الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عالم «المتحدثين الرسميين»: أداء متباين وتجارب متنوعة

عالم «المتحدثين الرسميين»: أداء متباين وتجارب متنوعة
11 أغسطس 2013 20:18
بينما يكون العالم على موعد يومياً، وربما بانتظار وترقب لما سيدلي به المتحدث الرسمي الرئاسي أو المتحدث الرسمي لوزارة خارجية هذه الدولة أو تلك من الدول الأقوى في العالم، تغيب في المقابل وظيفة المتحدث الرسمي اليومي في المنطقة على الرغم من اشتعالها بالأحداث والحروب والأزمات. صحيح أن هذا الواقع هو انعكاس لميزان قوى، ولكن الصحيح أيضاً أنها تتعلق بمدى فهم دور المتحدث الرسمي في التفاعل مع الأحداث، في حين يزدهر «نظام» الإشاعات والأقاويل (والمصادر المجهولة) وتنتظر النخب وجمهور القراء المتأهبون لما ستكشفه أو تنقله وسائل الإعلام العالمية وما سيكشفه بعض المتحدثين الرسميين في الدول النافذة عالمياً. كلّما كبر دور الدول وحجم الجهات والشركات وسمعة المشاهير، كلما ازدادت الحاجة إلى التواصل المنهجي والفعال مع وسائل الإعلام. ولأن هذه الأخيرة بلغت من التعدد الكمي والنوعي درجة يصعب لأي مسؤول أوّل في القطاع العام أو الخاص الوقوف على جميع أسئلتها أو استفساراتها، فقد باتت وظيفة المتحدث الرسمي عالميا أكثر حضورا في العقود الأخيرة من السنين. وعلى مستوى المنطقة بلغ الاهتمام بدور المتحدث الرسمي درجة تطلب معها صدور قرارات في بعض الدول البارزة بضرورة استحداث منصب وتعيين متحدث رسمي في كل وزارة من وزارات الدولة. دور ومهام يرى البعض ولاسيما في الغرب أن الناطق الرسمي هو شخص دوره الحديث باسم الآخرين مع الإشارة إلى أنه في العالم المعني بوسائل الإعلام هناك العديد من المنظمات والمؤسسات، سواء الخاصة أو العامة أو حتى الأشخاص المشاهير، يستخدمون إجمالا مهنيين يتمتعون بتأهيل صحفي واتصال وعلاقات عامة، ودورهم هو السهر على أن تكون التصريحات والرسائل الإعلامية مصقولة بأفضل طريقة مناسبة مع السعي لتعظيم تأثير الرسائل والمعلومات الإيجابية وتخفيض تأثير السلبي منها إلى أقصى ما أمكن. والناطق باسم الحكومة هو شخص تقتضي وظيفته التحدث لحساب الحكومة بما يتطلب التعبير والتصريح للصحافة (للوصول بالتالي للرأي العام) عن مواقف ورأي هذه الحكومة حول مواضيع معينة، قد لا تكون بالضرورة المواضيع الأكثر حساسية -التي تبقى لقادة ومسؤولي الحكومة- والحديث عن الاجتماعات الحكومية بطريقة محبوكة. ويرى كثيرون أن ليس مطلوبا أن يكون الناطق الرسمي بالضرورة عضوا في الحكومة وعندما يكون كذلك فإن ذلك لا يكون وظيفته الرئيسة، وكان السائد في السابق أن وظيفة المتحدث الرسمي لا توجد إلا في الأنظمة البرلمانية حيث تعمل الحكومة بطريقة منهجية وتجتمع بمواعيد ثابتة وتضع في اعتبارها دائما دور الرقابة النيابي ولاسيما المعارضة منها. تاريخيا، لطالما كان الناطق الرسمي موجودا فعلا وإن بصورة بدائيا مقارنة مع الأداء العالمي الحديث، فالبعض يدرج وظيفته مع المراحل المبكرة لقيام الأنظمة السياسية، وقبل تطور وسائل الإعلام الحديث، مستندا إلى ما جاء في سجلات التاريخ من أن الكثيرين من السلاطين أو الحكام والملوك كانوا يخصصون موظفا معينا ليقوم بدور الناطق الرسمي من دون أن يحمل ذلك المسمى، أو على الأقل ليقوم ببعض مهامه. وكانت الأنظمة القديمة تعتمد على موظفين