الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ولادة في المقابر..

ولادة في المقابر..
10 نوفمبر 2010 19:47
يسعى هذا الكتاب “رحلة الكتابة في مصر” في نسخته العربية الصادرة عن مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية للكشف عن الكتابات المختلفة التي ظهرت على أرض مصر، ودراسة ظروف ظهورها واختفائها، وتقييم تأثيرها وتفاعلها مع المجتمع المحلي، وذلك من خلال أكثر من 18 دراسة لباحثين مصريين وأجانب، تقع في 195 صفحة، حيث يبين الكتاب الذي حرره د. خالد عزب؛ مدير مركز الخطوط بالإنابة، وأحمد منصور؛ رئيس وحدة اللغة المصرية القديمة بالمركز، وقدم له إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، أن الكتابة على أرض مصر انقسمت إما إلى كتابة رئيسية وهي الكتابات المصرية، القديمة (الهيروغليفية، والهيراطيقية، والديموطيقية، والقبطية)، والكتابة اليونانية، ثم الكتابة العربية، أو كتابات الجاليات الأجنبية التي عاشت لفترة ما على أرض الكنانة. وفي دراسة بعنوان “بداية الكتابة في مصر القديمة”، يشير الباحث جونتر دراير إلى أن أهم مصادر تطور الكتابة في عصور ما قبل الأسرات، هي تلك التي عُثر عليها في مقبرة أو ـ ج بأبيدوس (تقريباً 3200 قبل الميلاد) والتي تقدر بحوالي 125 آنية فخارية أو قطعة تحمل بقايا كتابات بالحبر، وكذلك حوالي 160 بطاقة صغيرة للتعليق من العظام أو العاج تحمل علامات مخربشة. وتتواجد العلامات الحبرية على ما يسمى بالأواني ذات الأيادي المموجة، والتي كانت تملأ بالزيت أو الدهون، وهي تتكون من علامة إلى علامتين بالحجم الكبير، تمثل نباتاً بالإضافة إلى حيوان، لتعطي تلك العلامات معلومات عن محتويات الإناء، ومصدره ومالكه. البداية وعن الكتابة واللغة في مصر القديمة، يبين خالد داود أن الكتابة في المقابر استخدمت بغرض التسمية والتعريف، وبغرض تسجيل وتدوين الطقوس التعبدية الخاصة بالملك، ولقد تطور الاحتفال بذكرى هذه الطقوس إلى نوع من التعبد، وتعتبر آثار مقابر عصر الأسرات المبكر ومعابد عصر الأسرات هي الدليل الأثري الوحيد عليها، وتوحي بانطباع بأن الكتابة قد استخدمت في منشآت الوادي والدلتا بشكل أكثر ندرة في الاحتفالات الملكية. وكانت الكتابة هي إحدى طرق إبداع وتدوين الأفكار في شكل مادي، أو بطريقة ملموسة، وقد نقل الُكتاب والموظفون بذور المعرفة إلى أبنائهم، مما سمح بتكوين وتأسيس طبقة متميزة من الموظفين المتعلمين، وكان هنالك فارق، منذ البدايات المبكرة، بين الكتابة الهيروغليفية، والكتابة المختصرة، والكتابة الخطية الهيراطيقية، التي اُستخدمت في الحياة اليومية. وقد استخدمت الهيروغليفية في تدوين اللغة المصرية القديمة من أواخر عصر الأسرات (حوالي 3400 ـ 3200 ق.م)، وحتى القرن الرابع الميلادي، ككتابة مدونة على الآثار، وبصفة رئيسية على جدران المعابد، والمقابر، والتماثيل، واللوحات، إما منقوشة أو مرسومة على الحجر. ومن أجل تلبية أغراض الحياة اليومية، استخدم خط أكثر اختصارًا من الخط الهيروغليفي وهو الخط الهيراطيقي، الذي استعمل للكتابة اليدوية على المواد الفانية والسهل التخلص منها مثل ورق البردي، والكسرات الخزفية، والأوستراكا، والألواح الخشبية. وتحت عنوان “المخطوطات والنقوش القبطية”، يؤكد الدكتور يوحنا نسيم يوسف أن اللغة القبطية هي اللغة المصرية القديمة في تطورها الأخير، حيث أن القبطية كُتبت باستخدام الأبجدية اليونانية مضافة إليها علامات إضافية من الخط الديموطيقي، ويختلف عدد هذه العلامات من لهجة إلى أخرى. وتعتبر الغالبية العظمى من مضمون المخطوطات القبطية ذات محتوى ديني، حيث احتوت هذه المخطوطات على نصوص دينية من الكتاب المقدس، وتؤرخ النصوص المبكرة بالقرن الرابع والخامس الميلاديين، ولقد جاء السواد الأعظم من المخطوطات من مصر العليا نظراً لطبيعة التربة الجافة التي استطاعت حفظ المخطوطات لفترة طويلة. الجرافيتي وفي دراسة عن “المخربشات المصرية القديمة”، يقول محمد شريف علي إن مصر قد وُصفت بأنها “البلد الكلاسيكى للجرافيتي”، دلالة على كثرة وشيوع