكشارية التي كانت تخاف من رجوع السلطان في قراراته مرة ثانية فقررت خلعه من الخلافة وتولية السلطان مصطفى الرابع. التحديث وحدث وقتها أن هدأت جبهة القتال مع روسيا فعاد البيرقدار قائد تلك القوات بجيوشه إلى استانبول لقمع الثورة وإعادة سليم الثالث إلى العرش فما كان من الفقهاء والانكشارية، إلا أن أقدموا على قتل السلطان سليم في عام 1222هـ «1808م» ليفتوا في عضد البيرقدار والقوى الإصلاحية، ولكن قواته واصلت التقدم وقامت بتصفية قادة الانكشارية وإعدام السلطان مصطفى الرابع أيضاً. وهكذا خسرت جهود التحديث في الدولة العثمانية رجلها الأكثر طموحاً وكفاءة وكان مصرعه بداية فعلية لتدهور الأوضاع في السلطنة وتدخل القوى الأوروبية في شؤونها الداخلية. شخصية من نوع خاص كان سليم الثالث يتميز بشخصية من نوع خاص وقد تجلى ذلك في عودته للتحالف مع فرنسا عقب حملة بونابرت على مصر والشام، وذلك لمواجهة التحالف الروسي البريطاني ضد السلطنة العثمانية، واستعان بخبرات الفرنسيين العسكرية لمقاومة حصار الأسطول الإنجليزي للبسفور والذي أملى قائده شروطا مهينة تقضي بتسليم سفن الأسطول العثماني للبحرية البريطانية، ولكن سليم نجح في إعادة بناء الأسطول في زمن قياسي وأرغم البريطانيين على الانسحاب وهم يجرون أذيال الخيبة. وتظهر الصور المعروفة للسلطان سليم الثالث الرجل في صورة شيخ وقور كثيف اللحية تبدو عليه علامات الثقة والتأمل اللائق بمثقف وأديب وإصلاحي مثله.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©