الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صعود وهبوط اليسار في مصر

صعود وهبوط اليسار في مصر
10 نوفمبر 2010 19:46
دراسة الحركة الماركسية في مصر محفوفة بالمصاعب العلمية لأن هذه الحركة كان لها جزء ظاهر ومعلن، وجزء آخر سري وخفي تحت الارض، والمشكلة ان الجانب السري لا تتوفر حوله المعلومات الكافية، وحتى الجزء الظاهر والمعلن ليس موثقا بالقدر الكافي، وهذا يفرض على الباحثين والدارسين جهدا مضاعفا، ويجعلنا نتوقف باهتمام امام دراسة الباحث جينارو جيرفازيو “الحركة الماركسية في مصر “1967-1981” والتي نال بها الدكتوراه من جامعة نابولي، وقد عاش الباحث في مصر فترة ليست بقصيرة جمع خلالها مادته العلمية، وعمل بالتدريس فترة بجامعة المنصورة، مما أتاح له الاحتكاك المباشر بمصادر الدراسة والواقع الذي جرت فيه أحداثها. ينطلق الباحث من ان تاريخ اليسار في مصر بكل أطيافه واتجاهاته الفكرية والسياسية هو جزء لا يتجزأ من تاريخ مصر السياسي والاجتماعي وليس تاريخا بديلا كما يتصور البعض، سواء من داخل اليسار أو خارجه. ويعترف بأن اليسار في مرحلة الاربعينيات واجه مشكلة حينما كان بعض رموزه من الاجانب ومن اليهود، فقد جعل هذا بعض الدارسين يعامل اليسار واليساريين وكأنهم اجانب أو دخلاء على الحركة السياسية وليسوا جزءا اصيلا منها. اندماج ويتوقف جيرفازيو عند عام 1965 حين تم حل الحزب الشيوعي المصري واندمج في الاتحاد الاشتراكي العربي، التنظيم السياسي الرسمي وكان اليساريون قد تعاطفوا مع عبدالناصر وارسلوا اليه برقيات التأييد من المعتقل مشيدين بالخطوات الوطنية التي اتخذها مما فتح الباب لمصالحة معه والاندماج في الدولة، وهذا يفرض صعوبة على الدارس اذ لا يمكن التمييز بين الاتجاه الرسمي للدولة وموقف اليسار الذي كان مندمجا فيها وكانت هناك اتجاهات أو جماعات بقيت تحت الارض ولم تندمج تماما في الدولة الناصرية، وتنظيمها السياسي. لكن وقوع نكسة يونيه 1967 احدث شرخا في العلاقة بين اليسار واجهزة الدولة، وعادت اطيافه للنشاط وممارسة دورها التحريضي. كما يتوقف الباحث عند قضية مهمة، يحاول بها تفسير تراجع اليسار المصري في نهاية السبعينيات وتغلغل الاتجاهات الاسلامية، فاليسار انشغل بالقضية الوطنية وحينما يكون جزءا من البلد تحت الاحتلال فإن ذلك يعني ان يلتفت اليسار الى تلك القضية، وتصبح لها الاولوية الاولى والواقع ان أفكارا وراء وكتابات ماركس ولينين كانت تدعو الى النضال الوطني وتحرير الارض، وبينما انشغل اليساريون بهذه القضية اتجه الاسلاميون الى العمل وسط الجماهير ومحاولة تقديم خدمات لهم مثل العيادات الاسلامية والمستوصفات الشعبية وغيرها، ولذا حين قام السادات بزيارة القدس في نوفمبر 1977 وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 ثم معاهدة السلام في عام 1979 فإنه انهى المشكلة الوطنية فمقتضى هذه الخطوات استعادت مصر سيناء بالكامل ومن ثم لم تعد هناك مشكلة وطنية وهذا مالم يستوعبه اليساريون. رغم ان السادات منذ اتفاق فض الاشتباك الثاني مع اسرائيل في صيف 1975 كان من الواضح انه يتجه نحو استعادة سيناء بالتفاوض. ويرصد المؤلف رد فعل