الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مئذنة ومسجد قاني باي الرماح بالقلعة·· تآلف الفن المعماري مع الزخرفة الإسلامية

مئذنة ومسجد قاني باي الرماح بالقلعة·· تآلف الفن المعماري مع الزخرفة الإسلامية
17 أكتوبر 2006 01:14
القاهرة - د· احمد السيد: الناظر الى ميدان القلعة بالقاهرة يمكن أن يرى فيما يحيط به من منشآت آثرية غابة من المآذن المتنوعة الاشكال المتباينة في أحجامها وارتفاعاتها إلا ان مئذنة مسجد قاني باي الرماح تبقى فريدة في نوعها وجديرة بالتأمل وحدها· مشيد هذا المسجد هو أحد الأمراء الكبار في دولة السلطان الأشرف قايتباي وكان يتولى وظيفة ''امير آخور'' اي الاشراف على الاصطبلات السلطانية في وقت كانت فيه الخيول هي مركبات الحرب وشارة من شارات الشرف العسكري· وشيد قاني باي الرماح مسجدا آخر باسمه في حي الناصرية بالقاهرة واتخذ له مئذنة مماثلة لتلك المئذنة القائمة فوق مسجده بميدان القلعة· وتقوم هذه المئذنة على يسار الباب العمومي وهي مبنية بالحجر وفقا للنظام المشهور وهو ذات النظام الذي شيدت به واجهات المسجد ويعتمد هذا النظام على استخدام مداميك حجرية باللونين الاصفر والاحمر· ثلاثة طوابق ومنارة مسجد قاني باي مؤلفة من ثلاثة طوابق جميعها تعتمد على المسقط المربع فالطابق الأول المتعامد الأضلاع نراه كثيرا في مآذن العصر المملوكي وبوسط كل ضلع من اضلاعه الاربعة فتحة إضاءة مربعة تتوسط حنية على جانبيها عمودان رخاميان رشيقان يحملان عقدا مدببا على طريقة ألفناها في عمائر الأندلس· ويتوج الطابق الأول صفوف من المقرنصات الحجرية التي تحمل شرفة آذان مربعة ذات سياج خشبي وربما حل هذا السياج مكان سياج حجري سقط بعد بناء المئذنة· أما الطابق الثاني فقد جاء متعامد الاضلاع عوضا عن استخدام المقطع المستدير أو شكل المثمن كما هو الحال في اغلب المآذن المملوكية ولكن هذا الطابق جاء أقل ارتفاعا وسعة من الطابق الأول وكأنه صدى له حتى فيما يتعلق بالمقرنصات التي تتوجه اذ جاء عددها أقل أيضا وعمد المهندس الذي أبدع هذه المئذنة الى الحفاظ على ايقاع دوراتها، فجعل الطابق الثالث متعامد الأضلاع أيضا ولكن على هيئة بدنين مربعين صغيرين حليا بالمقرنصات وتوج كل واحد منهما بخوذة قبة صغيرة تعرف في مصطلح العصر المملوكي باسم القلة· وهذه الوحدة التي تجمع مكونات المئذنة والحفاظ على ايقاع السعة والارتفاع المتناقص كلما اتجهت الى أعلى منحت مئذنة قاني باي شخصيتها المتفردة وسط كل مآذن ميدان القلعة وهذا النموذج من المآذن المملوكية ظهرت له نماذج تميزت باستخدام الرأس المزدوجة في قمة المئذنة ولكن مئذنة قاني باي تختلف عنها في اعتماد المقطع المتعامد لكل اجزائها· رؤوس مزدوجة وقد عرفت مصر المآذن ذات الرؤوس المزدوجة منذ نهاية القرن التاسع الهجري فرأيناها في منارة جامع الغمري بميت غمر كما كانت كذلك مئذنة مسجد جان بلاط بجوار باب النصر قبل ان تهدم سنة 1214 هـ 1799م ابان الاحتلال الفرنسي لمصر وهناك ايضا مئذنة الغوري التي شيدها في الجامع الازهر· ويظهر أن مهندس مسجد قاني باي قد تأثر بفكرة الرأس المزدوجة وان ألحقها بتصميم معماري لم يسبق احد اليه· وبقيت مئذنة هذا المسجد قائمة الى أن هدمت حوالي سنة 1870م لخلل طرأ على بنيانها نتيجة لاعتداء الاهالي على مبنى المسجد حتى أن واجهته حجبت تماما بواسطة حوانيت شيدت بشكل عشوائي· ترميمات وتجديدات ونتيجة لتدهور حالة المسجد وجهت لجنة حفظ الاثار العربية عنايتها لانقاذه من خطر الاندثار فأزالت الحوانيت من واجهة المسجد وقامت باصلاح وترميم أحجار الواجهة في سنة 1333 هـ 1914م كما أزالت السقف الذي شيده الأهالي لتغطية صحن المسجد وازالت طبقة البلاط التي