السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مئذنة جامع ابن طولون بالقاهرة طراز لم يتكرر في العالم الإسلامي

مئذنة جامع ابن طولون بالقاهرة طراز لم يتكرر في العالم الإسلامي
15 أكتوبر 2006 01:51
القاهرة- د· أحمد السيد: هذه المئذنة هي يتيمة دهرها ووحيدة أقرانها، لا نظير لها بين مآذن العالم الإسلامي، فهي طراز وحدها ومثال لم يتكرر أو يحاكى· وقد شيد هذه المئذنة السلطان المملوكي حسام الدين لاجين المنصوري في عام 696 هـ، ضمن أعماله المعمارية التي أنقذ بها الجامع من خطر الانهيار التام· وكان هذا السلطان قد لجأ إلى جامع أحمد بن طولون واختفى به خشية أن يقع في أيدي منافسيه من أمراء المماليك المتنازعين على عرش السلطنة، بعد الفتنة التي قتل خلالها السلطان الملك الأشرف خليل بن قلاوون، ونذر لاجين أن يعمر الجامع إذا تولى السلطنة وأوفى بنذره، وعمر ما كان متهدما من الجامع، وما تخرب منه بفعل الزمن وسوء الاستعمال، إذ كان أمر الجامع المهيب قد آل إلى أن أصبح ملجأ للفقراء يفترشون أروقته وبخاصة الحجاج المغاربة وهم في طريقهم إلى الأراضي الحجازية· سلم حلزوني وكان لهذا المسجد عندما شيده أحمد بن طولون في عام 265 هـ ''878 م'' مئذنة بنيت على نسق ملوية جامع سامراء الشهيرة ببدنها الاسطواني والمنحدر الحلزوني الذي يلف حول هذا البدن من الخارج، حيث كان المؤذن يصعده راكبا دابته ليصل إلى شرفة الأذان بأعلى الملوية· ويبدو أن المهندس الذي كلفه السلطان لاجين بإعادة ترميم الجامع شاهد بقايا الملوية القديمة، واستوحى منها فكرة الدرج الخارجي للمئذنة الجديدة التي زود بها الجامع، وهو ما يخالف ما أعتاده المعماريون في العصر المملوكي من تشييد الدرج داخل المئذنة· وقد شيدت هذه المئذنة في الزيادة الغربية للجامع، وهي مبنية بالحجر ومؤلفة من ثلاثة طوابق، وقاعدة المئذنة أو طابقها الأول متعامد الأضلاع ''12,8 *''13,70 ولهذه القاعدة سلم من الخارج بأربع قلبات يصعد منه سطح وسلم حلزوني يدور حول الطابق الثاني الذي اتخذ هيئة أسطوانية مستديرة، ويؤدي هذا السلم الحلزوني إلى سطح آخر يرتكز عليه بدن مثمن متوج بقبة صغيرة· وكان من المعتقد أن مئذنة السلطان لاجين بنيت حول جزء من المئذنة الطولونية الأولى، إلى أن قام المهندس ''بترويكولو'' من لجنة حفظ الآثار العربية بعمل ثقب بعرض متر وبعمق ثلاثة أمتار تقريبا في الضلع الجنوبي من الكتلة الحجرية الصماء المكونة للقاعدة، وتبين له أن البناء على امتداد سمك الثقب من نوع واحد وهو ما قطع بأن المئذنة القائمة الآن هي انشاء كامل للسلطان لاجين المنصوري· مزيج من التقاليد الإسلامية وتمتزج في مئذنة جامع أحمد بن طولون جملة تأثيرات من أساليب عربية إسلامية، فبالإضافة إلى التقاليد المحلية المصرية نرى أخرى وافدة من الشرق والغرب الإسلاميين، فبالإضافة إلى السلم الخارجي الذي جاءت فكرته من ملوية سامراء بالعراق، نجد البدن الضخم المتعامد الأضلاع في قاعدة المئذنة قد استعير من مآذن الغرب الإسلامي، إذ تمتاز مآذن شمال أفريقيا والأندلس بأن الواحدة منها ذات بدن ضخم عال يرتفع إلى قرب القمة ويوضع فوقه جوسق تعلوه قبة، كما يوجد في كل من أوجه قاعدة المئذنة مجموعة من شباكين مسدودين لكل منهما عقد على هيئة حدوة الحصان ويفصل بينهما عمود رخامي وهذه الشبابيك التوأمية بعقودها وتيجان أعمدتها عناصر معمارية كان يتميز