الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوسطية موقف يتسم بالتوازن في التفكير والنظر والسلوك العام

الوسطية موقف يتسم بالتوازن في التفكير والنظر والسلوك العام
15 أغسطس 2011 23:21
قد يذهب إلى ظن بعض الدارسين للوسطية أن لها كثيراً من المترادفات تلتقي معها في الماهية، مثل التوازن والخيرية والعدل والاعتدال والتعادلية، ولكن الناظر المدقق يلحظ فروقاً شاسعة بين الوسطية وبين هذه المفردات، فهي إما أن تكون صفة بارزة من صفاتها وإما هي نتيجة لها. من أهم ما يميز الوسطية أنها نسبية.. كيف ذلك؟ ورد تساؤل على لسان أكثر من باحث هل أن أحكام الإسلام التي تحمل في ذاتها صفة الخلود تحتم علينا القول إن الأخلاق مطلقة؟ وتبعاً لذلك هل أن الوسطية باعتبارها منهج الأخلاق هي الأخرى مطلقة؟ إن الأخلاق في كثير من خصالها تعد من الأمور النسبية، بمعنى عدم وجود خلق حسن بشكل مطلق في كل زمان ومكان، كما أنه لا يوجد خلق رديء بشكل مطلق في كل زمان ومكان، وإنما يكون الخلق حسناً ضمن ظروفه الزمنية والمكانية المعينة، ويكون رديئاً في ظروف أخرى، فما هو كرم بالنسبة لإنسان قد يكون إسرافاً أو بخلاً بالنسبة لآخر. فالأخلاق ما دامت تتميز بكونها أمراً نسبياً في جزء كبير منها، فهل ما يكون نسبياً يعتبر أساسه نسبياً أيضاً؟ أساس الأخلاق المنطق يقتضي ذلك، والواقع يؤكد أن الوسطية هي أساس الأخلاق، فليس كافياً أن يختار أي فرد الالتزام بالوسطية، وإنما يتحتم عليه أن يسأل عن أية وسطية يتحدث، وعن موقفها من قضايا المجتمع، لأن مفهوم الوسطية يختلف باختلاف المجتمعات، فالوسطية في مجتمع عربي إسلامي لا يتطابق مفهومها مع مجتمع إسلامي آخر، شأنها شأن القيم والتصورات تختلف باختلاف ثقافات الشعوب وتنوعها، بل يختلف تقديرها من مسلم وآخر. فأي فكر لا يستند إلى هذا المعطى ولا يراعي خصوصية المجتمعات والأفراد في معالجته لقضايا الوسطية وأضدادها من الصفات، لا يرقى إلى مستوى النجاح في تحقيق أهدافه المرصودة، ذلك أن الوسطية ليست موقفاً منبتاً عن سياق الواقع، فالبيئة تؤثر في موقف الشخص أو الجماعة سلباً أو إيجاباً. إن مما يشكل على أي دارس للوسطية أن نقطة الوسط بين الأمرين أو الرذيلتين لا يمكن تحديدها بسهولة، فكيف تعرف؟ ومن الذي يحكم بأن هذه النقطة هي الاعتدال دون غيرها؟ وهذا الأمر أشكل حتى على الفلاسفة القدامى الذين أقاموا فلسفتهم الأخلاقية على مبدأ الوسطية. فقد ذكر أرسطو أن إدراك الوسط في كل شيء أمر صعب جداً، كما أن استكشاف مركز دائرة لا يتيسر لجميع الناس، لهذا كان على من يريد إصابة ذلك الوسط القيم أن يبتعد عن الرذيلة التي هي أشد ما يكون تضاداً مع هذا الوسط، لأن هذين الطرفين أحدهما أكبر إثماً والآخر أقل (علم الأخلاق). فالوسط في نظره مستقل غير محدود، فهو تارة يقول إن المراد الوسط بالنسبة إلينا، وتارة يقول إن بعض الأطراف تشبه الوسط، فالتهور به شبه بالشجاعة، والإسراف شبه بالسخاء، والصدق ليس له وسط بين رذيلتين، بل إن الوسط القويم بين طبع غال في المجد وقعود تام عن المجد ليس له اسم خاص. ابن مسكويه الإشكال نفسه أثاره الفيلسوف المسلم ابن مسكويه في كتابه تهذيب الأخلاق الذي استصعب إدراك الوسط، ثم التمسك بهبعد وجوده أصعب، لذلك قالت الحكماء: إصابة نقطة الهدف أعسر من العدول عنها، ولزوم الصواب بعد ذلك حتى لا يخطئها أعسر وأصعب (تهذيب الأخلاق). فالشجاعة ليست دائماً ضد الخوف، فإنما كما تكون في الإقدام تكون في الإحجام، وكما تكون في التحدي للمخاوف ومقاومة المصاعب فإنها تكون في التوقي والحذر وأخذ الحيطة. وكذلك الكرم تتفاوت درجاته من جود بالقليل إلى جود بالكثير إلى جود بالأكثر إلى جود بالمال كله، ولكل حالة من هذه الحالات بواعثها وأهدافها، فقد يجود الشخص في سبيل الخير بالعشرة أو المائة ويسمى كريماً لأن طاقته لا تتحمل أكثر من هذا، أو لأن الصالح العام لا يوجب عليه فوق هذا، وقد يجود الشخص بالآلاف أو بمئات الآلاف ولا يسمى مسرفاً لأن ثراءه يسمح لهذا السخاء أو لأن مصلحة الأمة توجب هذا السخاء وتقتضيه. هل الوسطية تعني دائماً البينية؟ البينية تعني وجود شيء بين شيئين أو صفة بين صفتين، فهي من لوازم الوسطية، لأن حقيقتها التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين مثل الفردية والاجتماعية، والواقعية والمثالية، والروحية والمادية، والثابت والمتغير، وبالتالي فهي حالة من الوعي والترشد تحمي الفرد من الميل إلى جانب على حساب آخر، أو طرف مقابل فينزلق في رذيلة التطرف، فإذا انحرفت الفضيلة عن موضعها الخاص بها أدنى انحراف قربت من رذيلة أخرى ولم تسلم من العيب بحسب قربها من تلك الرذيلة. د. سالم بن نصيرة
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©