الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاعتراف بالآخر ضرورة حضارية

15 أكتوبر 2006 23:52
بدءاً يحسن أن أشير إلى أنه ليس من الكياسة· أن نفهم من الاعتراف بالآخر أنه يعني التوفيق بين المذاهب، وليس من الكياسة كذلك أن نفهم من الاعتراف بالآخر أن يتحول الإنسان إلى مذهب الآخر· كل ذلك ليس وارداً·· إنما المراد استثمار ما وصلت إليه المذاهب الإسلامية، للوصول إلى انطلاقة الفكر الإسلامي، وبيان سعة أفقه، وقدرة هذا التفكير على التصدي والمواجهة لكل التيارات المناوئة للإسلام والمسلمين·· والمطلوب أن يتحد أهل الإسلام، على أصول الإسلام، التي لا يكون المسلم مسلماً إلا بها، وأن ينظر الجميع فيما وراء ذلك نظرة من لا يبتغي الغلب، ولكن يبتغي الحق، والمعرفة الصحيحة· فالمسلمون جميعاً يؤمنون بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وبالقرآن كتاباً، وبالكعبة قبلة وبيتاً محجوجاً، ويؤمنون أنه ليس بعد رسوله محمد نبي ولا رسول، وبأن كل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق، فالساعة حق، والبعث حق، والجزاء في الدار الآخرة حق والجنة حق، وما اختلف المسلمون فيه من شيء فحكمه إلى الله ورسوله، أي أن المسلمين متفقون على أسلوب الخلاف· إذ أن الأمة الإسلامية -وإن اختلفت فيها المدارس الفكرية- تملك أسساً مشتركة تستطيع بها أن تجمع شتاتها، وتوحد كلمتها· فهي أمة واحدة، ذات دين واحد، وكتاب واحد، ورسول واحد، هذه هي الأصول الثابتة التي تشترك فيه الأمة، فإذا أدركتها جيداً والتزمت بمقتضياتها، فإن ذلك يجعل منها أمة واحدة، تلتقي على وحدة الغاية، ووحدة المنهج والعقيدة· ولا بأس من تناول هذه الأسس بإيجاز لتتضح المعالم المضيئة في الطريق: وحدة الغاية: حيث إن المسلمين يدركون غاية وجودهم في هذه الحياة، وهي الطاعة الكاملة لله -عز وجل- قال تعالى: ''وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون''·· ''الذاريات: ،''56 وإدراك هذه الغاية أساس أصيل في وحدة المسلمين· وحدة المنهج: وهذا المنهج الذي يجب اتباعه، هو ما أشارت إليه الآية الكريمة: ''··· واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا'' ''آل عمران: ،''103 وليس لهذا المنهج إلا مصدر واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي وضعه للمسلمينز فإذا اتضحت هذه الحقيقة في أذهان المسلمين، وأشرقت في قلوبهم المؤمنة، تمثلوها في واقعهم وسلوكهم· وحدة الرسالة: لقد شاء الله أن يكون الإسلام آخر الرسالات السماوية في الأرض وأن يكون محمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، فبه أكمل الله الدين، وبه ختم المرسلين، وهذه الحقيقة يجب أن تتضح في أذهان المسلمين، إذ بقدر وضوحها والتزامهم بها، بقدر ما يتسير للأمة الاجتماعز وحدة العقيدة: فالعقيدة هي الأساس الذي يرتفع عليه بناء الدين، فإذا قوي الأساس سهل على الأمة تصحيح أوضاعها، وأمكن لها الاجتماع واللقاء، وحين تكون العقيدة واضحة في الأذهان مشرقة في القلوب، تزول الحواجز التي قامت بين الأمة·· فالحق كل الحق أنه لا ضرر على المسلمين في أن يختلفوا، فإن الاختلاف سنة من سنن الاجتماع، لكن الضرر في أن يفضي بهم الخلاف إلى القطيعة والخروج على مقتضى الأخوة التي أثبتها الله في كتابه العزيز، لا على أنها شيء يؤمر به المؤمنون، ولكن على أنها حقيقة واقعة، رضي الناس أم أبوا·· ''إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون''·· ''الحجرات:·''10 فالخلاف فيما يتعلق بالعقائد، لم يتجاوز الحد النظري، ولا الاتجاه الفكري، فإن العلماء الذين تصدوا لها لم يجر بينهم خلاف أدى إلى امتشاق الحسام·· وطبيعة حياتهم العلمية لا تسمح لهم بأن ينقلوا الخلاف من ميدان القول إلى ميدان العمل، ولم يكن الاختلاف النظري ليصل في حدته إلى أن يجعلوه عملياً، ولم تظهر الحدة إلا في أن يحكم كل واحد على الآخرين بالخطأ·· ومهما يكن مقدار الاختلاف النظري في العلوم الاعتقادية، فإنه لم يمس لب الإسلام ولم يكن الاختلاف فيما علم من الدين بطريق قطعي لا شك فيه، أو في أصل من أصوله التي لا مجال لإنكارها التي تعد من أركان الإسلام التي يقوم عليها بناؤه· فالخلاف حول أوائل المقالات، يجري حول معارف