الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سمية العكبري: سرد شعري بلغة السينما

سمية العكبري: سرد شعري بلغة السينما
10 نوفمبر 2010 19:41
أقلام نسائية إماراتية (20) تحتل الكتابة النسوية مكانة استثنائية في المشهد الثقافي الإماراتي. فهي غنية بأقلامها واسمائها. مبادرة في موضوعاتها. غزيرة في انتاجها. متنوعة في إبداعاتها ما بين الشعر والقصة والرواية والريشة. هنا إطلالات على “نصف” المشهد الثقافي الإماراتي، لا تدعي الدقة والكمال، ولكنها ضرورية كمدخل للاسترجاع والقراءة المتجددة. ما بين الكاتبات الثلاث وهن من جيل واحد تقريبا المرزوقي والعكبري والحوسني ثمة خيط رفيع يسرن عليه بمهارة ورشاقة، فغير مرارة الوجع التي تسكن الشخصيات وحركتها الدائبة فوق سطح الورق، والصوت الاحتجاجي والتمرد على السائد الاجتماعي، هناك استخدام بارع لتقنية اللغة الشعرية لتحقيق كتابة جديدة تمزج بين شعرية المفارقة وتوتر المشهد، مستفيدات إلى حد كبير من تقنيات السرد وبلاغته، كما أنهن جميعا يكتبن بشفافية عالية وروح شابة وثابة متدفقة، تستثمر أيضا أسلوبية وجهود الرواد في ساحة الإبداع الإماراتي، والارتباط بالقيم المجتمعية، دون إفراط أو غرق في مياه الحداثة، فهناك حسابات للكتابة، وحسابات أخرى لتشكيل ملامح نسق جديد وخلق أفق مفتوح على الآخر ضمن كتابة قصصية متجاوبة مع روح العصر، وقصيدة لا تنفلت من عقالها باتجاه الغرائبية واللامفهوم من القول والمفردة في واقعية شديدة الاتكاء على الروح الإنسانية. وتجدر الإشارة هنا إلى الأصوات الإبداعية الجديدة وبخاصة كاتبات جيل التسعينات وهن كثر، ولا بأس من ذكر بعض الأسماء في مجالات الشعر والقصة والبحث أمثال: وفاء العميمي، فاطمة السويدي، مريم خليفة الغفلي، رحاب الكيلاني، مهرة حمد، مريم الكيبالي، صالحة عبيد، مهرة بني ياس، نجاة الظاهري، خولة الظاهري، ليلى الجهني، عائشة الزعابي، أسرار المنهالي، شروق سلمان وغيرهن.. وكاتبات هذا الجيل واعيات لرسالتهن الكتابية، التي تسير وفق نهج المعاصرة في الأدوات والتقنيات والجرأة في التعبير، دون الانزياح بعيداً عن البيئة وروح المجتمع المحلي، وتلك هي الركيزة الأساسية للانطلاق نحو الكتابات الشمولية، وفي هذا السياق لا ننسى كتابات شاعر إسبانيا العظيم فيديريكو جارثيا لوركا تلك الإبداعات الغارقة في المحلية والمغلفة بنبرة عالمية شمولية معاصرة. إن الكتابة عن أقلام جيل التسعينات، أمر مهم، بل وجزء من إستراتيجية وطنية لبناء قاعدة من الكتاب الجدد، ضمن مفهوم (حوار التجارب) وتواصل المراحل، وهو في تقديري استكمال لمشروع وزارة الثقافة التي تتبنى إنتاج الأجيال الشابة وتدفع به إلى المطابع كي تدور عجلة النشر والإنتاج الفكري، وتتواصل رحلة الإبداع التي لا يمكن أن تتوقف عند أساليب ثابتة، لسنا مع تعليب أو (تحنيط) التجربة الإبداعية عند جيل واحد، ولكننا مع قطار تتسع عرباته لكل الأجيال، ومع التعددية والتنوع في الكتابة، شريطة