الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا: صعوبة الانتقال الديمقراطي

11 أغسطس 2013 21:55
من المعروف أنّ الانتقال الديمقراطي هو انتقال من مرحلة التشتت السياسي والشعبي إلى مرحلة يتحقق فيها الانسجام السياسي والمجتمعي وتضمن الحقوق للناس، وللكيانات السياسية، بطريقة ديمقراطية سلسة، على أن يكون الاعتراف بالآخر السياسي والمجتمعي سيد الموقف في هذه المرحلة. ولكي يتحقق الانتقال الديمقراطي في سوريا لابد من توفير شرطين، الأول: حدوث الانسجام السياسي، أي تحقيق تفاهم بين كل الأطراف المعارضة (الداخلية والخارجية)، وحتى مع بعض من مكونات النظام الذي يؤمن بالتغيير الديمقراطي، وذلك استجابة لحاجة المرحلة الثورية والديمقراطية التي تمر بها سوريا اليوم. أما الشرط الثاني فهو إعادة التوازن في القيم الثورية لدى الثورة والثوار، وهي تتم من خلال الشرعية السياسية ودورها في عملية الانتقال الديمقراطي الذي يعيد دور القوى القريبة من تطلعات الشارع بهدف الاستقرار السياسي وتعزيز الديمقراطية حتى لا يشعر أي طرف من الأطراف المعارضة على أساس خلفية أيديولوجية أو عرقية أو طائفية بأي غبن أو استخفاف أو استهتار بحضوره ووزنه في العملية الديمقراطية التي من المفترض أن تكون في قائمة روزنامة المعارضة السورية. والحق أن المرحلة الثورية تحتاج إلى التكاتف والبحث عن صياغات فكرية وثورية متسقة من قبل القوى المتفاعلة في هذه المرحلة. ومن هنا، فالمطلوب من القوى الحزبية أو الفاعلة في المشهد الثوري السوري الآن الانتباه لآلية نضاله وانخراطه في الثورة. فعواقب العمل غير الصائب ثورياً ستكون خطراً على مرحلة ما بعد الانتقال الديمقراطي. والسؤال كيف نحقق الانسجام السياسي العام في ظل تشابك الاتجاهات الثورية ووجود قوى متطرفة؟ وكيف نخلق القيم الثورية الانتقالية العامة؟ وما أخطر النقاط المفككة للانسجام السياسي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخلاف على الشرعية السياسية من أشد العوامل المهددة للعلاقات المجتمعية وللتعايش المشترك؟ والحال أن الانسجام السياسي يتحقق من طريقتين، الأولى: أن تحمل كل الأطراف العاملة في حقل الثورة السورية نفس القيم الثورية وأن تتحلى بالثقافة السياسية نفسها. والثانية: تحقيق الانسجام الاجتماعي والثقافي. وفهم الشرعية السياسية يكمن في إدراك أنّ أي شرعية لا يكتب لها النجاح إلا الشرعية التي تكتسب من خلال قبول الناس ورضاهم، ومهما تكن قوة القوى السياسية، ومهما تكن مستندة إلى عوامل ومقومات قوة ذاتية، والتاريخ يشهد على هذا، ولذلك نرى أن القوى السياسية في العالم الديمقراطي تتنافس على التقرب إلى الناس وتسعى لمعرفة أحوالهم وتحاول اكتساب رضاهم من خلال دعمها لهم، ببرامجها السياسية المعبّرة عن تطلعات الناس أو التي تدغدغ مشاعرهم باستثناء حالات الثورة التي قد تكسب بعض القوى شرعيتها من شرعية الثورة نفسها. والشرعية السياسية بعد الثورة ليست هي نفسها قبل الثورة، لأن النظام الحديث عادة ما يتركب بآليات جديدة وبمنهجية مختلفة قد تكون أبعد وأعقد مما كان قائماً، ولكن الشرعية في النظام الجديد، وحتى تكون ذات مستند قوي يجب أن تحظى برضى الناس بمختلف مشاربهم وقواهم السياسية، وهذا يتم عبر تحقيق الانسجام الاجتماعي والسياسي بين مكونات المجتمع. ويرى الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط أنّ العدالة تتحقق حين يختار العقلاء ما يريدون لأنفسهم، من دون أن يتأثر هذا الاختيار بدوافع غير نبيلة، مثل نظرتهم الضيقة إلى مصالحهم، أو انحيازهم العاطفي. ولكن الانسجام السياسي عادة ما يكون ظاهرة فوقية أي ليست معبّرة عن الإجماع، ولذا لابد أن يتزامن الانسجام الاجتماعي مع الانسجام السياسي. يحصل عادة الانسجام أو الإجماع الاجتماعي عندما تشعـر المكونـات بوحدة المصالح، ويكون ذلك أسهل عندما: 1- تكون الثقافة السياسية للمكونات في الإقليم من مصدر واحد. 2- الذاكرة الجمعية واحدة كالارتباط في التاريخ وفي مجال الاجتماع والسياسة. 3 - عندما يكون التعامل الاقتصادي مختلطاً غير مستقل، أي أن العلاقة بين أصحاب المصالح متفاعلة ومتشاركة. 4- إذا وجد الاختلاط السكاني عبر التزاوج وتعدد الانتماءات لدى الأبناء والمكونات. وفي المقابل يصعب الانسجام إذا كانت: 1 - المكونات ذات ميول انفصاليّة. 2- إذا كان ثمة حقد أو ثأر تاريخي بين المكونات. 3- إذا كانت المكونات ذات صفات انطوائية غير قابلة للاندماج من أجل الهدف الأسمى. 4- إذا كانت للمكونات انتماءات عرقية أو طائفية أو ولاء لجهات خارج الإقليم. وفي المحصلة: نحتاج إلى محاورين سياسيين مقتدرين لهم الخبرة في حل النزاعات الأهلية والاجتماعية. ومن الأفضل أن يكون الوسطاء من القوى المؤثرة في داخل الإقليم مع الوسطاء من كل طرف، والأفضل هم المحاورون والوسطاء الذين لهم خبرات شخصية وثيقة مع الأوضاع. وزيادة على ما ذكر أعلاه يسهل ترسيخ الانسجام السياسي أيضاً في الحالات التالية: 1- إذا كانت أهداف القوى السياسية واحدة. 2- عندما تكون للقوى السياسية الثقافة الإيديولوجية نفسها. 3- عندما تكون مستقلة وتعتمد على موارد مالية وبشرية في الداخل. 4- عندما تمتلك تراكماً لتحالفات سياسية ولوجستية سابقة. فيما يصعب الانسجام، أو قد تطول فترة تحقيقه في الحالات التاليّة: 1- أن تكون الأهداف مختلفة. 2- ومصادر الدعم متنازعة أو غير متفقة. 3- أو عند وجود إيديولوجيات مختلفة. 4- وعند وجود الأحزاب التي تنمو أفكارها على العصبيات والعنصريات الموروثة. ‎فاروق حجّي مصطفى كاتب وباحث سوري ينشر بترتيب مع خدمة «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©