إسلامية تبلور كثيراً من الحقائق، وتصقل العقول والأفهام وتحدث باحتكاكها وميضاً· يكشف سبيل البحث، وطرائق الاستدلال·· وتلك هي خلافات المذاهب الإسلامية قديماً وحديثاً، وهي في باطنها تشير إلى الوحدة لا إلى الفرقة، وتنبي عن الاجتماع، لا عن التشتت· فلم يكن الاختلاف في وحدانية الله تعالى، وشهادة أن محمداً رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولا في أن القرآن نزل من عند الله العلي القدير، وأنه معجزة النبي الكبرى، ولا في أنه يروى بطريق متوافر، نقلته الأجيال الإسلامية، كلها جيلاً بعد جيل، ولا في أصول الفرائض كالصلوات الخمس والزكاة، والحج، والصوم، ولا في طريق أداء هذه التكليفات· وبعبارة عامة: لم يكن الخلاف في ركن من أركان الإسلام، وفي أمر علم من الدين بالضرورة، كتحريم الخمر، والخنزير، وأكل الميتة، والقواعد العامة للميرات·· وإنما الاختلاف في أمور لا تمس الأركان، ولا الأصول العامة· إذن الخلاف: خلاف فكري، هو خلاف مقبول ما دام في دائرة معقولة، والمعارف ميدان من ميادين التفكير، للمسلم أن يجول فيها·· والخلافات بين المذاهب، تدل على الحرية الفكرية، إن أحسن النظر إليها تسعد الأمة، وتكفل رقيها، وتبقي على سلامتها وهذه الخلافات في جوهرها تنبيء عن معنى الوفاق، فهي ترتبط بأصل واحد هو الكتاب والسُنة· ومدارس الفكر المختلفة داخل الإسلام، شيء طبيعي مرغوب فيه، ليس منه بد، ما دام الإسلام ديناً حياً لأحياء، لكي يزدادوا حياة·· والإسلام نفسه شحنة هائلة من النشاط العقلي، تأبي أن يتحول المسلمون إلى مجرد نسخ متطابقة، تتكرر باستمرار، وبلا اختلاف، من عقل واحدا أياً كان هذا العقل·· حتى لا يهلك المسلمون من الإجداب، والرتابة، والركود، والشعور بالقدم·· وليس يرضي الإسلام، أن تلد الأمهات المسلمات إمعات مكررة معتمة، وإنما يرضيه ويعليه إنجاب العقول اليقظة النشطة· وبكل تأكيد ستظل المذاهب الإسلامية، ومدارس الفكر في الإسلام، موجودة ما بقي للمسلمين حاجة إلى التعبير عن تراثهم العقلي والروحي، وإلى استدامة الصلة بين أصول دينهم، وبين واقع الحياة، وليس من مصلحة الإسلام والمسلمين كبت النشاط العقلي والروحي داخل الإسلام· لأن ذلك من أجل ما يقدمه المسلم لدينه أو يُفكر فيه ويشعر به· والإسلام يضعف ويصبح تراثاً جامداً محنطاً إذا لم يُفكر فيه، ويشعر به إلا الحمقى والجهلاء من أصحاب المذاهب الجامدة التي تكفر وتبدع ما عداها·· ومن سبل إدراك ما بين المذاهب الإسلامية: أن نعي دور العقل الإسلامي، ومن أوضح سمات القرآن الكريم التي لفتت نظر الباحثين، الإشادة بالعقل، وتوجيه النظر إلى استخدامه، فيما يفيد، وينفع·· فدعا القرآن بطريق مباشر وغير مباشر، إلى تقدير العقل، والرجوع إليه، فيما اختص به من تفكير· ويحرص القرآن على تأكيد هذا المعنى، حتى أنه ليكرر هذا في الدعوى بشكل يلفت النظر، ويثير الاهتمام·· ويشير القرآن إلى العقل بمعانيه المختلفة، مستخدما لذلك كل الألفاظ التي تدل عليه أو تشير إليه من قريب أو بعيد، من التفكير والنظر، والتدبر، والرأي والحكمة والتذكر، والعلم، والفقه، والرشد، والبصر·· إلى غير ذلك من الألفاظ التي تدور حول الوظائف العقلية على اختلاف معانيها، وخصائصها، وظلالها·· مما يعتبر إيحاءات قوية، بدور العقل وأهميته· والقرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم، والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه·· ولا تأتي الإشارة إليه عارضة، ولا مقتضبة في سياق، بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها، مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة، ولا يأتي تكرار الإشارة إلى العقل بمعنى واحد من معانيه، بل هي تشمل وظائف الإنسان العقلية على اختلاف أعمالها وخصائصها، وتتعمد التفرقة بين هذه الوظائف والخصائص من مواطن الخطاب ومناسباته· فلا ينحصر خطاب العقل منها في العقل الوازع، ولا في العقل المدرك، ولا في العقل الذي يناط به التأمل الصادق والحكم الصحيح، بل يضم الخطاب في الآيات القرآنية كل ما يتسع له الذهن الإنساني من خاصة أو وظيفة·· ومن خصائص العقل أنه ملكة الإدراك التي يناط بها الفهم والتصور·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©