الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تكوين .. أية ذاكرة معذَّبة!

تكوين .. أية ذاكرة معذَّبة!
21 يناير 2015 21:42
سجّلت هذه اللوحة أول ظهور لها في معرض «إيقاعات ملونة» الذي أقيم في الشارقة في سبتمبر من عام 2011. إنها اللوحة «تكوين» التي نفذت على السطح التصويري بالأكريليك. هناك الكثير من الإغواء الذي تمتلكه هذه اللوحة التي تدفع المرء إلى إعادة النظر إليها أكثر من مرة. في الخلفية تبدو كتلة لونية مستطيلة تبدأ من أسفل اللوحة إلى أعلاها هي من الأزرق أساسا بتدرجات مختلفة تميل في اتجاه الأخضر ثم الأسود، كما أن هناك اقتطاعات لونية على السطح بالأبيض والأحمر ثم لطخات من الأبيض والأسود والفيروزي تكسر جميعا من حدة الاستطالة مثلما تكسر الحضور الطاغي للأزرق، وإلى الأعلى إلى اليمين يلحظ المرء وجود اقتطاعة مائلة من ما يكاد يكون سورا من اللِبْن أو نافذة صغيرة مغلقة ، كما تبدو أيضا اقتطاعة شبيهة أوسعَ مساحةً إلى أسفل اللوحة ويمينها، وإلى جوارها إلى أسفل اللوحة من اليمين هناك خطوط من الأزرق يغلب عليها الأسود على كتلة سوداء توحي بما يمكن القول إنه باب ضيق أو نافذة ضيقة، تشبه تلك التي في زنزانة سجن أو بوابة لما هو خلفها ويثير الرعب كما لا يمكن تخيله. إلى هذا الحد من التوصيف يبدو العمل تجريديا حيث الكتل اللونية مركزها الأزرق، وتبدو الألوان الأخرى كما لو أنها قد تعيّنت على السطح التصويري لإبراز هذه الكتلة، خاصة الأسود، فضلا عن أسباب جمالية موازية، فيما الأزرق يخلق ذلك التناغم أو «الإيقاع الملوّن» بين الكتل على السطح التصويري. إلى ذلك، تنبت من خلفية اللوحة إلى الأسفل منها ووسطها تقريبا، ثلاث نساء ناحلات وطويلات وبلا ملامح وأيديهن إلى الخلف كما لو أنها أيدٍ مقيّدة. هذه الشخصيات النسائية الثلاث تبدو جميعا أعلى من بوابة الزنزانة أو ما يوحي بها إلى يسارهن، لكن رغم أن قاماتهن تبدو مديدة إلا أن الكتل اللونية بارتفاعها من الأسفل إلى الأعلى هي أبلغ طولا منهن. في الوقت ذاته يبدو مزاج العمل هادئ جدا، فلا ملمس خشنا على السطح التصويري، وما من ضربات فرشاة قاسية أو منفعلة بل يبدو أن كل شيء قد حدث هكذا كما هو عليه. لكن في هذه اللحظة أيضا يختلف العمل عن مرحلته التجريدية الأولى ليصير عملا تجريديا تعبيريا بالأساس بقَدْرٍ من السوريالية، التي تأتي - ربما - بسبب علاقة الشخصيات النسائية بوصفها عنصرا تشكيليا ببقية العناصر الأخرى من العمل. هنا يتعمق إحساس المرء بالضيْق وتبدو المرأة، بدلالة النسوة الثلاث، وكأنهن يعشن في هذا الحيّز المكاني الضيِّق الذي تتناصفه العتمة والضوء. مع ذلك فردّ الفعل الوحيد هو الاستطالة التي تبدو فعلا عبثيا أمام الارتفاع الهائل لجدار الخلفية. الأفاريز الضيقة للشبابيك، الزقاق الضيق حيث الخطو ضيّق، الاستطالة في أجساد نسوية تريد أن ترى وتبلغ من المكان ما هو أبعد منه، فتلك الوجوه التي تكاد تبين فيما الخلفية تميل إلى ألوان قاتمة أحيانا ولامعة وزاهية إلى حد أنها ألوان ذات طبيعة فسفورية في أحيان أخرى. العالم مغلق وتفاصيله محدودة جدا. العمل الفني أيضاً، وبوصفه تكوينا يشتمل على عناصر ذات انسجام وتوافق، هو صنيع النفور والتضاد في أحيان كثيرة، ليس صورا بل أخلاط صور يبدو أنها قد احتشدت في ذاكرة معذَّبة، وها قد بدأت تخرج ويجري بناؤها على نحو نقيض من اللوحة التي تمّ وصفها؛ فهي تجتمع على مزاج خشونة في الملمس وضربات منفعلة للريشة على السطح التصويري وإيقاعات لونية متناغمة في تضادها واشتقاقاتها. بهذا المعنى، «تكوين» هي مساحات حلمية من ذاكرة متشققة ومعذّبة إذ تجعل الناظر إلى اللوحة يتقاطع بذاكرته مع ذاكرة اللوحة فيرى فيها اقتطاعات من طفولة تخصه هو. سيرة ولدت الفنانة الدكتورة نجاة مكي في إمارة دبي عام 1953 وواصلت دراستها في كلية الفنون بجمهورية مصر العربية العام 1981 وحصلت على دبلوم عام في الفنون في 94 في تخصص النحت البارز وشهادة الماجستير في العام 1997 بدراسة الحضارة المصرية القديمة من جامعة حلوان ودرجة في فلسفة الفنون الجميلة العام 2002. وشاركت في معارض فنية وأقامت العديد من المعارض الخاصة والجماعية في داخل وخارج الدولة وأثبتت قدراتها وجدارتها الفنية باقتناء أعمالها من قبل مؤسسات عدة وتشكيلها جماعات فنية رائدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©