الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نادية المرزوقي والتداعي الحر

10 نوفمبر 2010 19:43
ديوان “نونيات” الصادر عن “سلسلة إبداعات شابة” التي ترعاها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، هو المنجز الشعري الأول للشاعرة الشابة نادية المرزوقي نسبة إلى (نون المرزوقي) وهو الاسم المستعار الذي تكتب به في المنتديات الإلكترونية. يتضمن ديوان “نونيات” مجموعة من القصائد ما بين نمط القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، وتنجح فيهما باستخدام أداة التشبيه، فالحبيب الغائب يأتي بصورة حلم، كما توصف المشاعر بأنها أطياف تحلق ليلا: “جاءني حلما/ تساؤل/ هو وهي/ أجل مولاي/ ليل وحرف، طيف، نغم/ اقتراب...”. من هذا النموذج البسيط من إحدى قصائد “نونيات” نكتشف أن المرزوقي تكتب بلغة جديدة تبتعد كثيرا عن المألوف المتكرر في قصص الحب، كما تكتب التوصيف من خلال الحركة كما في سوناتات الموسيقى الكلاسيكية، فكما يصطبغ الحلم بالواقع الرمزي في الحركة الأولى، يتكرر المشهد نفسه في الحركات الأخرى من المقطع الشعري، وهي تقنية معاصرة في شعر الحداثة تسعى إلى (شكل دائري) في بنية القصيدة لتكتمل دائرية الفكرة والمعنى، والأسلوب الدائري، هو ما تفرد به الكاتب الروسي انطون تشيخوف في معظم مسرحياته وبخاصة مسرحية “الجلف”، حيث بالإمكان قراءة النص من بدايته أو بالعكس دون إخلال بالمعنى والهدف. ونماذج من قصائد المرزوقي من هذا النمط الذي يحتفظ بعذريته وبراءته، صحيح أن الاحترافية الكاملة ما زال طريقها مبكرا أمام شاعرتنا المجتهدة، لكن هذا لا يمنع أنها تكتب بأفق جمالي ودود، يقدم في بعض القصائد عالما ورديا من الحب والتأمل والأحلام واستبطان الذات، وفي البعض الآخر يعرض للسقوط العظيم في بؤرة المشاعر الخادعة والزمن القاسي، إنها باختصار رومانسية بكر، تتوظف فيها المفردات الأنثوية الناعمة لإعلاء خيمتها التخييلية في صحراء الجدب، حينما يحارب العشاق والمحبون من جيش الكراهية وحرس العادات والتقاليد البالية، والأخيرة كما لاحظنا هي هاجس اشتغلت عليه كافة الأقلام النسائية منذ جيل الرواد حتى الجيل الحالي، على اعتبار أن العادات والتقاليد البالية والتحولات التي تصيب المجتمع، هي سقطة المرأة التراجيدية ومقتلها في أنوثتها وطموحاتها نحو حياة جديدة تمكنها من تحقيق أحلامها الكثيرة. تقول المرزوقي عن تجربتها في حوار معها: “كان لدي منذ عهد الطفولة والمدرسة الابتدائية في الثمانينات إحساس غريب باللغة، لا أعرف مصدره فكنت أهتز طربا لسماع الشعر، واستمتع بترديد القصائد وترنيمها حتى أحفظها من غير اهتمام بأن ذلك يدخل في اطار الواجبات المدرسية أولا؟ وقد لاحظت إحدى مدرساتي تفوقي في موضوعات الإنشاء والكتابة بطريقة أدبية، فأخذت تشجعني، وتكتب على أوراقي ملاحظات تحفيزية جميلة ما زلت أحتفظ بها الى الآن، كونها كانت الخطوة الأولى نحو رحلتي مع الكتابة وعالم الكلمة، وأعجبت مدرستي بتفوقي وأصبحت تردد على الدوام في أي تجمع بالمدرسة: مبروك أصبح في مدرستنا شاعرة، وشيئا فشيئا وجدتني أكتب الشعر، رغم أن توجهي في الدراسة كان نحو التخصص العلمي”. مجمل قصائد “نونيات” في موضوعات تتناول ثيمة (العشق العفيف) أو (الحب العذري) وجانبا من التأمل والتفكير في أسرار الحياة والبشر، ويبدو أن المرزوقي في هذا الجانب متأثرة إلى حد كبير بأسلوب وموضوعات الشاعر المصري فاروق جويدة الذي يكتب في دائرة قصيدة التفاصيل التي تعتصر المشاعر المختبئة، المستغرقة في رومانسية لا تجنح بعيداً عن مشهد الحياة اليومية. وقد كتبت المرزوقي في هذا السياق قصيدتها المميزة “نغم” حيث تمتلك فيها انسيابية كبيرة، وذلك البوح الجميل حول مشاعر المرأة تجاه من تحب دون أن تبتذل نفسها من أجل تجربة من هذا النوع، بل رسمتها لنا بكامل عنفوانها وكبريائها، كما أنها تضيف شيئا محببا إلى نكهة الجملة الشعرية، ما يتمثل في إضفاء نوع من الأسئلة على الحالات التي تتناولها، وهو ما يهيئ عادة القارئ لتقبل الطبيعة الرمزية للمشهد الشعري كله. وفي ذلك تقول المرزوقي: “الشعر حين ينساب يتقمص صاحبه وتتلبسه أنغامه وإيقاعاته فتفرض عليه شكلها، وكأن شخصا آخر يملي عليه، وتلك لحظة استثنائية لا توصف، فهو لا يتحكم في الشكل، وفي كثير من الأحيان أتساءل متعجبة بعد أن أنتهي من الكتابة: كيف كتبت هذا؟ وأنا لا أحب أن أحصر ذاتي في اتجاه محدد بعينه، وفي كثير من الأحيان أجد قصيدة التفعيلة أكثر انسيابية وإتاحة لاستمرار الجملة الشعرية والمعنى العام فيها، وأنا أرتاح لها كثيراً رغم أنني أكتب الشعر العمودي أيضا، لكن هناك حدودا للقول لا أتعداها، والمرأة أكرم وأجمل من أن تبتذل نفسها، فالوصول الى الناس أقل من أن ندفع فيه كرامتنا التي هي أعز ما نملك..”. بقي أن نذكر أن قصائد المرزوقي غير ما تتمتع به من سلاسة وانسيابية وجماليات اللغة، ومفردات مفعمة بالحياة، تمتلك تلك الصور البصرية المرهفة، حيث يشد المقطع توتره بسرد المشهد أو الحالة، وعرض صوره عبر الانتقال من التساؤل إلى الوصف التفصيلي للمكان والناس والأحداث والمشاعر والألوان والإيقاعات، مما يجعل حدث الكلام منبئا عن حدث الأفعال في تطابق نثري متصاعد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©