الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسطورة التعاون الحزبي في واشنطن

8 فبراير 2010 21:57
لم تمض سوى أيام قليلة على انتخاب المرشح "الديمقراطي"، "سكوت براون"، ممثلاً لولاية ماساتشوسيتس في مجلس الشيوخ الأميركي، حتى بدأت تبرز إلى السطح تداعيات ذلك على المشهد السياسي في واشنطن وعلى دينامية الحكم في الولايات المتحدة، فقد شرع الرئيس والمشرعون الرئيسيون ومعهم وسائل الإعلام في البحث عن أسباب عجز العملية السياسية في إنتاج التوافق المطلوب لتمرير القوانين إلى درجة بدأت تهدد مستقبل السياسيين الذين لم تنته ولايتهم بعد ويواجهون استحقاق الانتخابات القادمة بغض النظر عن انتمائهم الحزبي والأيديولوجي، والأكثر من ذلك ومباشرة بعد انتخاب "سكوت" بدأ الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض، فرأينا الرئيس أوباما يتحدث إلى أعضاء مجلس النواب من الجمهوريين"، وأصبحت النبرة أكثر تهذيباً من ذي قبل. لكن رغم ذلك مازلنا في بداية السلم بين الخطوة الأولى التي تطالب بالإقرار بالمشكلة والاعتراف بوجودها، والخطوة الثانية التي تركز على الاعتراف بالمسؤولية الشخصية والكف عن لوم الآخرين فيما يعرض من مشاكل، وهو على كل حال تقدم مهم في طريق التعاون بين الحزبين بعدما نسيت واشنطن معنى التعاون الحزبي هذا إذا كانت قد عرفته في يوم من الأيام. ومن التصورات المغلوطة السائدة حول مفهوم التعاون الحزبي الغائب عن واشنطن أنه ليس أكثر من إيجاد أرضية مشتركة والتركيز على المسائل التي تحظى باتفاق الجميع ولا تخرج عن الإجماع، والحقيقة أن ذلك هو الجزء الأقل أهمية في عملية التعاون الحزبي المنشودة لأن مثل هذا التعريف يظل قاصراً عن حل جميع المشاكل والتحديات المطروحة على السياسيين الأميركيين. ومع أن البحث عن أرضية مشتركة يمثل في جميع الأحوال بداية مشجعة وتحسنا لا يمكن إنكاره لتجاوز حالة الجمود والتململ في الحياة السياسية، إلا أنها لا تضيف الكثير لإحلال الحكم الفعال الذي ينشده الأميركيون، فلو اقتصر إنجاز الحزب الفائز على طرح ما ترضى عنه الأقلية في الكونجرس فما الفائدة إذن من الانتخابات، ذلك أنه مهما كان الفائز فإن الأمور المشتركة التي يمكن الاتفاق عليها ستبقى هي نفسها ما ينفي الفرق بين الأحزاب ويقتل في النهاية الممارسة السياسية من أساسها، لذا تبقى الطريقة الوحيدة لاستمرار نظام ديمقراطي مثل نظامنا في العمل هو الإقرار بأن الحزب الذي يفوز بالأغلبية لديه مطلق الحق في وضع الأجندة وتحديد المقترح الأول المطروح على طاولة النقاش، وإن كان ذلك لا يعني تمرير كل ما ترغب فيه الأغلبية. وبالمنطق نفسه إذا أراد أعضاء من حزب الأقلية التأثير في السياسات العامة والمشاركة في صياغتها عليهم أن يقبلوا ببعض الأشياء التي لا تروق لهم مقابل تمرير أشياء أخرى يريدونها. ومع أن هذه القواعد تبدو بدهية في أية ديمقراطية، إلا أنها بالفعل غائبة عن واشنطن ولا يعرفها الكثير من السياسيين، ذلك أنه لسنوات طويلة ظلت الفكرة المنتشرة على نطاق واسع هي تخيير الخصوم بين اتباع طريقي، أو الدفع بالأمور رغماً عن الجميع إلى درجة نسي العديد من السياسيين كيفية التوصل إلى تسوية كما اتضح ذلك من خلال الجدل الذي يطال حالياً إصلاح النظام الصحي في مجلس الشيوخ. والحقيقة أن تعنت واشنطن واستنكاف سياسييها عن التعاون لن يتغير ما لم يقم الناخبون المستاؤون بمعاقبة جميع أصحاب المناصب دون تمييز بين الحزبين، أو الأيديولوجية حتى يتعلموا الدرس ويغيروا أسلوب الممارسة السياسية ويتوصلوا إلى تسويات حول القضايا المطروحة للنقاش. وليس من الصعب تلمس ملامح هذه التسويات، ففي قضية الرعاية الصحية ستشمل التسوية إشراف الحكومة على التأمين الصحي الذي توفره الشركات الصغرى إلى الأشخاص غير المستفيدين من التأمين، وإلزام الجميع بشراء التأمين مع تقديم الدعم للعائلات متدنية الدخل، فضلًا عن إقرار حزمة من الإصلاحات تمنع شركات التأمين من سحب خدمتها، أو رفع الأقساط عندما يتقدم الناس في السن، أو يصابون بالمرض، ولجعل الإصلاح قابلا للاستمرار مالياً ربما سيكون على "الديمقراطيين" التخلي عن توسيع برنامج "الرعاية الطبية" الذي توفره الدولة وتقليص حزمة التأمين الأساسية، وعلى "الجمهوريين" من جانبهم القبول بممارسة الرقابة على أرباح شركات التأمين والأسعار التي يفرضها الأطباء والمستشفيات وشركات الأدوية. هذا في المجال الصحي أما القطاع المالي فيمكن الوصول إلى تسوية بشأنه تقوم على تعزيز المراقبة الفيدرالية للبنوك التي أنقذتها الحكومة من خلال إنشاء لجنة بصلاحيات موسعة لحماية المستهلك، وليس على طراز الوكالة المنفصلة التي يطالب بها "الديمقراطيون"، ولكن أيضاً ليس الانفلات التام من الرقابة الذي تريده البنوك، فهذه اللجنة الجديدة التي سيرأسها خبراء في تنظيم القطاع المالي ستسهر على رصد الأخطار والتقليل منها قدر الإمكان، وذلك بأن تمنح صلاحية تحديد معايير رأس المال ونسب المخاطرة والاستثمار، كما ستمنح اللجنة صلاحية تصفية أية مؤسسة مالية معسرة، لا سيما المؤسسات الكبيرة المرتبط إفلاسها بتعقيدات كثيرة تفادياً للجوء إلى أموال دافعي الضرائب لمساعدتها. وخلافاً للاعتقاد السائد بأن فقدان أغلبية الستين صوتاً في مجلس الشيوخ سيؤدي إلى وأد مشروعي الإصلاح الصحي، والرقابة على القطاع المالي، أو حتى تعطيل خطة جديدة لتحفيز الاقتصاد، تبقى الحقيقة أن نقص الأصوات ليس هو المسؤول عن عرقلة تمرير القوانين والتشريعات بقدر ما هي التكتيكات البرلمانية المستخدمة لثني المشرعين حتى عن التفكير في تقديم مقترحات. محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©