الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصراع السياسي لا يخفي مشاكل مصر الاقتصادية

11 أغسطس 2013 21:58
لم تتوقف حدة التوتر في القاهرة العاصمة المصرية المترامية الأطراف، عن التصاعد والاحتدام، حيث تتواصل الاعتصامات في الميادين تعبيراً عن المواقف السياسية المتباينة ودفاعاً عن رؤيتين متناقضتين للديمقراطية بين تلك التي يتبناها أنصار الرئيس المعزول، محمد مرسي، في رابعة العدوية، وما يدافع عنه مؤيدو التحرك العسكري وخريطة الطريق السياسية التي وضعها الجيش في ميدان التحرير وعلى شاشات المحطات التلفزيونية المصرية. ورغم كل ذلك، يبقى الهم الأساسي بالنسبة لعدد لا يستهان به من المصريين هو تأمين لقمة العيش في ظل وضع اقتصادي ومعيشي بالغ الصعوبة، ومن هؤلاء المواطنين المصريين الذين يكافحون لإقامة أودهم السيدة متوسطة العمر، أم إسماعيل، التي تقطع كل يوم مسافة طويلة من مكان سكانها بإحدى ضواحي القاهرة إلى حي الزمالك الراقي للاستفادة من موائد الرحمن خلال شهر رمضان الماضي، وهي موائد التي يقيمها بعض الميسورين من المصريين. هذه الوضعية المعيشية غير المريحة تصورها أم إسماعيل وهي تجلس تحت جسر مع مجموعة من الأشخاص متحلقين حول موائد وُضع عليها الطعام قبيل موعد الإفطار خلال شهر رمضان، قائلة «نحن الفقراء لا نهتم كثيراً بالسياسة كل ما نريده أن نجد الطعام فوق المائدة ونلبي احتياجاتنا الأساسية». وتضيف أم إسماعيل التي اتخذت مكانها على المائدة منتظرة انطلاق أذان المغرب لإعلان بدء الإفطار «نحن نشعر بحرج كبير لأنه علينا المجيء إلى هذا المكان للحصول على وجبة الإفطار، وعدم قدرتنا على تأمينها بأنفسنا دون مساعدة المحسنين». ورغم المشاكل الاقتصادية التي كانت تتخبط فيها مصر حتى قبل ثورة 25 يناير من العام 2011 التي أطاحت الرئيس الأسبق، حسني مبارك، مثل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وضعف القطاع الخاص وعجزه عن استيعاب جحافل الخريجين، وتردي النظام التعليمي الذي لم يعد قادراً على مواكبة احتياجات سوق العمل، إلا أنه ومنذ سقوط مبارك تدهور الوضع الاقتصادي أكثر طيلة السنتين ونصف السنة الأخيرتين بسبب الاضطرابات التي عمت البلاد وهروب أموال المستثمرين، بالإضافة إلى تراجع قطاع السياحة الذي كان يشكل مورداً أساسياً للدخل في مصر، كل ذلك انعكس سلباً على الظروف المعيشية الأكثر هشاشة من المصريين، وزاد من تفاقمها الانفلات الأمني وتضرر العديد من الأعمال الصغيرة والمتوسطة. وما زالت الميادين تغص بالمحتجين، كما أن الصورة السياسية للبلد لم تتضح بعد ما يمنع المستثمرين من العودة وضخ أموالهم الضرورية لإنعاش الاقتصاد، والنتيجة هي ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الغذائية، وتزايد معدلات التضخم التي بلغت خلال شهر يونيو الماضي إلى 9.8 في المئة، وفيما سعت الحكومة إلى الحفاظ على الدعم الموجه للمواد الأساسية مثل القمح والوقود حماية للفقراء وحفاظاً على الأمن الاجتماعي والسياسي، إلا أنه أدى من جهة أخرى إلى تفاقم عجز موازنة الدولة الذي وصلت حصته من الدخل المحلي الإجمالي إلى 11 في المئة، وحتى أموال المساعدات التي حصلت عليها مصر من دول الخليج العربي بعد عزل مرسي والتي وصلت قيمتها إلى 12 مليار دولار وإسهامها في استقرار السوق وأسعار المواد الأساسية، يأمل المصريون في انعكاسها على معيشهم اليومي. وعن وضعها الصعب تقول أم إسماعيل «منذ سقوط مبارك والأمور في تدهور مستمر، ورغم كل ما يقال عن عهد الرئيس الأسبق إلا أنه على الأقل كنا نجد ما نأكله»، وتضيف أم إسماعيل محللة الواقع السياسي من وجهة نظرها المتواضعة «إن مشكلة محمد مرسي أنه لم يكن يشعر بالبسطاء من المصريين، نحن في حاجة إلى رئيس ينزل إلى الناس ويتفاعل مع مشاكلهم». لكن الصعوبات المعيشية التي تواجهها أم إسماعيل والعديد من المصريين لا تمنعها من إبداء أسفها على إراقة الدماء في الشوارع وما آل إليه الوضع السياسي، متسائلة «نسمع كل يوم عن صدامات وسقوط المزيد من الضحايا، فإلى متى سيستمر هذا الوضع». ويبدو أن المصريين ومن بينهم، أم إسماعيل، باتوا يدركون العلاقة بين استقرار الوضع السياسي في البلاد وتقدم الاقتصاد، لكن ذلك أيضاً يضعهم أمام مأزق العودة إلى العهد البائد، فالاستقرار السياسي الذي اتسم به عهد مبارك كان زائفاً كما أثبتت الثورة، حيث ظلت المشاكل الاجتماعية حاضرة تحت السطح دون أن تختفي، كما أن الفساد الاقتصادي خلق طبقة من المستفيدين على حساب شرائح الشعب الواسعة التي لم تحظ سوى بالفتات. وقبل أن نتمكن من التقاط صور أم إسماعيل وباقي الأشخاص الذين أتوا من مناطق سكناهم البعيدة للاستفادة من الإفطار المجاني قام رجل، خالط الشيب شعره، بمنعنا بعدما استشعر على ما يبدو الحرج، أو لم يرد لصحفية أجنبية أن تتطفل على ظروفهم المعيشية الصعبة وينقلها للعالم. لكن ورغم الأوضاع الاقتصادية المتدهورة لأغلب المصريين لم تغادر روح الدعابة من كانوا متحلقين على مائدة الإفطار، حيث علت ضحكاتهم المكان وطغت نقاشتهم على الهدوء الذي يسبق وقت الإفطار، فيما كانت أنواع العصائر المختلفة والتمور توزع على الصائمين إيذاناً بانتهاء يوم صوم طويل وشاق. ‎كريستا كيس براينت القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©