الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجدة حنان تفتقده المنازل

الجدة حنان تفتقده المنازل
14 أكتوبر 2006 23:49
موزة خميس: لا تزال صورة جدتي وهي تجالسنا بجانب ظل المنزل ضحى أو عصر كل يوم راسخة في القلب والذاكرة· ولا تزال كذلك صور كل الجدات اللاتي عرفناهن تتجدد في مخيلتنا، فكل جدة كانت بمثابة الأم لأحفادها ولأحفاد أو أبناء الجيران· ورغم متعة اللعب والثرثرة بين الأطفال وبعضهم إلا أن أمتع اللحظات كانت حين ندخل على جدتنا أو جدة الجيران، حيث نجد الحنان ومتعة الاستماع إلينا في هدوء، مع صدر يتسع لصراخنا أو لعبنا بمتاعها أو مد أيدينا إلى طعامها· كبرنا وكبرت بداخلنا صورة الجدة، فكنا حين نلعب مع بعضنا كفتيات نحب أن نقوم بأدوار تمثيلية وكان دور الجدة يمثل المتعة، ويبعث السرور والضحك في آن معا· فقد تعلمنا أن جداتنا كن يطعمننا الحلوى المعجونة بالمعاني السامية والأخلاق الحميدة· وكن يصنعن لنا الخبز المفرود على صاج الماضي لتعبق مخيلتنا بتراث الأصالة والأدب مع الناس وحب الخير ونبذ الإساءة، حيث لا يزال المثل القائل ''أحسن إلى من أساء إليك'' هو المفتاح الذي نلج بواسطته إلى قلوب الآخرين· كل جدة كانت حضناً يجمع ويلم الشمل بينها وبين أحفادها، وبين أبناء الآخرين الذي لا جدة لهم، واليوم كيف هو حال الجدة؟ وهل لا تزال هناك جدات يمارسن نفس أدوار الحب والعطاء الفطري؟ تنعم آمنة علي بوجودها بين أحفادها من بناتها لأنها تسكن معهن، لكن أحفادها من الأبناء الذكور بعيدون عنها يعيشون في بيوت أخرى، فزوجات الأبناء - كما تقول - يشترطن دائماً أن ينتقلن للسكن في بيوت مستقلة· أحفاد··· وأحفاد تقول: جربت السكن مع ابني الأكبر أولا، وما زلت أتذكر كم كانت زوجته تتضايق من طريقة تربيتي لطفلها، مع أنني ربيت رجالا أصبحوا ملتزمين وناجحين في أعمالهم وبيوتهم· وعندما انتقلت لبيت ابني الثاني لقيت نفس المعاملة· آمنة التي تسكن مع ابنتها المتزوجة تتمتع كثيراً بتربية عيالها، وبزيارة أبناء ابنتها الثانية الذين يقضون معها معظم الوقت حيث تنصحهم وتقص عليهم القصص، وتنقل لهم تجارب الآخرين وكيف نجحوا ولماذا نجحوا· تقول: من أجمل التجمعات تلك التي تحدث في رمضان، حيث نجلس بعد الانتهاء من إعداد الإفطار إلى ما قبل المغرب بقليل، نستمع إلى الأطفال، وربما نضع لهم المصاحف أو أجزاء من القرآن مثل جزء عم ليقضوا وقتا مفيدا يتنافسون فيه على حفظ قصار السور· يأتون كالغرباء عائشة أحمد أم لتسعة أبناء بينهم 3 فتيات تزوجن وأنجبن تقول: ''نحن نرغب في القيام بدور الأم لأحفادنا فما أعز من الولد إلا ولد الولد، لكن ظروف عمل الأبناء والبنات أبعدت الأحفاد عن الجدات· فأبنائي وبناتي سكنوا في إمارات أخرى، وزيارة أحفادي لنا مرتبطة بإجازة والديهم، فكيف أستطيع أن أربي أو أعلم؟! وحتى حين يأتي وقت زيارتهم لي فإنهم كالغرباء نوعا ما، لأن البعد