الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشريعة وأعراف الناس

15 أكتوبر 2006 01:55
لقد أجاز ساداتنا المالكية أن ينال المسلم من الحرام سداً للحاجة لا للترف والتنعم، وذلك متى انتشر الحرام وانسدت المكاسب منعاً من تعطيل الأحوال والأعمال، وأباح ساداتنا الحنابلة التسعير إذا امتنع التاجر عن بيع السلعة إلا بزيادة على المعروف ويُلزم بالبيع بقيمةِ المثل مع أن الحديث نهى عن التسعير· نعم هناك من تطرف في الأخذ بفكرة المصلحة العامة مثل الطوفي الحنبلي ـ أو الشيعي على رأي آخر ـ إذ قدمها حتى على القرآن أو السنة وله في ذلك كلام طويل في رسالته (المنار) ودلل على ذلك بحديث (لا ضرر ولا ضرار)، ولم يذكر مثالاً على ما ذكر، وهذا فيه ما فيه من خطورة بالغة لأننا لا نتصور معارضة المصلحة للكتاب والسنة هكذا بالإطلاق وهناك من اعتدل ـ كما ذكرنا ـ كالإمام مالك الذي قاد الأخذ بالمصالح لو عارضتها نصوص ظنية أو كانت ضعيفة السند· وعارضه في هذا الأمر الشافعية ـ كما بينا سابقاً ـ ذكر ذلك الشاطبي في الاعتصام، والإمام مالك قيد نفسه في هذه المسألة بتلقي العقول للمصلحة بالقبول، وأن يكون في الأخذ بها رفع للحرج، وأن تلائم مقاصد الشرع كما ذكره الغزالي في المستصفى، ومن ذلك يفهم أن الإمام مالك ـ رحمه الله ـ لم يبعد عن حظيرة الشرع وإنما تعمق فيها· وأما ساداتنا الحنابلة فمنهم من أخذ بمذهب الشافعية في هذه المسألة ومنهم من نحى منحى المالكية كابن تيمية وتلميذه ابن القيم والتي حفلت آراؤهما بالكثير من المصالح، يضيقون أحيانا ويوسعون أحيانا أخرى ومن الأمثلة التي يرويها ابن القيم في الأعلام أن ابن تيميه مر على قوم من التتار يشربون الخمر فأنكر من معه عليهم ولم ينكر هو لأنها أي الخمر تمنع بعمومها عن ذكر الله وعن الصلاة، وتمنع التتار في حالهم ذلك عن القتل والسبي· وساداتنا الأحناف ـ كما مر بنا ـ توسطوا بين الشافعية والمالكية فأخذوا بما سموه (الاستحسان) والذي يعتبر التطبيق غير المباشر ( للمصلحة ) مع عدم إقرارهم صراحة لها· أعراف الناس أي عاداتهم عامل مهم للتغيير في التشريع، فالإمام أبو يوسف الحنفي أشهر قضاة بغداد جوَّز ترك النص واتباع العادة فاعتبر مثلاً الشعير مكيلاً لا موزوناً وسار في ذلك حسب العرف، والإمام القرافي المالكي قال بتغير الحكم عند تغير العادة، وفي هذا الصدد لابد أن نتذكر القاعدة الأصولية الشهيرة ( إن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ) وفسرت العلة بأنها ما تنضبط أي هي المعيار المادي الموضوعي، أما الحكمة فقد فسرت بالسبب ولا يمكن ضبطها وهي المعيار الشخصي، فالمسافر في رمضان يباح له الفطر إذا بنينا ذلك على العلة وهي السفر، ومن يسافر سفراً لا مشقة فيه لا يباح له الفطر ونكون في حكمنا هذا قد بنينا الأمر على الحكمة وهي رفع المشقة، وهذه القاعدة مطبقة على العبادات، أما في المعاملات فالحكم يدور مع الحكمة· وهذا التغيير نجده حتى في صورة بعيدة عن التخيل ذكرها بعض فقهاء الأحناف وهي إن أمر الحاكم الناس بصيام يوم ما من غير أيام رمضان لتنظيم مسألة معينة كالاستعداد لصلاة الاستسقاء مثلاً صار واجباً ديانة مثله مثل صيام يوم من أيام رمضان·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©