أن يكون الإبداع الشبابي مبشرا بالخير وقائما على أسس موضوعية ويحمل في ثناياه بذرة احترافه. في النهاية: هنا ثلاث نساء صغيرات أضأن الحياة بأقلامهن الوردية الملونة، ومن كلماتهن المسكونة بالنجوم والأخيلة المشاغبة والحركة النابضة انفتحت لغة الكلام مثل أمراء العشق حينما يسجدون في حضرة زنابق الدمع في مشهد ملحمي يخطف البصر، لأنه: عندما يسكن الماء لا يكون ماء.... مشاهد باطنية ضاجة “سرد روائي مكتوب بلغة شعرية”، و”كتاباتها تستفيد من تقنية الصورة السينمائية” هذا أول الكلام عن تجربة الروائية الإماراتية سمية العكبري التي أصدرت أولى رواياتها بعنوان “الحب المدمر” عن منشورات “سلسلة إبداعات شابة” لوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع. وتقول العكبري عن تجربتها: “لقد دفعت بكتابي الأول إلى وزارة الثقافة باعتباره مجرد قصة قصيرة، لكنني فوجئت بقرار لجنة التحكيم التي صنفته على أنه عمل روائي، وقد أسعدني هذا التصنيف الذي لم أكن أتوقعه في يوم من الأيام. في المرحلة الثانوية بدأت بكتابة الفصل الأول من هذه الرواية، ثم توقفت عن إكمالها لمدة أربع سنوات، لأتمم إنجازها وأنا طالبة على مقاعد الدراسة الجامعية، إلى أن خرجت الرواية متكاملة أخيراً إلى النور بفضل مشروع الوزارة الرامي إلى دعم المواهب المحلية الشَابة. خلال كتابتي لفصول الرواية كنت أتابع بشغف ما يعرض على شاشات القنوات الفضائية من أفلام، مقتنصة كل ما فيها من تقنيات تتعلق بالحوار والصورة والحركة، واستثمرت ذلك في توظيف الصورة واللقطة السينمائية لتقديم سرد روائي مادته وحبكته من واقع افتراضي خيالي، ربما يلتقي مع بعض الحقائق على أرض الواقع واليومي المعاش”. الرواية بشكل عام عبارة عن مشاهد باطنية ضاجة، كتبت بلغة المناظر أو “المونتاج السينمائي” والتي تصور مشاعر إنسانية متدفقة لأبطالها، مشاعر صيغت بلغة بسيطة وسلسة، لا لتكون سهلة القراءة، ولكن لتحدث شعوراً بخيبة الأمل من الحب الضائع أو المدمر، ووقعه على نفسية بطلة الرواية على وجه الخصوص، والأحداث بهذه الأجواء المحبطة، لم تكتف بالحديث عن المشاعر الباردة لدى البشر، بل تجتاز ذلك إلى وسائل تعبيرية متنوعة مثل: المونولوج الداخلي، وتعدد صيغ الراوي، الذي ترافق مع تعدد صيغ السرد ما بين النقل والإخبار البانورامي في المشاهد الوصفية، مما أتاح للشخصيات حرية القول والتعبير عن نفسها أولاً، والخروج بالبنية السردية الكلَية من الرتابة المملة ثانياً. من أجواء الفصل الأول من الرواية والذي حمل عنوان “قد نعيش سنين دون معرفة الحقيقة” نقتطف ما صاغه الراوي: بهدوء جلي وبلطف خفي امتزجا برغبة صارمة على كشف لغز محير ظل ولا يزال قابعاً دون جواب، أو حتى تفسير لأحداث مريبة وأحاسيس دفينة لم يكتب لها أن تفضح بعد، اقتربت “نسمة” بذات الهدوء واللطف من نافذة حجرتها متسللة، ثم ما لبثت أن عكرت صفو تسللها بحركة فجائية سريعة قائلة: “قف مكانك”، غير أنها لم تحقق مرادها، ولم تمسك به، بل تكرر معها ذات ما يحدث كل مرة “ضوء فلاش لأداة تصوير”، ارتمت نسمة على السرير منزعجة بعد أن أغلقت الشباك بعنف، ثم انخرطت في أحاديث النفس...”