السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

... ويبقى الأثر

... ويبقى الأثر
21 يناير 2015 21:41
بغياب أبي خالد، نتذكر رمزاً وعلماً، سياسياً، وتربوياً، وإعلامياً، وثقافياً، وحقوقياً وناشطاً فاعلا في مسيرة الاتحاد منذ انطلاقتها الأولى مع الآباء المؤسسين. أثرى المشهد الإماراتي بعطاءاته ومشاركته الفاعلة والمتنوعة، وكان حاضراً في بناء ووضع اللبنات الأولى لهذا الكيان الجديد، رغم الصعوبات والتحديات، التي واجهته (الكيان)، إما لشح الإمكانيات، والموارد، أو لقساوة الحياة ووعورتها، أو لأسباب إقليمية، ليس هنا مجال التفصيل فيها. ولكن، بفضل الله ومشيئته، الذي سخر لهذا الجيل رجلاً قائداً وموهوباً، هو الوالد الباني الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» تم التغلب على الصعوبات كلها، وانطلقت وحدة الإمارات.. هكذا كان فقيدنا عبد الله عمران تريم يتحدث عن زايد وعطاءاته، الذي بفطنته وذكائه، تغلب على أشد التحديات التي واجهت نشأة هذا الكيان الجديد، وأتاح لهذا الجيل، فرصة نادرة وفارقة في الحياة السياسية، جعلته يعيش حالة استثنائية، وانتزع استحقاقات ما كان ليصل اليها لولا جهود وكفاح ونضالات هذا القائد المؤسس والآباء المؤسسين، وهذه النخب السياسية التي انضمت اليهم، في بناء مستقبل واعد لأبناء الإمارات. قبل أن أشرع في كتابة هذه الكلمات التي تستعيد الرجل، دارت في خلدي أحداث ومشاهد، ترسم ملامح وتصورات عبد الله عمران تريم حين كان وزيراً للتربية والتعليم، وأول (رئيس أعلى) لجامعة الإمارات، أول وزيراً للعدل ورئيساً للمجلس الأعلى للقضاء الاتحادي. توقفت عندها وأخذت أقلب في دفتر الذكريات والأحداث، لعلي استخلص منها، ما يجعلني قادراً على تدوينه حول هذه الشخصية متعددة المواهب، والعطاء، حيث كان الفقيد عضواً بارزاً في اللقاءات التي مهدت لقيام الاتحاد، ومن ثم في الحكومة الاتحادية، أو كصاحب أكبر تجربة إعلامية خاصة في الإمارات. نحن اذن نتحدث عن شخصية وطنية تحملت عبء قضايا مؤثرة للغاية في سياسة الإمارات، خاصة بشقيه، الإعلامي والتعليمي، ولما لهما من نفوذ على سلوك الطلاب وعموم المجتمع. المثل الأعلىفي إحدى المناسبات الخاصة ببدء العام الدراسي الجامعي، في السنوات الأولى لانطلاقة جامعة الإمارات، وكان أغلب أعضاء هيئتها التدريسية من العراق الشقيق، حرص الوزير الشاب بحكم ترؤسه للمجلس الأعلى للجامعة، أن يكون حاضراً مراسم هذا الحفل الذي يحضره الطلاب والأساتذة. كانت فقرات الحفل المتنوعة تشمل الأسئلة أيضاً، ولعل من أهمها ما وجهه مقدم الحفل للرئيس الأعلى للجامعة حين سأله: من هو مثلك الأعلى الذي تحب أن تقتدي به؟، ولم يكن السؤال مرتباً أو متفقاً عليه مع الوزير وانما كان من وحي المناسبة. صمتت القاعة ودارت بخلد الكثيرين إجابات كثيرة، حسمتها إجابة الوزير الشاب، الذي أراد توصيل رسائل متعددة لأكثر من طرف في القاعة، سواء للهيئة التدريسية التي رأى كثيرون في ذلك الوقت أنها تحمل أفكاراً حداثية، أو للطلاب الذين ليس لديهم خبرة كبيرة بأحوال الجامعات العربية والأفكار السائدة فيها والمتضاربة، من هنا كانت الإجابة فرصة سانحة للوزير، الرئيس الأعلى للجامعة، أن يحدد فيها معالم الطريق والنهج الذي يجب السير عليه، فلا تعارض بين الأصالة والحداثة، بل هما يكملان بعضهما بعضاً، ولا خوف على مستقبل المسيرة التعليمية حتى وإن اختلفت التوجهات ما دام التمسك بالثوابت هو الأصل والمنهج عند قيادة الإمارات. بماذا أجاب الوزير على مقدم الحفل؟ جاءت الإجابة نابعة من الثقة بالنفس، والإيمان بقيم الأمة وحضارتها، وباحترام الذات، أجابه بأن قدوتي في الحياة هو سيد البشر محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم). هذه هي حقيقة الإيمان ومنهج الوزير، تلك الإجابة التي اراد منها الوزير لفت انتباه من كان يعتقد في نفسه طرح أفكار قد تكون بعيدة عن روح وقيم الإسلام، وفي نفس الوقت فيها تأكيد على قيم التسامح والانفتاح على المدارس الفكرية ومناهج البحث العلمي، دونما تعارض بين هذا وذاك، أي اننا نمتلك حصانة ضد تأثير الأفكار والتوجهات التي لا تتفق ومبادئ قيمنا وحضارتنا العربية، وهي إجابة أوجدت ارتياحاً وقبولاً من جانب الحضور أساتذة وطلابا، والأهم فيها سرعة البديهة وسعة الأفق وحسن الاختيار من الوزير الشاب. حكمة زايدالأمر الثاني كان في موقف مشترك بل متداخل بين دور التربية والتعليم، في تنشئة النشء وتقديم أفضل خدمة للطلاب والعملية