الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتخابات الأميركية... لا مكان للمرشح الثالث

15 أغسطس 2011 23:06
في كل دورة انتخابية بأميركا يتصاعد الحديث لدى أوساط عديدة عن ضرورة وجود مرشح مستقل لا ينتمي إلى أحد من الحزبين وينأى بنفسه عن الأيديولوجيات والصراعات السياسية إلى درجة أن بعض المعلقين والصحفيين يتحدثون بحماس كبير عن منظمة جديدة تدعى "أميريكانز إيلكت" تنظم مؤتمراً عبر الإنترنت لاختيار مرشح أميركي مستقل خارج الترشيحات الحزبية التقليدية في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2012. والحقيقة أن من السهل فهم هذا التعطش إلى وجود مرشح مستقل لتولي الرئاسة في أميركا بحيث يكون في مقدوره أن يقطع مع السياسة التقليدية والصراعات الحزبية التي تمزق واشنطن، وأن يتحرر من سيطرة الحزبين وبالتالي يقوم فقط بما هو صحيح بغض النظر عما يراه الحزبان. لكن مكمن المشكلة هو أن مثل هذا السيناريو لن يحدث في أميركا لأنه ببساطة غير واقعي، كما أننا لا نريد نظاماً بعيداً عن الحزبين الرئيسيين، فهو لن يحدث لأن مرشحي الحزبين الأساسيين يتمتعان بثلاث نقاط قوة تجعل من الصعب على مرشح ثالث خارجهما الصعود إلى السلطة، فالأحزاب تمتلك أولاً، قوة تنظيمية هائلة راكمتها على مدى سنوات من العمل السياسي. ثانيّاً، لدى الحزبين قاعدة واسعة من المؤيدين الملتزمين بالتصويت لمرشحيهما، ثالثاً، لا يمكن للنظام الانتخابي الأميركي القائم على الهيئة الناخبة، وليس على التصويب المباشر، أن يفرز إلا أحد مرشحي الحزبين رئيساً لأميركا. ولنقل إن أحد المرشحين المستقلين ممن لا يرتهن لأي تنظيم، أو حزب عدا أصوات الناخبين، قرر الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فلكسب الرهان الانتخابي عليه تنظيم حملة فعالة في جميع الولايات ينتقل فيها من مكان إلى آخر، وعليه تجميع قائمة من المانحين المستعدين لدعمه ماليّاً وقاعدة بيانات تضم تفاصيل الناخبين وعناوينهم للتواصل المباشر معهم، كما أن عليه تطوير قاعدة من المتطوعين الذين يمكنه الاعتماد عليهم في التواصل داخل كل دائرة انتخابية. ومع أن الإنترنت قد تساعد هذا المرشح الجريء على التنظيم والتواصل، لكن إلى أي مدى يستطيع الاعتماد الكلي على العالم الافتراضي في الوقت الذي يستخدم فيه الديمقراطيون والجمهوريون أيضاً الإنترنت، وحتى في حالة أوباما الذي لجأ إلى الإنترنت كوسيلة لدعم حظوظه في حملته الانتخابية السابقة كان لابد له من التواصل الميداني ومن دخول صراع حقيقي مع خصومه الجمهوريين. ولا أحد يعلق فوز أوباما على الإنترنت بقدر ما يعلق على قاعدة المتطوعين الذين وقفوا إلى جانبه وساندوه في حملته الانتخابية. ولا ننسى أيضاً أن الأمر أسهل بالنسبة للحزبين لأنهما معاً يسيطران على ولايات بعينها حسمت أمرها منذ مدة لصالحهما، إذ لا أحد مثلاً ينافس الديمقراطيين في كاليفورنيا أو الجمهوريين في تكساس، وهم قادرون على ذلك لأن الناخبين في الولايتين ارتبطوا لمدة طويلة بالحزبين ولا يتخيلون أنفسهم يصوتون على غير مرشح هذا الحزب أو ذاك مهما كان المرشح مستقلاً. والمشكلة بالنسبة للمرشح المستقل الطامح لخوض الانتخابات الرئاسية في العام المقبل هي أن عليه القيام بكل ذلك في أقل من سنة، وفي نفس السياق يجب دائماً التذكير بأن 40 في المئة من الناخبين يصوتون لصالح الجمهوريين و40 في المئة أخرى تصوت لصالح الديمقراطيين بصرف النظر عن المرشح الحزبي، وحتى إذا ما أمكن للمرشح المستقل الظفر بأصوات الوسط الذين لا يصوتون لأي من الحزبين فإنه سيكون من الصعب عليه إقناع المتحزبين بتغيير ولائهم، وفي أفضل الحالات يمكن للمرشح المستقل الفوز بين 20 إلى 30 في المئة من الأصوات مثل روزفلت الذي ترشح مستقلاً وفاز بحوالي 27 في المئة فقط من أصوات الناخبين، علماً بأنه كان رئيساً سابقاً. ونأتي أخيراً إلى طبيعة النظام الانتخابي الأميركي الذي لا يتيح فرصة كبيرة للمرشح المستقل، فبالنظر إلى النظام المعمول به في جل الولايات تقريباً والقائم على أن الفائز في الهيئة الناخبة يكسب كل شيء، فلن يكون سهلاً على المرشح المستقل الفوز في الولايات، وهو ما حصل للمرشح "روس بيرو" في عام 1992 الذي حصد 19 في المئة من أصوات الناخبين فيما لم يتمكن من الفوز بأي صوت من الهيئة الناخبة، وقد فسر هذا النظام الباحث الفرنسي "موريس دوفيرجيه" الذي ينسب إليه قانون "دوفيرجيه" بالتأكيد على مقولة أن الناخب يتمتع بأهمية استراتيجية في نظام الهيئة الناخبة التي يفوز فيها الأول بكل شيء وبالتالي فلا حظ للمرشح الآخر بالمرور حتى لو حصد أصوات الناخبين، ولذا تلجأ الهيئة الناخبة إلى اختيار المرشح الأوفر حظاً في الفوز بالأصوات على الصعيد الوطني. ولكن بصرف النظر عن النظام الانتخابي يشكل صعود مرشح مستقل إلى البيت الأبيض كارثة حقيقية، فالرئيس الأميركي ليس ديكتاتوراً، فهو لو أراد خفض الضرائب أو رفعها، وإذا سعى إلى لجم الاستحقاقات الاجتماعية، أو توسيعها سيحتاج إلى العمل مع الكونجرس، حتى إن تعيين موظفي الإدارة وأعضاء الحكومة وكبار القضاة يستدعي موافقة الكونجرس، ولذا فإن رئيساً منفصلاً عن الحزبين لن يملك بالضرورة حلفاء داخل الكونجرس يدعمون قراراته، وسيدخل الرئيس المستقل في صراع مستمر مع الكونجرس لتمرير أبسط القرارات وإدارة الدولة حتى في حدودها الدنيا. ولنتخيل فقط كيف كان أوباما سيتوصل إلى اتفاق حول رفع سقف الدين الأميركي لو لم يكن يتوفر على أغلبية صلبة في مجلس الشيوخ وعلى أقلية متماسكة في مجلس النواب، ولذا يبقى الخيار الأفضل لمن لا تعجبه الطريقة التي تدار بها أميركا اليوم هو الانخراط في أحد الحزبين والسعي إلى التكتل وتغيير الأمور من داخلهما، أما الرهان على مرشح ثالث مستقل فلا يعدو كونه مضيعة للوقت. سيت ماسكيت أستاذ العلوم السياسية بجامعة دينفر هانز نويل أستاذ مساعد بجامعة جورج تاون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©