جفاء''· من بعيد ويختلف حال شيخة عن حال عائشة وآمنة، حيث تقول: كنت وما زلت أعمل في الهيئة التدريسية، وتدرجت من معلمة إلى مديرة مدرسة، ولذلك أقضي القليل من الوقت مع حفيدتي، لأنها تسكن مع ولدي في منزل مستقل· كبرت حفيدتي وحولها كل التقنيات الحديثة التي تشغل وقتها، فهي تملك أجهزة اللعب الإلكترونية، وتستخدم الكمبيوتر وتقضي وقتا مع برامج الأطفال التلفزيونية، وأعتقد أنها مكتفية ولا ينقصها شيء· وحفيدتي فتاة خلوقة لأن تواجد الوالدين وحكمتهما هي التي تربي، ولكن ربما يفتقر أبناء جيل الألفية الثالثة إلى بعض القيم التي بدأت في الاندثار نتيجة تقليد الغرب، حيث تقوم وسائل الدعاية والترويج في الإعلام المرئي بدور أكبر قوة وأشد أثراً من جلسات متباعدة تضم الجدة مع الحفدة· رغم ذلك، تؤمن شيخة أن أبناء العرب والشرقيين عموما أكثر تقاربا مع ذويهم· ورغم أن الطفل واحد في كل العالم، إلا أن الطفل العربي جياش المشاعر ويحب الانتماء إلى الأسرة والالتصاق بها حتى لو كبر وتزوج، وقلة منهم من يشذون عن هذه القاعدة ويكبرون على الجفاء، ربما لأنهم لم يجدوا صدورا حانية وآذاناً مستمعة· طقس يومي أم محمد حكاية أخرى مختلفة، فهي لا تزال تمارس نفس الطقوس التي كانت تقوم بها جدتها رغم أنها موظفة· ففي كل يوم تفرش حصيرتها وتجلس خارج الفيلا ليجدها أبناؤها في خروجهم ودخولهم إلى بيوتهم، ويدخل عليها أحفادها وأبناء الجيران كذلك· تقول أم محمد: ''أجهز القهوة والشاي، وأصنع الحلوى وأضعها أمامي، وأنتظرهم وأنا أستمع إلى الراديو· وربما نعمل على أن ننهي بعض أجزاء من القرآن في رمضان· ويجلس معنا الأطفال ليحفظوا أيضا ما تيسر منه، ولكن الأبناء الكبار انشغلوا بالكمبيوتر، ويجلسون لساعات طويلة مع هذا الجهاز يتحدثون إلى بعضهم، ولا أعلم هل انتهى عصر الهاتف؟ لماذا لا يتحدثون بالهاتف إن كان هناك ما يقال؟ ولكن في النهاية يصيبهم الإعياء والملل ويأتون للجلوس معنا· 6 أسر في منزل راية المحرزي- مستشارة شؤون الأسرة والعمل الاجتماعي- تقول: أصبحنا 6 أسر داخل أسرة واحدة، ولا يزال بيت واحد يضمنا· تربيت على يد والدة زوجي، وحين وضعت أطفالي علمتهم أن جدتهم هي الحضن الآمن وهي المربية· وعندما كبر أبنائي وتزوج الذكور منهم أصبحت زوجات أبنائي بناتي وأبناؤهم في حضني وحضن والدة زوجي· ولذلك شب الأبناء على مثل وأخلاق صحيحة نابعة من أصل ديننا وعروبتنا، فلم نتأثر لا بثقافة الغرب ولا بإعلامهم إلا في الجوانب التي ستضيف إلى حياتنا· وربما تدهشين إذا أخبرتك بأن في المنزل تلفزيون واحد موجود في الصالة التي تجتمع فيها كل الأسرة، وهناك كمبيوتر واحد، وخط انترنت واحد، كي تكون الأمور واضحة أمام أعيننا، لأن ما يبث حلو كالعسل ولكنه ''العسل المدسوس به السم''، وقليلون يدركون ذلك· وحتى الهاتف النقال لا تمتلك الفتاة هاتفها إلا بعد أن تنهي الثانوية العامة لأنه عندها يصبح ضرورة· وهكذا