الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

..وما الذي يجري خلف أبواب قصر الإمارات؟!

..وما الذي يجري خلف أبواب قصر الإمارات؟!
10 نوفمبر 2010 19:43
ماذا نجد وراء الأبواب؟ تساؤل أخذ من عنوان، وهو عنوان يكشف عن سؤال يحتوي لغزاً، هل أراد أن يوحي بأن ثمة كنزاً ما وراء الأبواب، وهل كان كنزاً هو.. بالفعل. هنا تشتغل جدلية الغموض/ الوضوح التي يهيمن فيها تارة الغموض فيبدو متسيداً لأن ثمة باباً يقف أمامنا ويخبئ وراءه الوضوح. أتذكر كتاباً نقدياً مهماً عن الغموض بعنوان “سبعة أنماط من الغموض”، لمؤلفه الناقد الإنجليزي وليم امبسون، يتحدث فيه عن الغموض وأنماطه وأساليبه، وهو في حديثه يشير إلى الشعر، ولا أرى في الرواية ضرورة للغموض، وقد تتجلى أهمية الغموض في الفن التشكيلي، الغموض سر الأسرار وبهجة الروح، أما انكشافه فخيبة وموات لا يضاهى، وحسرة على زمن اللذة الغامضة، الغموض لغة، وإشارة ورمز، والغموض طريقة في اللعب بسر الجمال، فالجمال سر من أسرار الغموض، واللوعة هي الفكرة الغامضة، والريشة سر الغموض. الغموض هو الروح والرؤية اللامكشوفة، هو الحب المخبأ في الذات، هو التقلب بين الإفصاح والكتمان، فمن كتم تعذب بلذته، ومن أفضح تعذب بالوضوح الذي لن يسمو بالروح أكثر من الجسد الذي يضمها. الغموض غاية الفنان/ الشاعر وهي مبتغى الفنان/ التشكيلي. ما وراء باب من أبواب قصر الإمارات في أبوظبي هناك كنوز غامضة، كنوز حملت غموضاً خلفها، تعيش جدارين، جدار أول كونها وراء باب من أبواب قصر الإمارات وجدار ثانٍ كونها تحمل معنى وراء باب من أبواب الفن هو الغموض. عند باب “جاليري وان”، في قصر الإمارات في أبوظبي، نجد مكاناً مثيراً للفضول حقاً، يتحدث فيه أناس كانوا يلهجون بلغات عدة ولكنهم ما وراء هذا الباب يتحدثون لغة واحدة هي لغة الفن التشكيلي. هم فنانون يحملون غموضهم بمستويات من الإدهاش والإفصاح والتوظيف للمعاني. ولو جئنا إلى القاسم المشترك الذي يجمع كل هذه الأعمال التي وراء الباب لوجدنا وبكل بساطة أنه التميز والتفرد والإبداع، فليس بينها مدرسياً أو نظرياً أو فنياً أي نقاط التقاء، سوى أنها تحمل غموضها، غموض جعلها كنزاً، وشاهداً، وإبداعاً جعلها معشوقة من قبل الجميع. هذه الأعمال “الكنوز” جمعت بطرائق مختلفة اعتمدت الأذواق الحرة والفائقة الصفاء لمقتنيها، والآن تجتمع مع البعض في رواق واحد لتجسد عظمة الفن، تشكيل وأعمال نحتية، تتكلم عن نفسها، تنشئ حوارها الخاص في إطار من فسيفساء تندمج بكيفيات مختلفة، تتناص مع بعضها لتعود وتشكل جسداً واحداً إلا أنه يتكلم لغات عدة. بائعة الجبن ينظر الزائر إلى تمثال بعنوان “بائعة الجبن” 1929، للفنان النحات المصري محمود مختار (1891 ـ 1934) أنجزه قبل وفاته بـ 5 سنوات من البرونز مع طبقة تعتيق سوداء بارتفاع 51 سم، وهو من ممتلكات معالي عبدالرحمن العويس وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع.. امرأة تقف وفوق رأسها طبق يحتوي جبناً، في هذه المنحوتة استفادة من الشكل الفرعوني، اليدان الرافعتان للطبق والساقان الملتصقان، كأنها تؤدي قداساً فرعونياًِ، والصدر النابض بهدوء وشفافية والفراغات المحسوبة بدقة، إنه رشاقة الفن وأحلامه البعيدة. في اللوحة الثانية يقدم محمود سعيد (1897 ـ 1964) فتاة مصرية بوشاح أحمر 1947 من الألوان الزيتية على قماش الكانفاس 53X64 سم (ممتلكات خاصة)، حيث نرى الاستخدامات اللونية المتناسقة، بين العباءة والفضاء العام للوحة وبين (ربطة الرأس ـ الوشاح الأحمر) والحلي الحمراء باليد اليمنى مع اختفاء لليد اليسرى تحت