السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شيرين عبدالحليم: الفنان المسلم أول من ابتكر أشكالاً لونية جديدة

شيرين عبدالحليم: الفنان المسلم أول من ابتكر أشكالاً لونية جديدة
14 أغسطس 2011 22:23
لعبت المصادفة الدور الرئيس في علاقة فنان الخط العربي شيرين عبدالحليم بفنون الكتابة العربية، حينما شاهد لوحة خطية كُتبت بخط الثلث «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» وحاول تقليدها فباءت تلك المحاولة بالفشل، فتيقن أن هذا النوع من الفن لا يرسم، ولكنه يحتاج إلى أسلوب آخر في التناول، حيث كان في تلك الفترة يقلد اللوحات العالمية من خلال الأمشق في خامات القلم الرصاص والألوان الزيتية والباستيل، كما كان يقوم ببعض الاعمال النحتية، مشاركة لجيرانه القادمين من اسوان والذين كانوا يشتغلون بالعمل النحتي كحرفة. قال شيرين إنه قبل امتحان الشهادة الثانوية بشهور قليلة في عام 1991، علم بوجود مدرسة لتعليم فن الخط، وتقابل هناك مع الشيخ محمد عبد القادر، فقرر سحب أوراقه من المدرسة القومية بمصر الجديدة، وإرسالها إلى مدرسة تحسين الخطوط في باب الشعرية، موضحاً أن تلك الخطوة كانت كارثة لأسرته، لذلك يقول إن الخط أفسد عليه حياته، فلم يكن يعلم ما سوف يحققه في هذا المجال الجديد، فيما توارت تلك الفكرة عن مخيلته بمرور الوقت، قائلاً أنه مثل دراويش الخط، باعتبار أنه لا يزال هاوياً يبحث عن الجمال في فن الخط، الذي يعتبر بالنسبة له متعة مطلقة تحمل قدراً غير عادي من الجاذبية، لا يستطيع منها فكاكاً تحت تأثير «اصطياد» الخط له. ويشير شيرين إلى أن الخط العربي لون من ألوان التجريد، الذي يمثل تصوير الروح في الفنون عموما، أو تصوير الجوهر، حيث لا يعبر فنان الخط عن العلاقات الإنسانية وشكل الرجل والمرأة او المنظر الطبيعي، فأحياناً يسمع للخط صوتاً، يدخله في حالة من النشوة، وان الأشكال المجردة تجذبه للفنون الأخرى، كالأعمال النحتية التجريدية، وكذلك التصوير المجرد الذي لا يحاكي الطبيعة، كتعبير عن الداخل الصادق، وهو ما يجده في فن الخط. أشكال لونية ويوضح أن التجريد وجد في الفنون منذ زمن بعيد، إلا أن اكتمال جماله وتمامه ارتبط بالفنون العربية الإسلامية، حيث إن الفنان العربي هو أول من أوجد صيغاً وأشكالًا لونية جديدة، في حين أن الفنان الغربي لم يلحظ ذلك إلا منذ نحو الـ 200 سنة الماضية فقط، وأن الفن الغربي كان تصويراً للطبيعة، ولم تحدث به ثورة على التقاليد الكلاسيكية إلا منذ ذلك الوقت، فكانت ثورة على نقل الطبيعة وتصويرها، وتلك الثورة كانت موجودة بالفعل مع ظهور الفن الإسلامي منذ أكثر من ألف عام، وكان بذلك الفنان المسلم اسبق تعبيراً عن الروح، لما ترتبط به الفنون الشرقية من طبيعة روحية تختلف عن الفن الغربي المغرق في المادية. وقال إن الفن الإسلامي رغم ظاهره الزخرفي فإنه ليس زخرفياً، وتلك مشكلة تواجه بعض العاملين في مجال الخط، حيث إنهم مجرد قوالب مكررة، لا تحمل الذاتية الفنية، في حين أن الخط يعد عملاً فنياً عبقرياً، ويتضح ذلك بالنظر إلى المفردة الواحدة، لكن المشكلة تكمن في مستخدم فن الخط بنوع من التقليد يصيبه بالتكرار وفقدان الذاتية والترحل إلى المستوى الأدنى، وهو ما بنى الغرب عليه هجومه في عدم قدرة الخط على التطور، على الرغم من انه يحتمل القدر الأعلى من التجريب والتطوير إذا تم توظيفه بشكل يعبر عن الإحساس الشخصي لكل فنان، حيث إن فكرة الأصالة والمعاصرة في الفن لا تعني الخروج عن الأصول الأولية، وإنما هي المحافظة عليها وإعادة تحريكها بإحساس ورؤية حداثية لا تتشابه مع أعمال مرت عليها عدة قرون، ولذلك نجد أن الغرب لا