الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مالم يقله الرسام

مالم يقله الرسام
10 نوفمبر 2010 19:44
نظل في العراق، موطن الشعر والفن، مهما قسا عليه التاريخ، لنقرأ لشاعر آخر لونا مختلفا من الشعر، تمتزج فيه الرؤية التشكيلية بالنبض الحيوي للإبداع اللغوي، الشاعر هو عارف حمود السالم، يقول فى قصيدة “ما لم يقله الرسام”: رسمت غيما ولم أرسم له مطرا لكنه كسر اللوحات وانهمرا وفزز الماء طيفا كان مختبئًا في لوحتي ناظرا في صمته المطرا وكان في الطين حلم لو منحت له وقتًا نديًّا لكانت لوحتي شجرا لكنه اختلطت ألواننا فإذا هذا الرمادي ليلا يصبغ الفقرا لا لون في اللون، كانت لوحتي مطرا وكنت امتد في احلامها حذرا نهران طفلان فرا من عباءتها فرفرفا واستراحا وبعدها كبرا لعل أجمل ما في هذه اللوحة الشعرية التي تنبض بالحركة أمران: أحدهما، هذه الشفافية الرائقة التي تدهشك بطرافتها، فلا تستطيع أن تخفي ابتسامة مكتومة تعبر عن استجابتك للدعابة، دون أن تشغلك مشكلة المقابلات الرمزية لأطراف المعادلات؛ ترى هل يتحدث الشاعر عن لوحة تشكيلية أم خارطة للوطن أم صورة لامرأة؟ أما الأمر الثاني فهو النسق السردي والتوالي القصصي الذي يضفي سلاسة وقابلية للفهم على القول الشعري، فهو يحكي قصة رسم الغيم الذي أغفل المطر، فإذا بالماء يكسر اللوحة وينهمر، وإذا بالطين المختبئ يفز ويبرز، ليسفر عن حلم يحيل اللوحة إلى شجر، ثم يستحيل اللون إلى امرأة شهية، فيمسك الشاعر بيديها ويسافران.. وفن الشعر بتشكيل الألوان في فرح طفولي لا يلبث الشاعر أن يظلله بخطوط داكنة فيقول: حزني إذا أكمل الرسام لوحته أعاف بيتا له أم ظل منكسرا ينسى ويرسم والدنيا تدور به وظل يرسم عمرا يأكل العمرا لا بيت تسكنه ألوان لوحته ولا مراسي حتى يطفئ السفرا وكان يرسم بلدانا ينام بها لأن لوحته مملوءة ضجرا أطفالها لم يناموا منذ أن رسموا فهل سيرسم نوما مشبعا وكرى وهل سيرسم أمًاحضنها وطن ينام في دفئه من أدمن السهرا وكان يرسم أبوابا مفتحة للناس يدخلها من تاب واعتذرا الكل يدخل من أبواب لوحته إلاه ظل على الأبواب منتظرا ومع أن الشاعر لا يعدل عن أمثولته التي تعطي الدلالة الكلية لقصيدته، غير أنه يتبين فى حقيقة الأمر خدعته الكبرى، عندما يدرك المفارقة الواضحة بين عوالمه المتخيلة وما انتهى إليه أمره من تآكل عمره، ودوران الدنيا به وقد هجر وطنه، حتى لم يعد يعثر على مرافئ ينتهى إليها ترحاله، فأخذ يرسم بلدانا ليبيت بها.. لكن حرقته تزداد حينما يظل محروما من دخول لوحته/ جنته فيقف منتظرا على بابها، هذه الخاتمة الشجية تضفي دلالات موجعة على اللوحة القصيدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©