مختلفين لإذاعة أخبار معينة خصوصا ما يتعلق بالأوامر والنواهي أو إذاعة أخبار الانتصارات وغيرها. ويربط البعض بين المتحدث الرسمي ودور بعض الشعراء أو الحكائين قديما خصوصا في المجتمعات الشرقية، وتحديدا ما كان يقوم به «المنادي أو المذيع» وهو رجل يقوم بإعلان القرارات والفرمانات التي يصدرها الحاكم أو السلطان، إذ يدور المنادي في الأسواق وبين المناطق السكنية، إما مشيا على الأقدام أو ركوبا على الدواب، وهو يخبر الناس بنص القرار أو الفرمان مصاحبا ذلك بضرب الدف أو الطبل ليلفت انتباه الناس، كما يربط ذلك بكيف أخذ الحكام منذ اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر، الإعلان عن أخبارهم وسياساتهم عبر المنشورات المطبوعة، وعرفت هذه الظاهرة في الدول الغربية، كون الطباعة نشأت فيها قبل غيرها. ويُخشى أن هذا الربط قد أسهم في الخلط بين وظائف وزارة الإعلام ووظيفة المتحدث الرسمي، وهو خلط ما زال مستمرا في منطقتنا، إذ أن وظيفة الناطق الرسمي باتت أشمل وأكثر تطلبا وتخصصا بكثير مما تذهب إليه بعض التعريفات من أنه الشخص المكلف بإذاعة ما يراه مناسبا من أخبار ومعلومات واتجاهات وقرارات تتعلق بالحكومات وسياساتها ومواقفها المختلفة إزاء القضايا المختلفة التي تهم الحكومة أو تهم الرأي العام ووسائل الإعلام. لقد طرأ على وظيفة التحدث أو الناطق الرسمي الكثير من التعديل والتطوير في المواصفات، فلم تعد الإعلان فقط بقدر ما هي القدر على الإقناع أو التفاعل الحيوي على الأقل. ولم تعد وظيفة الناطق الرسمي تقتصر على الحكام والحكومات فقد أصبحت في العصر الراهن لازمة للأطر والهيئات السياسية وغير السياسية مثل الأحزاب والجمعيات والأندية الرياضية والكيانات الفنية وكذلك شركات القطاع الخاص الكبرى مثل مايكروسفت، وجوجل، وغيرها. تجارب عالمية تتنوع التجارب العالمية الحكومية في مجال «رتبة» المتحدث الرسمي، وتختلف وتيرة عمل المتحدث الرسمي بين دولة أو منظمة وأخرى وحسب النفوذ والدور وطبيعة وأهمية الأداء العام لسياساته أو لحركته الاقتصادية. ومن التجارب اللافتة ما حصل في إسبانيا قبل عقدين، حيث تم تخصيص وزارة للمتحدث الرسمي، أسميت بوزارة «المتحدث الرسمي لحكومة إسبانيا» التي أنشئت في العام 1988 (11 يوليو) التي كلفت بالعلاقات مع الصحافة والتواصل مع الحكومة ضمن أربع مهام، وهي صياغة وبث البيانات الحكومية ورئاسة الحكومة والتعامل مع أنشطة مجلس الوزراء ورئاسة الحكومة وتنسيق خدمات الإعلام للإدارة المركزية في إسبانيا والخارج والعلاقات الطبيعية مع وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، وقد تكونت هيكلتها من وزير متحدث رسمي ووكيل عام للمتحدث الرسمي. ولكن هذه التجربة لم تستمر سوى خمس سنوات بعد استحداثها حيث تم حل الوزارة في 1993 مع تشكيل حكومة الدستور الخامسة. وفي الصين، التي يرجح بعض المؤرخين أنها عرفت أشكالا متطورة من الطباعة وصناعة الأحبار قبل الغرب بمئات السنين، يوجد نظام خاص للمتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وهو نظام بدأ في مارس عام 1983 «بهدف تطوير قنوات الاتصال وضمان أعلى معايير الشفافية ودقة المعلومات عبر تبني أفضل الممارسات العالمية في مجال الاتصال»، وعبر هذا النظام، ووفقا لما جاء في «صحيفة الشعب» الحكومية أنه خلال 26 سنة مضت، استطاع أكثر من 20 متحدثا