. انضباط الخيال والجمال بدون عناء تستطيع اكتشاف مهارة الكاتبة في استخدام الجملة القصيرة المحددة التي بمقدورها الإيحاء بحالة شعورية كاملة ممتدة عبر الأحداث المتوالية، وهذه الصور الصغيرة التي ترسمها العكبري باستخدام الألوان وتقنية الصورة المتتابعة التي تمثل عناصر الخيال والواقع معا، تجسد بقوة علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الضاغط، وقد وفقت الكاتبة إلى حد كبير في اختيار (مناخ التخيل) كزاوية تنظر منها إلى انسحاق القيم النبيلة الجميلة الخلاَقة في حياتنا المعاصرة، ممثلة بالوفاء لأهم مكونات الروح، في مقاطع سردية، تبدو واضحة في الفصل الأخير من الرواية التي جاءت تحت عنوان “الحب المدمر” وفيه نقرأ: “سار الكرسي ذو العجلات ببطء للأمام، لكن دفعة زادت من سرعته بانضمام “وليد” الذي وضع يده على يد “نسمة” ودفعا معا الكرسي نحو المخرج، تبادلا النظرات ثم ابتسما، شيء ما غمر عيون وليد، نظرة مألوفة، هي أشبه بنظرة عمة نسيم لسلافة، ترى هل سيكرر التاريخ صفحاته؟، وبين نظرات نسيم لسلافة، ووليد لنسمة تستمر الحياة بين حب ضائع، وحب مدمَر، وحب لم يوجد أصلا...”. ثمة لحظة فرح مسروقة في ثنايا مشاعر أبطال الرواية وعلاقاتهم المتشابكة وأحلامهم المتوحدة، وثمة عنصر جميل تم استخدامه بمهارة عالية وهو عنصر (التضاد)، لفرز مشاعر المحبين، في ثنايا هموم مجتمع تتشابك عناصره، لتنجح الكاتبة في النهاية في إخراج أبطالها من قتامة الحب المدمر إلى لحظة الفرح النادرة، وان كان هذا الحب النظيف مهزوما من عالم تسوده الكآبة والتأزم والمهانة والتمزق وسطوة المجتمع: ماذا يفعل العشاق المهزومون سوى تدمير الذات معنويا من خلال التشبث بالمتخيل؟ انه نمط تعبير صادق رغم تلك النكهة المعطوبة في ثنايا العلاقات الممزقة، فكل عاشقة في قصيدة لها قلب دافئ وطائش أحيانا، ولا يأتي كل هذا الجمال والخيال إلا من قلم كاتبة تتمتع بذلك النبل العالي والذوق الرفيع والانضباط المتوازن. في سيرة الكاتبة سمية العكبري أنها تحمل درجة البكالوريوس في تخصص العلوم الصحية، وهي بصدد إصدار مجموعتين قصصيتين، الأولى بعنوان “رتوش” والثانية بعنوان “قتل الصبا”، حيث تصر على الدوام على اعتبار ما تكتبه مجرد محاولات قصصية، تعبر من خلالها عن رغبة كبيرة في استمرار هذا الحلم الكتابي الذي تعثر في مناخاته وأجوائه على الكثير من ملامح السرور والتألق الإنساني الحيوي الآسر. وبالمجمل العام تتميز كتاباتها القصصية بتوزيع إيقاعي منتظم ومتسق على مستوى اللغة والحركة وصراع الشخصيات التي تجيد الكاتبة رسمها في مربع ممتزج بشذرات من الحداثة الفرنسية المعبرة عن هجاء الزمن الذي يشهق كلما يرى غابة المحبين تتسع مساحتها الخضراء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©