يعترف بأعمال تعرفوا إليها ودرسوا جمالياتها من خلال الحضارة الإسلامية، كما أن تلك الطريقة في التقليد تُخضع الخطاط إلى الحرفة أو الصنعة وتبعده عن الفن، فالفن يشترط الدهشة والمفاجأة وأشار شيرين إلى ان الخط العربي ليس له قواعد، وإنما له أصول عريقة، تختلف عن القواعد، ذلك الشيء الثابت، والمطلوب ان ينتمي الفنان إلى تلك الأصول دون ان ينقلها، وأن هناك اتجاهاً حداثياً في الخط، يسمونه الحروفية، وهو ما يرفضه فالاستخدام الحروفي للخط من دون دراسة أصوله يشوه الكتابة بدعوى الحداثة الأسلوبية، وهو بعيد عن الهوية المحلية واقرب إلى التغريب المزيف، كما أن التعامل مع الحروف لا يعني تغيير شكلها او لونها، وكل مفردة في الخط العربي فيها قيم جمالية محددة لم تولد نتاج اللحظة، وإنما كانت نتيجة لجهد عدد كبير من الفنانين. معايشة الشكل وأضاف أن الخط العربي يحتمل كافة الإضافات التي لا تلغي الأصول، وإنما تغير في مفهومها الثابت، مثل أن يكون حرف الألف6 نقاط، أو 8 بدلًا من 7 نقاط، من خلال معايشة الشكل، بعد أن يكون الهدف الأساسي هو الجمال، وانه في سبيل ذلك ابتكر قلماً ليعطي الحرف بعداً ثالثاً، رغم أنه معروف تاريخياً أن الحرف العربي منذ أيام الخطاط ابن مقلة، وحتى الآن ذو بعدين فقط، وأنه بذلك لا يضر بجماليات الحرف أو يشوهه وإنما أعطاه من تجربته، إلا انه ليس فرضاً أن يستوعب البشر كل ما هو جديد أو غريب بسهولة، حتى زوال تلك الغرابة، فالناس تركن للمألوف، الذي يتوافق مع استقرارها النفسي. وأكد أن الفنان الحق هو الذي يستطيع أن يقتنص اللحظة المواتية، خاصة إذا كانت المصادفة تلعب دوراً فيها، موضحاً أن ابتكاره للقلم جاء بمحض مصادفة، حينما كان يشتغل على لوحة «ن والقلم وما يسطرون» وهو نص شهير دائماً ما كان الخطاطون يقومون بتكبير حرف الـنون، ويضعون الكلام في داخله، ولكنه قام بتكبير حرف الواو، حيث يحب هذا الحرف والمرسل منه تحديدا، ويراه كالمنحوتة الجميلة، وعندما شرع في العمل بالقلم التقليدي أو بالفرشاة لم يكن الحبر سيالًا معه أثناء الكتابة، ولذلك فكر في إنتاج قلم يستمر معه في ثبات الحبر أو اللون فوضع على القلم قطعة من القماش، وبعد التجارب وجد أن تأثيره لا يختلف كثيرا عن الفرشاة، وبالمصادفة وضع طرف القلم في كوب ماء كان أمامه، وتركه ليعيد الكتابة به بعد فترة، فإذا بتأثير المياه مع القماش يعطيه التعدد في التدريج اللوني للحبر بين الفاتح والغامق، كما لو كان يرسم الحرف على القلم قبل ان يبدأ في الكتابة،ثم تطورت تلك الطريقة مع الوقت. الخط الحر وأوضح أن الخطوط الحرة أشكال غير محددة، ويمكن إنتاج عدد غير متناه منها، وهناك علاقات بين الحروف وبعضها، فالعلاقات المنسجمة بين مفردة وأخرى هي ما يصنع الجمال، إضافة إلى الجمال الذي يحدث ما بين الجزء والجزء في المفردة الواحدة، لذلك يرى أن اقرب فن للخط هو النحت، لما فيه من تشابه، حيث يبدأ النحت في كتلة من الحجر يشكلها الفنان دون ان يلونها، محدثاً أثراً جمالياً من خلال انسجام النسب بين كل جزء في العمل، وهذا الانسجام هو ما يتفاعل معه المتلقي، ويؤكد على جماله دون معرفة سببا لذلك الجمال، الذي هو ناتج من المعاناة الصادقة لدى فنان الخط، فالفن هو وسيلة التلاقي الوجداني. وعن فن الخط في تركيا قال شيرين إن هناك صراعاً فكرياً بين ثقافتين مختلفتين، حيث إن الأتراك أمة تكويد أو إتقان وليسوا أمة ابتكار أو إبداع، أما نحن العرب أو منطقة الشرق الأوسط، فأمة شاعرية مبدعة، والإشكالية أن الأتراك لا يعترفون بفنان إلا إذا تشابه معهم، واصبح نسخة مكررة من فنانيهم.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©