الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التواصل الأفقي

23 يناير 2012
يمكن لاستمرار ابتكار التكنولوجيا الجديدة في عالم الاتصال أن يؤدي بالعالم إلى مطارح لا يفكر بها أحد، حتى أكثر الناس هوساً بإمكانية المستحيل. وتمثل التخيلات بتقنيات “خارقة” قد تظهر في المستقبل القريب إشكاليات فلسفية وشعبية في وقت واحد، فالجيل الذي عايش الانتقال السريع من عصر إلى آخر بات أكثر قابلية من جيل الأمس ليتوقع غير المتوقع. وستكون هذه القابلية عند جيل الغد أكثر قوة وانتشاراً. ومن هنا نفهم كيف للتكنولوجيا أن تغير الأفكار والعقليات، وليس العادات ونظم التواصل فقط. إن التقليل من قيمة هذا التحول “الذهني” يمكن أن يكون مسألة بالغة الخطورة. قد نختلف على تقدير قيمة ودرجة ومدى هذا التحول، لكن يجب الاعتراف أولاً بأنه بات “حقيقة “ بشرية ساطعة، مهما كانت ثوابت العقائد والأيديولوجيات. نعم، أعترف في المقابل بأن تقبل هذه الحقيقة عن “طيب خاطر” أو اقتناع ليس بغاية البساطة، فضلاً عن أنه مصدر قلق لشرائح واسعة بمن فيهم مثقفون ومفكرون، ولكن مثل هذا الواقع المحافظ لن يمنع “العالم الآخر” من الاستمرار في إنتاج أدوات وأجهزة تزيد في نهاية المطاف، من حقيقة أن العالم يتحول وقابل لمزيد من التحول وبسرعة نمو تفوق بملايين الأضعاف مخرجات الجمود الثقافي ـ الذهني. من مظاهر هذا الجمود محاولة دحض حقيقة التحول بافتراض أن قيمته سوف تبقى “كمية “ فقط، ولا يمكن أن تكون نوعية وأن التاريخ يكرر نفسه باستمرار. قد تكون هذه الفرضيات صحيحة بنسبة معينة أو من زاوية ما، ولكن الخطر فيها يكمن في العمل على إسقاطها على كل جوانب الحياة - بما فيها عملية التفكر نفسها ـ لتبرير التخلف والتسليم بالعجز عن التنمية والاستكانة لـ”المسكنة”. ومن أخطر مظاهر هذا الإسقاط ما يحدث لوظيفة عملية الاتصال نفسه. فعملية الاتصال التي تبدأ وتنتهي إلى لا شيء تطوري هي ضحية هذا النمط في التفكير. والاتصال الذي يسعى فيه طرف ما إلى فرض نفسه على الآخرين ينتهي سلبياً وكارثياً، ربما بمزيد من التخلف. تلك مرحلة شهدت ذروتها في القرن العشرين مع ازدهار الإعلام والتوجيه والتربية وفق المنظومة الهرمية، حتى في أعرق الديمقراطيات الغربية. وبعدما تمكنت التكنولوجيا التفاعلية من تخطي هذا الواقع التاريخي وساعدت على إرساء الاتصال الأفقي ملكاً متوجاً مكانه، لن يستطيع شيء الوقوف بوجه التحول الجديد، مع كل الاحترام للرأي الأخير لجوليان آسانج مؤسس موقع ويكيليكس الشهير بأن الإنترنت قد يتحول إلى أضخم آلة رقابة في التاريخ، ومع كل الخشية المشروعة من قوانين الرقابة على الإنترنت التي تشهد زخما محموما في العديد من دول العالم، فقد فُتح الباب على مصراعيه أمام التواصل الأفقي بين البشر، ومهما بلغت القيود فإن القدرات والإمكانيات المفتوحة والرخيصة في بناء شبكات التواصل، والمستقبل المليء بمزيد من الاكتشافات الواعدة تؤكد أن العالم سيتغير أكثر. وأهم تغير هو أن المعرفة “التقانة” لم تعد حكرا على النظم والشركات الكبرى، بل أصبحت فردية ومتاحة وشعبية بشكل لم يعد بالإمكان معه إعادة حجرها وإخفائها عن سبعة مليارات نسمة.. وهنا تكمن أهمية التحول الذي نعايشه في العصر الرقمي الجديد: إنه تحول كمي ونوعي في آن. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©