رسميا أن يمرر صوت الصين إلى العالم. وبمناسبة احتضان الصين لدورة الألعاب الأولمبية عام 2008 عقد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية ما يقرب من 100 مؤتمر صحفي على مدار العام. وفي سياق متصل أنشأت وزارة الخارجية الصينية خط هاتف خاصا يعمل على مدار 24 ساعة، بما في ذلك عطلات الأسبوع والأعياد للرد على أسئلة الصحفيين الأجانب مباشرة. وبينما يعقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية مؤتمرا صحفيا دوريا مرتين في الأسبوع يومي الثلاثاء والخميس بمقر وزارة الخارجية الصينية في العاصمة بكين للإجابة على أسئلة مئات المراسلين الصينيين والأجانب عن آخر التطورات في جميع المجالات على مستوى المحلي والعالمي بكل مصداقية وشفافية، يعقد المتحدث الرسمي باسم وزارات الخارجية في عدد من الدول الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة وفرنسا مؤتمرات صحفية يومية ضمن ما يعرف «الإيجاز الصحفي» الذي يقدم عادة أمام صحفيين معتمدين رسميا ويمثلون وسائل إعلام مختلفة. وفي وزارة الخارجية الفرنسية يُعقد الإيجاز الصحفي في فترة الظهر في مقر الوزارة الرئيس في «كي دورسيه» ولكن يتناوب على الحديث فيه من حين لآخر، اضافة إلى المتحدثين الرسميين، مسؤولون عن ملفات جارية أو ساخنة. كذلك لا بد من الإشارة إلى نظام المتحدث الرسمي لجيش الكيان الصهيوني حيث توجد فيه وحدة خاصة تسمى وحدة المتحدث الرسمي، وهي تتكون من عدة متحدثين رسميين، حسب الاختصاص، واحد منهم يتحدث العربية. انتقادات ومهارات من الزاوية المهنية تتعرض مهنة الناطق أو المتحدث الرسمي لبعض الانتقادات، ومنها ما قد يعتبر مهينا أحيانا، حتى تساءل معد أحد برامج إذاعة فرنسا الثقافية (فرانس كولتور- أكتوبر 2011) مرة إذا كانت مهنة المتحدث الرسمي تشبه مهمة «الكلب» أي الوفاء فقط لمن يعبر عنه، في إشارة إلى أن على المتحدثين الرسميين أن يكونوا في الخطوط الأولى للدفاع عن موقع أو حزب ما أو مؤسسة أو وزير «وأنهم مجبرون غالبا على تصفية وغربلة عناصر من لغات كتبهم غيرهم وتجنب الأسئلة المحرجة عبر ترتيبات من اللغة الخشبية». ومن الانتقادات أيضا اتهام المتحدثين الرسميين بمحاولة تضليل الصحفيين وبالقدرة على التهرب «المفضوح» من الأسئلة المحرجة. أما من ابرز الانتقادات للمتحدث الرسمي في منطقتنا هي تلك التي توجه للمتحدث الرسمي «المجهول» الذي تتهم بياناته بأنها مبتورة وتتهم الجهات التي تعتمد هذا النظام بأنها تعمد لذلك حتى لا يحاسبه أحد، ويسهل تغييره أو تغييبه. ومن سلبيات المتحدث الرسمي كذلك شكاوى الإعلاميين من قلة تأهيل المتحدث الرسمي إعلامياً وافتقاد بعضهم لمهارات التواصل اللازمة، والمبالغة في التحفظ وحجب المعلومات «الحساسة» ومحاولة تلميع المسؤولين في شتى الظروف. لكن ذلك لا يلغي حقيقة بالغة الأهمية وهي أن المتحدث الرسمي ينقل رسائل متفق عليها واتخذت طريقها الرسمي للاعتماد بحيث يمكن اعتبارها تعبيرا أكيدا عن الجهة التي يمثلها وغير قابلة للتشكيك، أي يمكن اعتبارها كمرجع بغض النظر عن فحوى المعلومات أو الرسائل، وهذا عنصر ضروري للغاية في العملية الإعلامية الإخبارية خاصة بعدما أصبحت سرعة المدونات والتغريدات على الشبكة العنكبوتية أسرع من أن تنتظر البيانات الموسمية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©