بها طراز مآذن شمال إفريقيا والأندلس· أما الأسلوب المعماري المحلي الذي عرفته مصر، فيبدو واضح الأثر في الجوسق المثمن الذي تنتهي به المئذنة من أعلاها، وهو عبارة عن طابقين، الثاني منهما مرتد إلى الداخل بعض الشيء، وتعلوه قبة صغيرة مضلعة، تعرف ''بالمبخرة'' طبقاً للمصطلحات المعمارية المعروفة في مصر المملوكية· وكان شكل الجوسق المثمن ذي المبخرة هو الأسلوب السائد في طرز المآذن المصرية، منذ أواخر العصر الأيوبي وطوال الفترة المبكرة من عصر دولة المماليك· وذكر المؤرخون أن منارة ابن طولون كان بأعلاها عشاري ''قارب صغير'' قال ابن طولون إنه وجده في كنز فرعوني، ويبدو أن لاجين أعاد وضعه بأعلى مئذنته الجديدة إلى أن سقط هذا القارب في سنة 1105هـ ''1693م''· أما تاريخ بدء تشييد جامع أحمد بن طولون فيرجع إلى عام 263هـ ''876م'' واستمر العمل به قائماً إلى أن افتتح للصلاة في شهر رمضان من عام 265هـ وإضافة إلى ارتباط افتتاح الجامع للصلاة بشهر رمضان، فقد اقترن استمرار البناء فيه خلال الشهر الكريم بعادة انتهاء الحرفيين بمصر من أعمالهم عند غروب الشمس، وقد كانت العادة أن أهل الحرف والصنائع ينهون أعمالهم وقت غروب الشمس، وتفقد أحمد بن طولون العمل في تشييد الجامع، ولاحظ أن العمال يعملون حتى وقت الغروب فسأل مستنكراً، متى يشتري هؤلاء الضعفاء إفطاراً لأولادهم؟ وأمر بصرفهم من وقت العصر فاتخذ ذلك سُنة لدى الحرفيين من وقتها· والجامع الذي شيده الأمير التركي أحمد بن طولون في قلب عاصمته ''القطائع'' هو أقدم مسجد باق على حالته في مصر وهو أكبر المساجد التاريخية في مصر إذ تبلع مساحته الإجمالية حوالي ستة أفدنة ونصف الفنان، وقد وضع تصميمه على مثال المساجد الجامعة أي أنه يتكون من صحن أوسط مكشوف تحدق به أربع مظلات للصلاة· والجامع في مجمله على شكل مربع تقريباً طول ضلعه 162 متراً، يشغل منه المسجد مع جدرانه مستطيلا ''137,8*''118,1 ويتوسطه صحن مكشوف مربع طول ضلعه حوالي 92 متراً، ويحيط بالجامع من جميع جهاته فيما عدا جهة القبلة مساحة مكشوفة لها سور خارجي تعرف بالزيادة، وكانت تستخدم أساساً للصلاة في أيام الجمع عندما يضيق المسجد بالمصلين، وعدد أبواب الجامع 21 يقابلها مثلها في الزيادات· وظلة القبلة هي أكبر ظلات الجامع، إذ تتكون من خمسة أروقة يفصل بينها صفوف من بوأتك ذات عقود مدببة محمولة على دعامات مبنية بالطوب الأحمر المحروق بشكل جيد، ويتوسط جدار القبلة محراب الجامع القديم والذي كسيت حنيته في عهد لاجين المنصوري بأشرطة رخامية وفسيفساء زجاجية مذهبة· ويتميز جامع ابن طولون بتعدد محاريبه المصنوعة من الجص المنقوش على بعض دعامات ظلة القبلة وعددها خمسة محاريب، واحد منها طولوني واثنان يرجعان إلى العصر الفاطمي والأخيران من عهد المماليك· وإلى يمين المحراب الرئيسي نجد المنبر الخشبي الذي صنع في عهد لاجين وبقي على حالته إلى سنة 1854م حينما عاينه ورسمه مستر جيمس ويلد أمين متحف سوان بلندن، ثم امتدت إليه الأيدي بالسلب والنهب وعثر على بعض حشواته في أوروبا تباع، واستعين برسوم جيمس ويلد لاستكمال ما فقد من حشواته ليعاد ترميمه بالكامل وفقا لطرازه الأصلي· أما بقية الظلات فكل منها يتألف من رواقين تزداد بواطن عقودهما ببقايا الزخارف الهندسية والنباتية التي كانت تزين كل عقود الجامع·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©