استطعنا أن نبقي أسرتنا متماسكة ومرتبطة بالجدة، وأن ننقل للأحفاد الأصول التي تربينا عليها، والتي تعينهم على النجاح مع الله ومع الوالدين ومن ثم مع العمل والمجتمع· وعندما أجد أبني أو حفيدي يقول لي: أنا مشغول مع هاتف أو مع انترنت أقول له: يا حبيبي ··· يا عمري أنا لي الأولوية وأنا الأهم، وهكذا أزرع في نفسه الأولويات، فمن يتجاهل جدته أو أمه سيأتي عليه يوم يتجاهله أحد من عياله· فتش عن التكنولوجيا الشيخة الدكتورة هند القاسمي- الخبيرة التربوية في المكتب الفني لمعالي وزير التربية - تقول: لا شك في أن التطور الذي شهدته الحياة الاجتماعية أثرت على الدور الذي كانت تقوم به الجدة في السابق، كما أثرت على أشياء أخرى كثيرة، بحيث تراجع دورها وحضورها في حياة الأحفاد· ومن أهم أسباب اضمحلال دور الجدة في حياة الأسرة التطور التكنولوجي، حيث أصبحت الأسرة مستقلة ونووية، ونتيجة تغير حجم الأسرة ودور الأب والأم تغير دور الأبناء وحدثت أنواع من التفكك العائلي· وفي هذه الأيام نجد أن الجدة تعيش في منزل منفصل والأب والأم مع الأحفاد في منزل آخر، حيث افتقدت الأسرة وجود الجدة بموروثها وتراثها وخبرتها في الحياة والتي كنت تمد الأبناء والأحفاد بها· ضريبة الاستقلال مريم الفزاري- رئيس قسم الخدمة الاجتماعية والنفسية بمركز أبوظبي للتأهيل الطبي- تعتقد أن البيوت التي سعت بناتها وأبناؤها للاستقلال بعد الزواج هي التي تدفع ضريبة هذا الاستقلال، حيث يفتقد الأحفاد الجدة التي تحتضن وتحكي القصص، وتعلم الأخلاق وتعين على كل ما يخص الطفل في حال غياب الوالدين أو أحدهما· وتؤكد أن كل التقنيات الحديثة لا تعوض ولا تعطي مثلما تعطي الجدة لأبناء أبنائها، فهي مدرسة تعلم وتّقوم وتصحح· وأظن أن الغالبية العظمى اليوم تفتقد الجدة وخصوصا من ينتقلون بعائلاتهم إلى أماكن أخرى بعيدة، كانت الجدة مرجعية الأطفال ومعلمهم وستبقى ما بقي الدهر· وتقرع فاطمة أحمد المعلا - خبيرة تربوية بوزارة التربية- ناقوس الخطر، وتدعو الى التفكير بجدية في ما ينتظر الأجيال القادمة في ظل غياب الأب والأم، وترك الأبناء فريسة في يد المربيات والخادمات دون إشراف أو توجيه ومراقبة· ودور الخادمة في نقل سلوكيات منحرفة وعدوانية بالإضافة إلى فقد الانتماء والوازع الديني والشعور بالاغتراب· وتقول: خلال العقود الخمسة الماضية طرأ الكثير من التغير في الحياة الاجتماعية، وانتقلت الأسرة من عهد الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية· وفقد الحفدة أثر الجدة التي يمثل دورها الرحمة والحنان والصدر الآمن، حيث كانت الجدة ولا تزال لدي الكثير من الأسر تمثل المربي الذي يوجه ويقّوم ويوجه نحو السلوكيات المقبولة دينيا واجتماعيا، وهي تشكل المرجعية في البيت سواء للأبناء أو للأحفاد، ومن لديه جدة في المنزل عليه أن لا يفرط فيها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©