العباءة. الوجه والأنف الطويل امتداد لحاجبين طويلين، والرقبة الطويلة والفارعة، مع خصلتين ذهبتين صفراوين تتدليان على جانبي الرقبة. لوحة أخرى لمحمود سعيد عند “الغروب على النيل بالأقصر” 1942، وهي من الألوان الزيتية على الكانفاس 79.5X64 سم في امتداد جميل وانحناءة أخاذة للريح وتشكل رائع للسماء في الوقت الذي بدت فيه امرأة تحمل جرة. وفي انتقالة للفن العراقي يظهر أبو الفن العراقي الحديث جواد سليم (1919 ـ 1961) شاخصاً في لوحته (من دون عنوان 1950) من الزيت على الكانفا 52X62 سم (ممتلكات خاصة)، جواد سليم صاحب نصب الحرية في بغداد، أشهر نصب في الشرق، لا يدانيه نصب آخر، إنه دلالة على عاصمة الرشيد، الدال والمدلول يتحدان في ذك النصب. هنا يتفاءل جواد سليم، في الخمسينيات من القرن الماضي حيث ترى فلاحاً يحمل شتلة شجرة، ألوان كلاسيكية، أولية وانحناءة الأيدي طريقة جديدة في رسم جواد سليم، والوجه الصارم والشاربان الممتدان خارج الوجه والكوفية المزراة هي من التفاتات هذا العبقري. وتسحر لورنا سليم 1928 في لوحتها من دون عنوان 1956، من الزيت على الكانفاس 62X52 سم بذات الأجواء التي رسم بها جواد سليم عالمه، امرأة عراقية تحمل طبقاً هلالاً / قارباً أحمر، وشمس مدورة في أعلى اللوحة ونخلتان الأولى قريبة بجذع كاكاوي وأخرى بعيدة بسعف أخضر، وعباءة فوق الرأس وشيلة ملتفة بإحكام على الرأس والعنق، في إيحاء دلالي غير معهود ونظرة ساهمة نحو المجهول. وفي لوحة إسماعيل الشيخلي (1924 ـ 2002) منظر طبيعي 1956 من الألوان الزيتية بحجم 91X60 سم نرى الاصفرار الشفيف ما وراء غابة الجذوع المنتصبة والبيوت الصخرية والجبال البعيدة. لوحة الصياد وتقترب ألوان فائق حسن (1914 ـ 1992) في لوحة “الصياد” 1958 من الزيت على الكانفاس 78X86.5 سم بشكل كبير من ألوان إسماعيل الشيخلي صياد ينثر شبكته، وآخر هناك في قارب بعيد عند عين الشمس ينشر شبكته أيضاً، امتداد يده اليمنى المتحفزة لنشر الشبكة وانتظار اليد اليسرى وشبكة عنكبوتية بانتظار الصيد الوفير، الخط الأحمر الرغبة، والأصفر التوقع، والأزرق الماء، ونبصر نوري الراوي (ولد 1925) في لوحته من دون عنوان 1969 من ألوان زيتية على كانفاس 109X100 سم حيث المدينة الغارقة في الماء، المطلة على ماء شفيف، مدينة بيضاء كالثلج، قباب وأبواب كالنساء، وشبابيك كالأبواب، واستفادات كبرى من الموروث المحلي، العباءة حين تصعد اليدان بها لتشكل جسداً يرسم زورقاً، البيوت الطينية والقلاع البعيدة بين الجبال، والسماء الزرقاء المترامية، نوري الراوي بكل تجلياته. ومن بغداد إلى طهران في كنوز ما وراء الباب، نبصر أعمالاً للشاعر الإيراني سهراب سيبهري (1928 ـ 1980) ومنها من دون عنوان 1970 من الزيت على الكانفاس 130X97 سم ليجسد بخط أصفر طويل وأخضر قصير وأبيض أكثر قصراً وأحمر كالشفرة القاطعة على أرضية سوداء انبثاق الألوان وتجانسها وتقاطعها ودلالاتها بين الاحمرار الدموي والاصفرار الساطع والأخضر المسالم. وفي عمل نحتي لبرويز تناولي (1937) بعنوان لا شيء 1970 (هج) من الفايبر جلاس وهو طبعة 3 من 6 بارتفاع 156 سم، تجسيد للهاء الجالسة على قاعدة الجيم في تناسق جم وتوازن واضح، هاء صعبة كأنها البومة مرفوعة بذيل الجيم. في لوحة السوري لؤي كيالي (1934 - 1978) بعنوان (صيادون في أرواد 1976) من الزيت على الكانفاس 317X129 سم بطول ما يقرب من 4 أمتار ليجسد ملحمة هؤلاء الصيادين، حياتهم بكاملها، بعنفوانها، بشغفها، بهدوئها، بعذاباتها 4 رجال، رجل تعب وعامل واثنان يلعبان النرد. وثمة بحر خلفهم ورمال تحتهم وشباك