الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تقسيم سوريا».. أوهام إلى زوال

23 فبراير 2016 23:25
كثُر التفكير، دون الكلام، في أفكار هنا وهناك حول ضرورة تقسيم سوريا، ومن ثم في «إعادة الحقوق إلى أصحابها»! وكان التواصل بين أصحاب هذه الأفكار قد حدث بصيغة التفكير الضمني، دون الإفصاح عن ذلك بلغة عربية واضحة ومعلنة، أو كان يقع على نحو لا يصل إلى الآخرين. والحق إن هذا الأمر قديم يعود إلى ما قبل معاهدة تقسيم المنطقة من قبل الفرنسيين التي تعود إلى تاريخ 16 مايو 1916. وبمقتضى هذه الاتفاقية، التي حملت اسم «سايكس- بيكو»، جرى تقسيم بلاد الشام والعراق، ووضعهما تحت قبضة الانتداب الفرنسي والإنجليزي. واللافت أن هذه الاتفاقية أُبقيت سراً، إلى أن جرى فضحها من قبل ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا. لقد كانت تلك الاتفاقية أحد الأحداث الكبرى التي ابتدأت بها عملية تساقط العالم العربي في العصر الحديث. أما ما كمّل هذا الموقف خصوصاً، في تفتيته لذلك التساقط، فقد تمثل في الوعد الإنجليزي الاستعماري للحركة الصهيونية، المسمّى «وعد بلفور» الذي تُرى جرائمه ما زالت ماثلة في ما يفعله من إجرام بحق الشعب الفلسطيني وبدعم من الدول الاستعمارية، ومنها الولايات المتحدة وروسيا. أما التكملة التي يسعى إلى تحقيقها هذان البلدان الاستعماريان مع بلدان أخرى، مع مساعدة مباشرة من قوى عربية وسورية، فهي هذا الذي يُعمل على تأسيسه أو إعادة تأسسه تحت أسماء متعددة منها «سوريا المفيدة». أما ما يمكن ملاحظته في سياق ذلك، فيتمثل في بروز الإخفاقات تلو الإخفاقات في ذلك المشروع الاستعماري الإمبريالي والطائفي. وتبرز خصوصيتان اثنتان تحولان دون نجاحه بقدر أو بآخر، الأولى منهما تتمثل في تخلفه التاريخي الذي يتمثل في عقمه الاقتصادي والسياسي والثقافي، إضافة إلى الحضاري والعسكري. وتبرز خصوصيته الثانية في أنه غير قابل للحياة في حمأة المشاريع والأحلاف والتوزعات الإقليمية والعالمية، ما يعني -وهذا يبرز خصوصيته الثانية- أنه مشروع كيان فاقد لكل شروط النجاح والاستمرار، ومهيأ للتبعية والدونية. ومن ثم، فإن سقوطه كائن في بنيته ووظائفه ومستقبله. وثمة عنصر آخر يتمم صورة العقم والفشل لمشروع التقسيم السوري: إنه التخلف والانحطاط، بالاعتبار الأخلاقي والسياسي والثقافي. فالتحدث عنه والأخذ به إنما مثل إشارة فاقعة للخروج من الانتماء الوطني والقومي، إضافة إلى الخروج من وقع الحضارة الإنسانية العالمية، تعبيراً عن القصور المعرفي التاريخي المتمثل في التخلف العقلي الكائن في الانتماء إلى ذيل التاريخ وليس إلى وجهه ومستقبله. إذ في هذه الحال تفتقد الطائفة المعنية إمكانات الانتماء إلى وطن وقومية، واحتمالات الدخول في الحداثة والتقدم التاريخي، والعيش المشترك، مع كل الكيانات والانتماءات المحتملة. أما التاريخ السوري والعربي، فيقدم الأدلة القاطعة على أن زعماء الطوائف في سوريا كانوا من الحكمة والتبصر والعقلانية، بحيث أدركوا سذاجة الطائفية وتخلفها عن مقتضيات التاريخ والعصر والانتماء إلى الوطن والأمة. فرفضوا الأيديولوجيا الطائفية، التي حاولت الأطراف الاستعمارية إدخالها إلى بلادهم: لقد رفض الوطنيون العظماء من الطوائف السورية الارتماء في أحضان المشاريع الطائفية المتمثلة في أشباه دول ممزقة على أنقاض وطنهم السوري وأمتهم العربية. هكذا كان حال سلطان الأطرش، وصالح العلي، وإبراهيم هنانو، وآخرين، حين رفضوا عروضاً من قوى استعمارية تقوم على بناء «دول خاصة بطوائفهم»، فدللوا على وعيهم التاريخي البصير وانتمائهم إلى أمتهم العربية، وكذلك على إدراكهم العميق وإن ببساطة للأصالة والحداثة، كما للمجتمع المدني والمنظومة الديمقراطية، بما فيها من حرية ومساواة وعدالة. إن التحدث عن «دول جديدة» في سوريا، واحدة في حمص مثلاً وأخرى في اللاذقية، وثالثة في حلب، ورابعة في السويداء... إلخ، إنما هو من باب الحديث الهزل، ويقترب من اجترار أوهام تاريخية تفتقد إمكانية البقاء، وهذا بتعبير ابن خلدون، العلامة العربي، نمط من التلهي والعبثية لا يمتلك مشروعية وإمكانية للوجود والنماء، في مرحلة وجود الحضارة وشروط التقدم الإنساني. إن تمزيق وحدة سوريا أرضاً وشعباً أمر غير قابل للتحقق، وإن تحقق، فإلى هشيم؟ *أستاذ الفلسفة- جامعة دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©