السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوميات صائم

15 أكتوبر 2006 02:02
المدخنون في الأرض التدخين·· وآه من التدخين· آفة العصر التي يراها البعض، جهلا وغفلة، نعمة ومزاجا، بينما هي في الحقيقة نقمة وفساد· تجد المدخن من هؤلاء يقول، بعد نفس عميق من سيجارة يكاد يلتهمها التهاما: انه ليس مدمنا وان التدخين عادة ، وانه لو أراد التوقف سيتوقف· ولو جادلته سيزيد ويطيل في الدفاع عن نفسه وعن السيجارة وعن التدخين· فلا هو مدمن ولا السيجارة نفسها مرض ولا اعتيادها إدمان· ثم يأتي الشهر الفضيل من كل عام، فتنكشف الحقيقة كاملة أما للمدخنين ليقف كل منهم عاريا أمامها·· ومع ذلك ستجد منهم المكابرين· انظر اليهم في نهار رمضان·· شيء يرثى له·· تجد الواحد منهم كأنه غائب عن الوعي، ذاهل عما حوله· أما عينه فزائغة تنظر الى فراغ وأما لسانه فثقيل لا يكاد يبين· ولو تحدثت اليه فعليك ان تملأ الفراغات فيما ينطقه كي تخرج بجملة مفيدة ، يعض بقوة على تركيزه وتماسكه الذهني فلا يستطيع الى ذلك سبيلا، الا من رحم ربي· انا شخصيا كنت في الجاهلية -أي قبل التوقف عن التدخين- طبق الأصل من ذاك الشخص· أعيش مع السيجارة أحلى الأوقات، كأنها الحبيية العاشقة لا أكاد أطيق فراقها طويلا، تلازمني ليلا ونهارا عدا ساعات النوم· أما في رمضان، فحدث ولا حرج·· كانت صلتي بالرشيقة البيضاء تتحول في الشهر الكريم الى علاقة مشبوبة يزيدها الحرمان التهابا وشوقا· فأعيش نهاره مع السيجارة في أحلام يقظة لا تنتهي الا مع اذان المغرب· ولا أتذكر كم رمضان مر علي وأنا في غضب شديد من نفسي· لماذا ؟ لأنني في كل رمضان -في الشهر الذي يفترض ان تقوى النفس الانسانية على نوازعها غير السوية- كنت أشعر كم انا ضعيف وذليل ومدمن·· نعم مدمن تدخين· وكان ذلك الشعور يؤلمني كثيرا، فحاولت مرة تلو الأخرى دون جدوى·· ثم حدثت المعجزة بفضل الله· ففارقت التدخين وطلقته إلى غير رجعة في الشهر الكريم منذ ما يزيد على ثماني سنوات· ومن حينها وانا اشعر بانني وجدتها، وأنني قبضت على واحدة من حقائق الكون الكبرى بل واني -على رأي شعبان عبد الرحيم- أصبحت انسانا جديدا (بدون شيل حديد)· لذلك كلما رأيت مدخنا أكاد اصرخ فيه من داخلي: يا مغفل أقلع·· الحياة بدون تدخين شيء مختلف تماما عن الحياة مع اللعينة البيضاء· وللأسف تجد كثيرين حباهم الله عقولا وحكمة وثقافة وعلما ما يحسدهم عليه كثيرون· ومع ذلك يقعون في الأسر· أحدهم كان بمثابة الاستاذ لي في حياتي العملية، كان رجلا جليلا حقا ، ذا شخصية آسرة وعلى درجة عالية من الاتزان والحكمة وقوة الشخصية· غير أنني لم أكن أحب ان أراه في نهار رمضان· كان الاستاذ الجليل -ولنسميه افتراضا موسى- مدخنا شرها يحب السجائر حبا جما· ولا تكاد تراه الا وهي في يديه مشتعلة أو على وشك ان تشتعل بحيث ظننت في وقت من الاوقات انها عضو من جسمه· وفي نهار رمضان، كان يتحول الى شخص آخر، طبعا ليس على طريقة دكتور جيكل ومستر هايد· لكن بالتأكيد كان الاستاذ موسى في النهار -أي قبل الافطار- شخصا مختلفا تماما، ثم يعود الى سيرته الاولى بعد الافطار· في النهار كان مثل المخمور ، والله العظيم · يظن من لا يعرفه انه أمضى ليله مفرطا في الشراب· وكنا -نحن مرؤوسيه- نشفق عليه كثيرا وهو ينخرط في موجات ضحك تبدو هيستيرية أحيانا، بدون سبب واضح· بل كنا نفاجأ في بعض الاحيان أن الرجل الجاد المتزن يتورط أحيانا في مداعبات فجة وثقيلة، أبعد ما تكون عن سمته الوقور· هو نفسه كان يشعر بانه يقوم بأشياء غريبة في النهار·· لذلك كان يتحاشى الناس في الصيام· لكن كان الجميع يلاحظون· وأبداً لا يفارق ذهني هذا الرجل الفاضل في نهار رمضان، فاشفق عليه وعلى كل مدخن وأقول في نفسي لعلهم يغتنمون الفرصة·· فليس أفضل من الشهر الكريم من أجل بداية جديدة مع الحياة· أحمد مصطفى العملة
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©