ممتدة لتستريح، كل شيء يستريح في هذه اللوحة المشرقة باصفرار جاذب والقاربان البعيدان ينتظران الرحيل. تكوين واحتفال وشتاء في لوحة كوروش شبيبة كران (إيراني 1945) بعنوان بورتريه 1985 من الألوان الزيتية على الكانفاس 130.5X148.5 سم إيحاء ورمز لا متناه، رأس ورقبة وصدر وجذع رجل بخط واحد وبألوان متعددة كأنه المغزل، ما وراء الجسد، جسد، وما وراء الخطوط، ضحكة أم بكاء وما وراء القناع المتلوي خيبة أم أمل، ضجر أم فرح، إننا في دوامة حقيقية ونعيش داخل مغزل لا ينتهي أبداً. 3 لوحات لبول غيراغوسيان اللبناني (1926 - 1993)، الأولى “تكوين” والثانية “احتفالي” والثالثة “الشتاء”، وكأن بول يقدم ملحمة لبنانية تبدأ من التكوين حيث لا شيء واضحاً، وفي اعتماد على تجزئة اللوحة طولياً لخلق حالة من التعدد اللامتناهي للأشكال المتجاورة، حيث لا أرضية للوحة مطلقاً لأنها مشغولة بكاملها بالتكوين الذي بدأ ينبثق، فقط مجرد ألوان/ خام تتجاور مع بعضها، أو لنقل أساسيات الألوان وقد وضعت قبل قليل على جدار اللوحة. وهذه الألوان هي التي تبدأ بفرز نفسها واللون الآخر. في اللوحة الثانية “احتفالي” يبدأ كل شيء بالظهور، حيث تأخذ الألوان استقرارها وتبدأ الوجوه بالظهور والأجساد بالتميز والتحدد، ويبدأ الاحتفال بالجسد والرقص الذي ينبض من الجسد، نساء فارعات يرقصن، ووجوه رجال تطل وأخرى مصغية، كل ذلك يطغى على اللون الحنائي. ويجسد بول في لوحته شتاء 1991 من الزيت على الكانفاس 190X130 سم تماماً ما يحدث في السبات، حيث كل شيء يعود إلى التكوين الأول يختفي بأعجوبة، ضمن اسوداد يتخلله اخضرار بأمل يأتي. في لوحة عبدالقادر الريس 1951 من الإمارات بعنوان وادي العبادلة 1991 من الزيت على الكانفاس 39X49 سم نرى الصخور الجبلية وتلاعب الشمس على الصخر وتمثل الصخر بشكل دقيق والوادي المليء بالخضرة. نجد صراعاً بين الصخر والاخضرار، بين الأعلى والأدنى، بين العتمة والضوء، في شفافية تخبئ الوادي الجميل تحتها. الذكرى والامتنان في لوحة فرهاد مشيري (إيران 1963) وهي تطريز واكرليلك وخرز ولاصق على قماش الكانفاس على لوحٍ إم دي إف 6X200X200 سم، ثلاثة رجال، خادمان وسيد، وكرسي وسط حديقة مليئة بالزهور. الخادمان يحملان كرسياً جلس عليه السيد، الخادمان ببدلتين بيضاوين والسيد ببدلة سوداء. الشفافية والصرامة، السيد جالساً على الكرسي لا يريد أن يفارقه، حتى وهو ينتقل من مكان لآخر، الكرسي هو السيد، بينما بدت أوراق الخريف تتساقط. التشكيلي المصري الخطاط أحمد مصطفى (1943) في لوحتيه الذكرى والامتنان 2009 من الألوان الزيتية والمائية على ورق رقعي خاص 638 غم وهو خال من الأحماض قياس كل منها 190X150 سم نرى تداخلاً حروفياً مرعباً بلوحة مائلة يحكمها حرف الفاء في طرفيها اليسار العلوي واليمين السفلي وحرف الهمزة في اليمين العلوي واليسار السفلي بتناسخ كأنهما ولدا من الآخر، الواو شقيق الفاء في تعانق قل نظيره وكأنه طبقة فوق أخرى. أما محمد إحسائي (إيران 1039) وفي حروفيته (هو الله الرحيم 2007) من الألوان الزيتية على الكانفاس 347X202 سم بالأخضر الفاتح على الأرضية السوداء، نجد الكتلة المتلاصقة في الوسط ونهايات الحروف أيدٍ ونهايات الحروف أقدام وكأن الأيدي تتضرع إلى الله صارخة هو الله الرحيم وكأن الأقدام راكضة إلى الله الرحيم، الحروف بشر، الحروف أجساد، الحروف لغة تنطق بنفسها، تعبر بكينونتها وحركة الحروف كالأقدام أسفل اللوحة وحركة الحروف كالأيدي ملوحة إلى الله الرحيم، آتية إلى الله بذاتها ومن ذاتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©