اليسار على ما قام به السادات اذ وصفته نشرة سرية ماركسية بالخيانة الوطنية. وباستعادة سيناء كان موقف اليسار صعبا فالقضية الوطنية لم تعد قائمة، والوضع الاجتماعي سيطر عليه الاسلاميون وهذا فرض صعوبات كثيرة على حزب التجمع الذي تأسس مع عودة الاحزاب الى مصر. انتفاضة ويتوقف جيرفازيو عند احداث 18 و19 يناير 1977 أو انتفاضة الخبز، بينما رآها الرئيس السادات انتفاضة “الحرامية” وحمل اليسار مسؤوليتها والوقائع تثبت ان تحرك الجماهير كان عفويا بعد خطوة د.عبدالمنعم القيسوني بالاستجابة الى تعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين لرفع الدعم عن السلع الاساسية مما ادى الى ارتفاع الاسعار ولا يمنع الامر من ان اليسار تدخل لكن بعد اشتعال الفتيل، كان السادات يتصور ان المظاهرات كلها من تدبير وتخطيط حزب التجمع واليسار المصري ولذا اضطهد اليسار وهاجمته الصحف الرسمية، لكن الامر لم يكن كذلك. ويتساءل الباحث عن هجوم الاهالي على المحال السياحية والكازينوهات في شارع الهرم هل يمكن ان يدعو اليه اليسار ام ان بعض الاصوات الاصولية يمكن ان تكون هي التي حرضت عليه باعتبار ان موقف الاصولية آنذاك هو رفض السياحة واعتبار ما يجري في هذه الاماكن نوعا من الفسق والفجور. ويذهب الباحث في كتابه الى استنتاج قاله بعض كتاب اليسار من قبل وهو ان مظاهرات 18 و19 يناير 1977 كانت السبب المباشر الذي دفع السادات الى التفكير في زيارة القدس في نوفمبر من نفس العام، ذلك ان الاقتصاد المصري وقتها كان متهالكا وكان السادات يعول على الاستثمار الاجنبي كي يأتي ويساعده وكان قد اصابه اليأس من المساعدات العربية لكن المستثمرين الاجانب والشركات الكبرى لم يكن ممكنا ان تستثمر في بلد يعيش حالة حرب، فضلا عن ان ما جرى في 18 و19 يناير فرض حالة من الخوف على بعض المستثمرين الاجانب الذين كانوا قد وصلوا الى مصر بالفعل، والسادات قرر ان ينهي الازمة الاقتصادية باستقدام المستثمرين الاجانب الذين فشلت كل التيسيرات التي عرضتها الحكومة المصرية عليهم وفي النهاية كان قراره بإنهاء حالة الحرب والتوجه الى القدس. وكان موقف اليسار المصري عنيفا من السادات وخطوته نحو السلام واتهم بالخيانة وهذا آلمه كثيرا، ومن واقع خطابه في الكنيست ومباحثاته في كامب ديفيد لم يكن السادات يسعى أو يبحث عن حل منفرد برغم الهجوم العنيف الذي تعرض له من الدول العربية ومن المواطنين المصريين، لكن السادات بعد كامب ديفيد اكتشف ان اسرائيل ومعها الولايات المتحدة تدفعانه الى الحل المنفرد، ولم يكن أمامه وسيلة للتراجع خاصة بعد ان انفض من حوله العرب ولذا سار في الطريق الى النهاية. ويرصد المؤلف ان اليسار تعرض للقمع الشديد من السادات حين اتهم السادات اليساريين بالكفر وبالإلحاد، ووضع يده في يد الاخوان لقمع اليسار، لكن بعد سنوات السادات نجا اليسار وأفكاره من القمع، وهو يلاحظ ان اليساريين اتجهوا الى منظمات العمل والاعمال والى المجتمع المدني وقد طبعت هذه الانشطة بالطابع اليساري فكرا وسلوكا. ويعتبر ان اليسار هو البديل الديمقراطي والعلماني في مصر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©