كانت تحجب الزخارف الملونة والمذهبة التي كانت تزدان بها جدران المسجد واعادت بناء الإيوان الغربي المواجه لإيوان القبلة بعد ان تعرض لتلف ودمار كبيرين· واصلحت اللجنة قاعدة المئذنة في سنة 1335 هـ 1916م· ولكن المئذنة أخذت تتأثر بشدة من جراء حركة العمران الواسعة من حولها مما دفع لجنة حفظ الآثار العربية الى فك أحجارها وكذلك سبيل الماء المجاور لها واعيد بناء المئذنة والسبيل معا في سنة 1358 هـ 1939م· وخلال هذه الترميمات استعانت اللجنة بصور شمسية كانت تحتفظ بها لجنة حفظ الآثار العربية قبل هدم المئذنة وهي من اهداء الأثري فرانس باشا بالاضافة الى صور أحدث عهدا كان قد قام بالتقاطها فوتوغرافيا عالم الآثار البريطاني كريسويل وقت ان كان ضابطا في خدمة الجيش البريطاني في مصر قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية· وبالاضافة الى الصور الفوتوغرافية اقتبست اللجنة من مئذنة مسجد قاني باي الرماح بالناصرية وكانت نسخة منها· وفيما بقيت مئذنة قاني باي بالقلعة قائمة الى يومنا هذا فان شقيقتها بالناصرية قد صادفها الحظ العاثر عندما سقطت قبل نحو خمس سنوات وقت اجراء بعض أعمال الترميم في المسجد حيث أدى صلب جدران المسجد دون بناء المئذنة الى حدوث خلل في اتزان تربة الأثر مما ادى لسقوط المئذنة ليلا· والمئذنة الحالية جزء من الصورة الجميلة لهامة مسجد قاني باي الرماح بالقلعة والتي تضم الى جانب المئذنة قبة حجرية لا مثيل لها في العمارة الاسلامية بمصر وهي من النماذج القيمة التي تتجلي فيها عظمة القباب المملوكية فهي بارزة عن واجهة المسجد الرئيسية وبنواصيها عمد حجرية منقوشة ونقش سطحها الخارجي بزخارف مورقة جميلة ''أرابيسك'' جعلت خوذة القبة عنوانا على تآلف الفن المعماري مع الفنون الزخرفية الاسلامية· ونقشت حول رقبة هذه القبة كتابة بخط الثلث المملوكي نصها ''بسم الله الرحمن الرحيم الله لا اله الا هو الحي القيوم ''آية الكرسي'' أمر بانشاء هذه القبة المباركة المقر الاشرف الكريم العالي السيفي قاني باي امير آخور كبير الملكي الأشرفي· اما جدران القبة من الداخل فقد غشيت بوزرة رخامية انتهت بافريز لبست فيه زخارف بالمعجون الملون كما نقش عقد المحراب وطاقيته بجفوت متقاطعة ومكتوب اعلاه ''بسم الله الرحمن الرحيم قد نرى تقلب وجهك في السماء'' ''ويحيط بمربع القبة من اعلى افريز كتابي نقش به'' بسم الله الرحمن الرحيم وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا ''الآية'' صدق الله العظيم أمر بانشاء هذه القبة المباركة المقر الاشرف الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري السيدي السندي الذخري العضدي المالكي المخدومي السيف قاني باي امير آخور كبير الملكي الأشرفي بتاريخ مستهل شعبان المكرم عام ثمان وتسعمئة· أجمل المحاريب أما مسجد قاني باي فقد شيد على طراز المدارس المملوكية حيث يتألف من صحن اوسط مكشوف تحيط به أربعة ايوانات أهمها واكبرها إيوان القبلة ومحراب القبلة من اجمل نماذج المحاريب المملوكية الحافلة بالزخارف الرخامية والمذهبة والى جوار المحراب منبر خشبي صغير من حشوات مجمعة على شكل الاطباق النجمية وقد طعمت هذه الحشوات بالسن· وعلى جانبي المنبر دولابان خشبيان حليا بزخارف نباتية مورقة وعلى جانبي ايوان القبلة شبابيك نقشت أعتابها بزخارف دقت في الحجر مما يبرهن على ان ارجاء المسجد كانت حافلة بالزخارف المترفة· وحول صحن المسجد اربعة ابواب سجل على كل واحد منها نص انشاء المسجد وتؤدي هذه الابواب الى ملحقات المسجد وهي القبة والميضأة وتجدر الاشارة الى انه بالقبة ضريحان أحدهما للامير قاني باي مشيد المسجد·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©