الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علب العاج لحفظ حلي ربات الصون والعفاف في بلاط قرطبة

علب العاج لحفظ حلي ربات الصون والعفاف في بلاط قرطبة
14 أغسطس 2011 22:45
من أجل المرأة وحفظ مقتنياتها من الحلي، عرف الفن الإسلامي إنتاج علب أو صناديق صغيرة من العاج، حرصت النساء على اقتنائها لتكون وعاء ثميناً لما تعتز به من الحلي والجواهر، وقد انتشرت تلك العلب في المناطق التي اتصلت بشكل أو بآخر بصيد الفيلة سواء في أفريقيا أو آسيا. وتختلف طريقة الحصول على العاج اختلافاً واضحاً عن جميع الطرق التي كان يلجأ إليها للحصول على المواد الخام اللازمة للصناعات والحرف التطبيقية، فهو ليس من النباتات مثل الأخشاب أو القماش والسجاد التي نحصل على موادها الخام من ألياف الكتان وخصل القطن التي تأتينا بها الزراعة ولا هو مثل البلور الصخري والمعادن التي تستخرج موادها الأولية من باطن الأرض ولا هو حتى مثل مواد الخزف والزجاج التي تعتمد منتجاتها على خلط مواد موجودة بالطبيعة، بل ينفرد العاج عن هذه جميعاً بأنه يأتي من صيد الحيوانات. وإذا كان الإنسان الأول قد استخدام أنياب الحيوانات المنقرضة، مثل الماموث، فإن المورد الأساسي للعاج خلال العصور الوسطى كان تقريباً الفيلة، بالإضافة إلى قطع نادرة جاءت من أنياب جاموس البحر، وهو ما يعني أن مادة العاج كان يتم الحصول عليها بمشقة كبيرة وتكلفة عالية، ومن ثم يعتبر العاج مثل المعادن النفيسة والأحجار الكريمة من حيث إنه عزيز المنال مثلها. حفظ الحلي ولا عجب بعد ذلك أن نرى حرص الفنانين المبالغ به على استخدام أصغر الشظايا من العاج في تزيين الأخشاب بطريقة التطعيم، ناهيك عن أن تصنع قطع كاملة من العاج، واللافت للنظر أن معظم العلب أو الصناديق العاجية التي وصلتنا كانت تستخدم غالباً لحفظ الحلي النسائية والجواهر الثمينة، وهو ما وضحته بعض كتابات على علب العاج المنتجة بالأندلس على وجه الخصوص، فضلاً عن أن أحجام بعضها الصغيرة بشكل لافت توضح بجلاء أنها كانت من أوعية حفظ الحلي. وقد وصلتنا من الأندلس مجموعة من علب وصناديق العاج التي أنتجت لربات الصون والعفاف في بلاط قرطبة، وجاء أغلبها من مصنع بمدينة “قونقة” الإسبانية استمر نحو أربعين عاماً في إنتاج مثل تلك التحف الرائعة، ونعرف من صناعه عدداً ممن ترك توقيعه على تلك القطع الفنية مثل “فرج” و”الدري” و”خلف”. ومن أشهر تلك القطع واحدة تعرف اليوم باسم “صندوق زاموره” نسبة لمالكها، وهي منحوتة في ناب فيل على هيئة علبة أسطوانية صغيرة وتشير الكتابات المسجلة عليها إلى أنها أنتجت بأمر من الخليفة الأموي الحكم المستنصر لزوجته المحبوبة “صبح” أم ولديه الأميرين، عبد الرحمن وهشام. «الفتى الدري» وتحمل العلبة توقيع صانعها “الفتى الدري”، وهو عبد الحكم الصقلبي، أي أنه ينتمي لجنس السلاف الذي خدم في بلاط خلفاء قرطبة وفي الجيش الأندلسي أيضاً، أما قوام الزخرفة المنفذة هنا بالحفر، فهو عبارة عن مناطق زخرفية تضم رسوماً لحيوانات مثل الغزلان وطيوراً أهمها الطواويس على أرضية من الزخارف النباتية من أوراق ذات ثلاث بتلات وأنصاف المراوح النخيلية. ونجد بين هذه الزخارف النباتية الكثيفة والمتقنة رسم أربعة أزواج من الغزلان المتقابلة، تعلوها أربعة طواويس رشيقة متقابلة ذات عرف مختزل. وفوق ذلك، عصافير متناقضة برؤوس متجهة للخلف ومتقابلة. تُمثل الزخرفة المكونة من زهيرات ذات أربع أو ست بتلات. وهناك أيضاً علبة من العاج الأندلسي آلت لملكية كنيسة “ليير” بإسبانيا، وقد أنتجت هي