الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الربيع العربي... والبريطاني

15 أغسطس 2011 23:07
حبكت النكتة الخبيثة على وقع أعمال الشغب - شغب حقيقي - التي شهدتها لندن ومدن بريطانية أخرى أوائل الأسبوع الماضي، إذ رأى البعض فيها امتداداً للانتفاضات العربية ضد أنظمة مهترئة ومأزومة، أو ما بات يعرف بـ" الربيع العربي" مقتبساً تحديداً من الانتفاضة التشيكوسلوفاكية المبكرة ضد النظام السوفييتي مطلع عام 1968 وسميت "ربيع براغ" الذي ما لبثت دبابات موسكو أن سحقته في صيف ذلك العام وأعادت الشتاء إلى نصابه القائم، لكن ذاك الربيع تمكن من غرس براعمه لتتفتح بعد ثلاثين عاماً وتدفع بالمعسكر السوفييتي كله إلى الاندثار. كانت تلك أعمال سرقة ونهب وتخريب في بريطانيا، ولا اسم آخر لها، وكان أبطالها مخربين فعليين، بل كانوا بلاشك خارجين عن القانون لا متظاهرين سلميين يطالبون بالحرية والكرامة، لم يختلف اثنان على عدم التعاطف معهم، لأنهم ببساطة حفنة صغيرة من الشبان العابثين، وقد جرفتهم لوثة جماعية حار بها عارفوهم كما استشكلت على الباحثين والمحللين إذ يحاولون استكناه"اللغز"، الذي حركهم معاً وفي وقت واحد كما لو بيتوا الخطة وانتظروا "ساعة الصفر" للانطلاق. قيل إن السر يكمن في "البلاكبيري" الذي يترك أجهزة الرقابة عمياء، وقيل إنهم يعرفون مسبقاً أن الشرطة قليلة العدد وغير مسلحة، ولا تتمتع بوسائل القمع والردع، والمعروف أنهم عصابات موجودة في الضواحي، يتشارك أفرادها بطالة بائسة وتعليماً ضئيلاً وانشغالات شتى بالمحظورات. واقعياً بدا شغب حزام البؤس المحيط بلندن كما لو أنه النسخة البريطانية المعدلة لإضرابات اليونان واضطراباتها احتجاجاً على خطط التقشف الحكومية، كانت لندن عرفت أخيراً عينة من هذا الشغب لكن في التظاهرات ضد زيادة رسوم التعليم الجامعي، التي أقرها تصويت في مجلس العموم بغالبية ضئيلة حكمت الاختلاف حتى داخل الائتلاف الحكومي، وهذا سيعني طبعاً حرمان فئات من الشبان تعليماً عالياً. ظنت السلطات أن هذا كان آخر المطاف في الاحتجاجات، فيما توقعت تقارير الأمن تعايشاً اجتماعياً صعباً مع إجراءات التقشف التي شبهتها الصحافة بأفلام الرعب نظراً إلى قسوتها في الاقتطاع من ميزانيات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية وحتى الشرطة. مع ذلك قبل الرأي العام شد الحزام والعيش لسنوات مع ضرائب متزايدة ومداخيل مجمدة وجشع مصرفي راسخ ومستفحل، أملاً في أن تتجاوز البلاد أعاصير الأزمة المالية، لم يعنِ ذلك أن كل الفئات ستتحمل أوجاع الضائقة وتتقبلها بصمت وسكون. بعد إعادة فرض الأمن والنظام مضى النقاش قدماً في مختلف المحافل لاستخلاص الدروس، وأهمها أن هذا الشغب قد يتكرر، وأكثر ما عزز المخاوف أن الأمر لم يقتصر على نهب المتاجر، وإنما تعداه للاعتداء على الناس إما لنشلهم، وإما لتنفيس احتقان أو غضب، لذلك أمعنت الحكومة في التصلب وفي إبعاد النقاش عن أي منحى تبريري، فبعد أقل من سنة ستستضيف لندن الألعاب الأولمبية وأي خلل في الأمن يساوي كارثة، لكن هذه الحكومة ستضطر، مع ذلك، للنظر في ثغرات تشويه سياستها الاجتماعية، وإلا فإنها ستقع فعلاً في أخطاء بعض الأنظمة العربية، وقد يشتمل هذا الشغب عندئذ شبهة الانخراط في الربيع العربي، كما اقترح بعض الحكومات ووسائل الإعلام. أين التقى "الربيعان" العربي والبريطاني؟ هناك، في العواصم التي تضمر ثأراً للندن وحكومتها، وهكذا قررت طرابلس ليبيا، مثلاً، أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون فَقَدَ شرعيته، وعليه أن يتنحى بعد القمع الذي ارتكبه ضد "انتفاضة شعبية" كما وصفها نظيره الليبي البغدادي المحمودي، وفيما دان الرئيس محمود أحمدي نجاد المعاملة "الوحشية" للمتظاهرين في لندن، نصحت طهران بـ"ضبط النفس" كما دعت إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتشخيص ما جرى. أما السفير السوري في الأمم المتحدة فلم يتردد في تشبيه الحدث البريطاني بما تشهده بلاده. صحيح أن أحداً لم يتعامل مع هذه المواقف على أنها من السياسة الجادة، إلا أن مشهد الشارع الثائر بات أيقونة إعلانية لهذه السنة العربية وحتى العالمية، وإذا كان التشفي الإيراني مفهوماً، حتى لو تذكرنا شوارع طهران عام 2009، إلا أن المداخلات الليبية والسورية وضعت في باب الهذر ولو في غير محله. ليست المشكلة في المماحكة التي لجأت إليها بعض الحكومات لتسجيل نقاط ضد حكومة بريطانيا والتشهير بها، وإنما في إصرار بعض الفضائيات العربية على التعامل مع أحداث الشغب هذه على أنها فصل آخر في سياق "الربيع العربي"، وقد أحبط أحد المذيعين لأن محاوره من لندن لم يستجب سياق أسئلته الموجهة لـ"معرفة" متى يمكن أن يسقط النظام... البريطاني؟ عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©