الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بئس الاسم.. العزة بالإثم!

11 أغسطس 2015 22:17
قال حكيم الفرس أردشير: «ما الكبر إلا فضل حمق لم يدرِ صاحبه أين يضعه فيصرفه إلى الكبر».. وما كفر الكفار وما أشرك المشركون وما غالى المغالون وما تطرف المتطرفون إلا كبراً وعجباً، و«لئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله» فما المشكلة عندهم؟ إنها الكبر والعجب والفساد، والمكابرة من الكبر، والعزة بالإثم كبر، وادعاء العلم والمعرفة كبر، وانتشار الثرثرة والجدل والمراء واللجاجة كبر، وموت فضيلة «لا أدري» كبر وعجب، والكبر في أيامنا هذه آفة العرب والحالقة التي تحلق الدين والفضائل والقيم، وتنشر الخراب والدمار والإرهاب. والإرهابيون القتلة أخذتهم العزة بالإثم وتولوا كبرهم وزكوا أنفسهم على الله عز وجل وشاركوه ملكه وحكمه.. فليس لبشر مهما كان علمه وفقهه وسلطانه ونفوذه أن يحكم على بشر بالكفر، فهذا حكم الله وحده لا شريك له، والذي يحكم على بشر بالكفر، إنما هو مشرك بالله، بل نصّب نفسه إلهاً مع الله، وجعل نفسه حارساً على باب الجنة وخازناً على باب النار يدخل فيهما من يشاء ويخرج منهما من يشاء بزعمه. والذين يلفون الناس بأحزمة ناسفة بزعم أنهم يزفون المنتحرين إلى الجنة، يشاركون الله تعالى حكمه وملكه، وقد أخذهم الكبر والعزة بالإثم.. ونحن نعلم تمام العلم أن فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير، لكن الله وحده يعلم من فريق الجنة ومن فريق السعير. ولو علمنا موعد موتنا وموقعنا يوم القيامة في الجنة أم في النار لخربت الدنيا وما سعى ولا عمل ولا اجتهد أحد، وما كان هناك مبرر لكل هذا اللهاث والسعي والتدافع، ولا يأمن مكر الله إلا الفاسقون والجاهلون والحمقى وأهل الكبر والعزة بالإثم.. ولا يعلم هؤلاء معنى قول الله تعالى: «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ». فاستدراج الله للمرء شيء عظيم وخطير، لذلك قال تعالى: «وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ»، (سورة آل عمران). والكبر عمى وصمم وحماقة وأهل الكبر هم الذين يستدرجهم الله عز وجل. والأخطر هو الاستدراج من حيث لا نعلم.. فقد يستدرج الله المرء إلى حتفه وهو يتوهم أنه ذاهب إلى النجاة، وقد يستدرجه إلى الشر وهو يتوهم أنه يفعل الخير، وقد يستدرجه إلى عمل أهل النار وهو يظن أنه يعمل عمل أهل الجنة. ومن الاستدراج أن يزين الله للمرء سوء عمله فيراه حسناً فيجعله من الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. ومن الاستدراج أن يسلك المرء طريق الكفر وهو يظن أنه طريق الإيمان، ومن الاستدراج شيوع الفرق الهالكة التي نظن جميعاً أنها على الحق وأنها الإخوان، أو الجهاد، أو النصرة، أو الدولة الإسلامية، أو أنها فرقة المرابطين أو فرقة الناجين من النار، أو القاعدة، أو أنصار الله، أو حزب الله.. ويتبين يوم القيامة أنها جميعاً هالكة بعد أن كانت في الدنيا مهلكة. والكبر والعزة بالإثم وراء انتشار الفرق الهالكة.. التي تضل وهي تتوهم أنها تهدي، وتدعو إلى الضلالة وهي تظن أنها تدعو إلى الهدى، وشيوع الكبر في الأمة العربية هو الذي جعلها أمة منتجة للإرهاب والخراب ومبدعة في الفتن والثرثرة ومتفوقة في شق أنهار الدم وردم أنهار الحياة والمياه.. ومتفقة تماماً على ألا تتفق ومصممة على حفر القبور وهدم القصور والجسور. والكبر وراء شيوع النفاق والتملق، فأهل الكبر يحبون من يتملقهم ويمدحهم بما ليس فيهم، وهذا أيضاً من استدراجهم إلى ما نحن فيه الآن من إرهاب وغلو وتطرف يوشك أن يدمر الأخضر واليابس ويهلك الحرث والنسل. معسكر النفاق في هذه الأمة أو فسطاط النفاق هو الذي يجتمع تحته السواد الأعظم من الشعوب العربية، حيث يمارس الناس النفاق خوفاً أو طمعاً أو تطوعاً بلا خوف ولا طمع حتى صار النفاق سجية وجيناً عربياً أصيلاً. وأدى الكبر والعجب والنفاق والثرثرة إلى غياب تام وموت زؤام للحقيقة، وحضور تام للهوى حتى أصبحنا نصور الانتصار انكساراً والهزيمة نصراً والإنجاز إخفاقاً والإخفاق والفشل إنجازاً.. والإرهاب جهاداً في سبيل الله، وأولياء الشيطان أولياء لله.. ويلعب الإعلام العربي بكل وسائله دوراً خطيراً بعلم أو بجهل.. بغباء أو دهاء، في تغييب وتدمير الوعي العربي وقتل العقل الجمعي وتسميم الوجدان العربي، وتفخيخ الفكر العربي وتسييل ما يجب أن يكون صلباً وتمييع ما ينبغي أن يكون واضحاً وقوياً، حتى أصبح الحوار مع العربي عبثاً ورفثاً وفسوقاً وعصياناً وإضاعة للوقت من غير طائل، وأصبح من المألوف في الفكر العربي تحميل الآخرين خطايانا ومعاصينا ومآسينا عن طريق هذا الفن الفلكلوري الذي نطلق عليه «نظرية المؤامرة»؛ فأميركا، وإسرائيل، وإيران، وتركيا، وكل الدنيا تتآمر علينا ونحن مستهدفون.. وهذا بالتأكيد حق.. لكننا لا نريد أن نسال أنفسنا سؤالاً مهماً: لماذا تنجح المؤامرة ضدنا؟ والجواب أننا أدوات تنفيذ المؤامرة وأن استدراجنا سهل ميسور لأننا أهل كبر وعجب، تأخذنا العزة بالإثم، ولأن الكبر أفقدنا الوعي، ولأننا نتآمر على أنفسنا ونحن ندري أو لا ندري. وأول خطوة في طريق الإصلاح أن نصارح ونواجه الشعوب والأمة بعيوبها.. أن نحذر من شيوع الكبر والحماقة والتملق والنفاق حتى بلغ الأمر نفاق الحكومات للشعوب بعد أن كنا نشكو قبل وكسات «الخريف العربي» نفاق الشعوب للحكومات، ونفاق الحكومات للشعوب أخطر لأنه يؤدي إلى ضعف أداء الحكومات وارتعاش أيديها، كما يؤدي إلى جرأة الإرهابيين والمنحرفين والمجرمين واللصوص وشيوع الفوضى، وهو ما تعانيه بالفعل كثير من الدول العربية، خصوصاً تلك التي ضربتها أعاصير «الخريف العربي»، فخلطت حابلها بنابلها، فرفعت الوضيع ووضعت الشريف، وجعلت رأينا عند سفهائنا، وعلمنا عند جهلائنا، وديننا عند بلهائنا، وإعلامنا تحت قيادة أراذلنا بادي الرأي.. فبئس ما آلت إليه الأمور وبئس الاسم الكبر والعزة بالإثم! محمد أبو كريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©