الأخرى في فترة الحكم المستنصر بأمر من رجل الأندلس القوي الحاجب المنصور ابن عامر بعد انتصاره على مملكة ليون ويظهر أنها كانت من بين هدايا قدمت للسيدة “صبح” زوجة الخليفة. والصندوق مستطيل الشكل وله غطاء على شكل سقف محدب. وهناك شريط مضفر غير منقطع يسطر واحدا وعشرين منطقة زخرفيه: ثلاث عشرة منها فوق الغطاء وعشر حول جسم القطعة. وتُحيط بتلك المناطق زخارف نباتية وطيور وحيوانات ورسوم آدمية تسجل جميعها مناظر من حياة البلاط وأنشطة الأمراء كالصيد والقنص والطرب والشراب. ويحمل الصندوق توقيعات لعدد من النقاشين الذين عملوا في زخرفة الصندوق بالرسوم والكتابات من أبرزهم “خلف” و”سعيد” و”رشيد” واللافت أن الصندوق يحمل بين نقوشه ما يعتقد أنه رسم للخليفة الحكم الثاني، وهو جالس على كرسي العرش المزدان برأسي أسد على جانبيه، بينما رسم الخليفة على هيئة رجل مكشوف الرأس وبشاربين كبيرين. توقيعات ومن علب العاج الأندلسية أيضاً علبة أسطوانية صغيرة لها غطاء بمفصل من البرونز وهي تزدان برسوم محفورة تمتزج فيها الرسوم النباتية وصور الطيور والحيوانات التي حصرت داخل مناطق زخرفيه ومن أهم المناظر التي حرص الفنان على رسمها صور لخيول متقابلة ومناظر افتراس تمثل انقضاض نسر على طائر، ولعلَّ في ذلك صدى لما اعتاده صناع علب العاج من تمثيل مناظر أنشطة البلاط خاصة الصيد والقنص على علب الحلي المصنوعة من العاج لصالح سيدات البلاط. وتعود هذه العلبة لفترة حكم المرابطين للأندلس في القرن الخامس الهجري “11م.”. وقد استمر الأندلس بحكم صلاته بالشاطئ المغربي، حيث كانت ترد أنياب الفيلة من دواخل القارة الأفريقية في إنتاج علب العاج في عهد بني نصر حكام غرناطة ومن بين تلك العلب واحدة تؤرخ بالقرن الثامن الهجري “14م.”، ولكنها تفتقد لحيوية رسوم الفترة الأموية إذ تعتمد على زخارف هندسية وأشكال الجدائل والحبيبات المتماسة، فضلاً عن كتابات نفذت بخط النسخ المغربي على أرضية من الزخارف النباتية المعروفة بالأرابيسك. وقد عرفت صقلية إبان الحكم الإسلامي أيضاً صناعة صناديق الحلي من العاج وظلت تلك الصناديق تنتج في العاصمة باليرمو وفقاً لتقاليد الفن الإسلامي حتى بعد سقوط صقلية بأيدي النورمان. ولدينا من القرن السادس الهجري “12م.” صندوق له غطاء منشوري الشكل على هيئة الصناديق الأندلسية، ولكنه جاء أقل زخرفة بصورة واضحة. ونظراً لوقوع مصر على طريق التجارة مع أفريقيا فقد ازدهرت بها أيضاً صناعة علب الحلي العاجية، كما عرفت أيضاً إنتاج علب أصغر كانت تعرف باسم “الحق”، وهي مخصصة لحفظ الطيب. التوازن في الزخرفة يوجد من العصر المملوكي علبة أسطوانية رائعة الزخرفة ولها غطاء بمقبض من العاج أيضاً. أما قوام الزخرفة فيها فمناطق تدور حول بدن العلبة تبدأ عند القاعدة بشريط من كتابات النسخ المملوكي على أرضية من حبيبات متماسة تليها منطقة عريضة بها رسوم لدوائر متقاطعة تحصر داخلها أشكالاً هندسية ثم يعود الفنان لاستخدام الشريط الكتابي بغطاء العلبة ليحقق التوازن في زخرفة العلبة، بينما يزدان الغطاء أيضاً من أعلاه بشريط من الكتابات المنفذة بدقة وإتقان كبيرين وربما كانت العلبة المنتجة في القرن الثامن الهجري”14م.” مخصصة لواحدة من نساء البلاط المملوكي في عهد دولة الناصر محمد بن قلاوون. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التلوين استخدم في تلك العلبة لإعطاء الإحساس بالظل والنور وخاصة في المنطقة الوسطى ذات الدوائر المتداخلة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©