التعليمية، ودور الإعلام في صناعة وعي جماهيري، في مرحلة بالغة الدقة والسرعة حيث تحرص القيادة على متابعة المسيرة التعليمية لحظة بلحظة، وكان القائد زايد «طيب الله ثراه» يتابع بنفسه سير العمل بالوزارات، من خلال متابعته لوسائل الإعلام المقروء منها والمسموع والمرئي. ولما كان الوزيرعبد الله عمران تريم على علم بهذا، وايضاً بحسه التربوي والتعليمي ودرايته بدور الإعلام وتأثيره ايجاباً وسلباً، كان يحرص دائما على عرض المكتسبات التي حققتها المسيرة التعليمية، أو المعوقات التي تعترضها، على الشيخ زايد «طيب الله ثراه» أولاً بأول، كي لايفاجأ بما يعرض من سلبيات من أطراف أخرى، أفرادا كانوا أو مؤسسات إعلامية، وهو ما حصل ذات مرة، حين تم عرض برنامج تلفزيوني ينتقد بعض السلبيات المرتبطة بمشرفي الباصات المدرسية، وهو ما جعل الشيخ زايد «طيب الله ثراه» يوجه العتاب لإدارة التلفزيون بعدم حياديتها في هذا البرنامج، ويشيد بمجهودات وزارة التربية، وهو ما جعل السحر ينقلب على الساحر. وهذا أن دل فإنما يدل على وعي الوزير بحجم التحديات التي تواجه العملية التعليمية، وعلاقتها الوثيقة أيضاً بالإعلام، حيث يتفق الإعلام والتعليم في أن كلا منهما يهدف الى تغيير سلوك الفرد، فبينما يهدف التعليم الى تغيير سلوك الطلاب، الى الأفضل نجد أن الاعلام يهدف الى تغيير سلوك الجماهير، كما أن التعليم والاعلام أصلا عملية تفاهم، وعملية التفاهم في العملية الاجتماعية الواسعة التي تبني عليها المجتمعات، اذا لايمكن أن يعيش فرد معزولا دون أن يتفاهم مع من معه بشأن هذا العمل ويتعاطى معه فيه. توطين القضاءالموقف الثالث كان خاصاً بمرفق القضاء، الذي توليه الدول أهمية خاصة كي يكون مستقلا وأميناً وعادلا، وهي متطلبات تحتاج الى سعة الصدر عند القاضي، وحسن الفهم، والشدة حين تكون ضرورية، والرحمة حين تستدعي ذلك الظروف، وفي محاولة منه حين أصبح وزيراً للعدل ورئيساً للمجلس الأعلى للقضاء الاتحادي، سعى عبد الله عمران تريم الى تطوير هذا القطاع الحيوي وازالة كل المعوقات التي علقت به، إيماناً منه بدور هذا القطاع في ارساء منظومة الحقوق، وحماية حق المتقاضين، وسلامة أداء دور النيابات العامة والدوائر القانونية في مجال العدالة الجنائية، وبخاصة حرصه الشديد الى توسيع قاعدة المواطنين، وتدعيم سياسة التوطين، وبتحسين أوضاع العاملين في هذا القطاع الهام، كانت مواقفه في تحسين أداء المنظمومة القضائية جريئة وواضحة لاقت دعماً وتشجيعاً من القيادة السياسية، ففي حوار له مع أحد المستشارين حول قضايا تهم مجريات العمل اليومية، أوضح له فيه قيمة ومكانة القضاء في تطور المجتمعات واستقرارها، وهو مطلب وهدف تسعى الوزارة الى ترسيخه واشاعته، وتأكيده في خططها واستراتيجتها المعتمدة . كان ابو خالد فاعلا ومؤثراً حين كان وزيراً، أو إعلامياً ومفكراً، ففي مختلف محطات حياته كان ناجحاً ومبدعاً، بل أنه ومنذ مراحل الدراسة ما قبل الجامعة وما بعدها، ايضاً كان متفوقاً، وأخيراً.. تكفي قصة نجاح الأخوين تريم وعبد الله في تأسيس مؤسسة دار الخليج للصحافة والنشر في ظروف صعبة ومعقدة، عند مراحل الولادة الأولى، وها هي اليوم يصدر عنها عدد من المطبوعات يومية وأسبوعية باللغتين العربية والإنجليزية، في مقدمتها الخليج، التي تعد واحدة من أكبر الصحف بالمنطقة، وتمثل علامة بارزة في سماء الإعلام الإماراتي والعربي، ومفخرة يعتز بها الوطن، ويلتقي في كنفها مفكرو وقادة الرأي العام العربي، عبر مؤتمراتها ولقاءاتها دورياً وسنوياً، بل وعلى صفحتها يومياً وأسبوعياً، رحم الله الفقيدين تريم وعبد الله عمران تريم، واسكنهما فسيح جناته والهم أهليهما ومحبيهما الصبر والسلوان. سيرة * الدكتورعبد الله عمران تريم من مواليد إمارة الشارقة عام 1948. * تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس الشارقة والكويت. * أكمل تعليمه الجامعي في مصر حيث حصل على ليسانس في التاريخ من كلية الآداب في جامعة القاهرة عام 1966، * حصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة اكستر في المملكة المتحدة عام 1986. * عمل الدكتور عبدالله عمران تريم قبل قيام الاتحاد مدرساً في ثانوية العروبة في مدينة الشارقة سنتين، ثم مديراً لإدارة معارف الشارقة خلال الفترة 1968-1971، * عمل مع أخيه الراحل تريم عمران تريم على تأسيس جريدة الخليج عام 1970. * أول وزير للتربية والتعليم في دولة الإمارات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©