هذا العنصر الهام في أرض مصر حيث إنه منذ عصر ما قبل التاريخ تنتشر ظاهرة وجود المخربشات في مناطق مختلفة على امتداد أرض مصر شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، وكانت تحتوي في هذه الفترة المبكرة على تصوير أشكال فقط، ثم بدأت علامات الكتابة في الظهور. يتطرق محمد شريف علي إلى الكتابات السينائية أيضاً، فقد اكتسبت مجموعة النقوش والكتابات التي عثر عليها بشكل رئيسي في شبه جزيرة سيناء وعُرفت بالتالي باسم الكتابات السينائية أهميةً كبرى، نظراً للدور الذي رأى الباحثون أنها يمكن أن تلعبه في رسم العلاقة بين الأبجديات القديمة ومحاولة تحديد أصل الأبجديات الأحدث، بل وبالأحرى أصل أبجديات العالم أجمع قديمها وحديثها، وذلك باعتبارها واحدةً من أقدم أبجديات العالم إن لم تكن بالفعل أقدمها على الإطلاق. وخصص صبحي يونس دراسته للنقوش الكارية في مصر، والكاريون هم شعب هندو ـ أوروبي، موطنهم الأصلي هو جنوب آسيا الصغرى التي كانت آنذاك جزءًا من العالم الهيلينستي. وقد عُثر على 70% من النقوش الكارية في العالم في مصر، وجاءت غالبية هذه النقوش متركزة في منطقة سقارة، الجبانة الرئيسية لمدينة منف، حيث تعتبر سقارة موطن استقرار الأقلية الكارية في الحي الخاص بهم، وهو حي كاريكون. ولقد شهد العقد الأخير محاولات ناجحة لقراءة النقوش الكارية، وذلك من خلال قراءة اللوحات التي تحمل نقوشًا هيروغليفية ونقوشًا كارية، مما ساهم في التعرف على بعض القيم الصوتية للحروف. ولم يُعثر على أي من اللوحات الكارية في مكانها الأصلي، بل إن هذه اللوحات إما أن تكون قد سبق استخدامها، وإما معدة لإعادة الاستخدام. وكان هذا الاكتشاف ذا أهمية قصوى للتأريخ لتواجد الأقلية الكارية في منقطة سقارة، وكذلك لفك شفرة الكتابة واللغة الكارية. وعن الكتابات الآرامية، تشير الباحثة مارجاريثا فولمر، إلى أن النصوص الآرامية عثر عليها في مصر، وفارس، وآسيا الصغرى، وبابل، والجزيرة العربية، وفلسطين، وقد عثر على الغالبية العظمى من هذه النصوص في مصر، حيث إنها أصبحت جزءاً من الإمبراطورية الأخميدية بعد غزو قمبيز لها في عام 525 قبل الميلاد، كما أن سبب بقاء كميات كبيرة من الوثائق الآرامية في مصر يعود إلى حقيقة أن البردي يستطيع البقاء في مصر بفضل الظروف المناخية الملائمة فيها. وقد عثر على أكثر الوثائق الآرامية أهمية وضخامة (بالأخص الخطابات، والوثائق الرسمية) في جزيرة إلفنتين، في محافظة أسوان، وفي هرموبوليس، وفي منف في منطقة سقارة. لكن تم العثور في أنحاء متفرقة من مصر على العديد من البرديات الأصغر حجماً بالإضافة إلى كثير من النقوش، بما فيها المخربشات. ويبرهن تنوع أماكن العثور عليها بكل وضوح على انتشار استخدام الآرامية في تلك الفترة. نقوش وتبين دراسة الباحثة شيرين رمضان، الخاصة بالنقوش الأمهرية في مصر، أن الأمهرية هي اللغة الرسمية لأثيوبيا، كما أن الأبجدية الأثيوبية المقطعية مشتقة من الكتابة العربية الجنوبية الصامتة (الساكنة) التي كانت مستخدمة في الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية من حوالي 1500 ق.م حتى القرن الثاني الميلادي. وقد أصبحت اللغة العربية الجنوبية السبأية هي لغة الأدب والكتابة لأثيوبيا، ولكن اللهجة الأثيوبية هي المستخدمة للتحدث، كما أن الخط السبئي قد شكل أساسيات الأثيوبية الكلاسيكية “الجعزية” الأمهرية الحديثة. ويرجع تاريخ العلاقات الأثيوبية مع مصر ووادي النيل إلى الفراعنة، الذين بعثوا العديد من الحملات لجنوب البحر الأحمر للبحث عن الصمغ والمنتجات المحلية الأخرى، وبعد ذلك بعدة قرون، وبعد مجيء المسيحية لأثيوبيا في بداية القرن الرابع، كانت مصر القبطية هي الأرض التي منها أخذت أثيوبيا أكثر الآباء البطاركة. ومازالت الأمهرية يتم التحدث بها وكتابتها بالخط الجعزي داخل الكنيسة الأثيوبية الأرثوذكسية. وفي القرن السادس تمت ترجمة وإعادة نسخ قصة حياة “تكلا هيمانوت” أشهر وأهم القديسين (سياسياً ودينياً) من اللغة الأثيوبية للعربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©