الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«روسيف»... والتحديات القادمة في البرازيل

«روسيف»... والتحديات القادمة في البرازيل
11 نوفمبر 2010 11:48
بيتر حكيم باحث بـ«معهد الأميركيتين» للحوار بواشنطن خلافاً للأميركيين لا يخالج البرازيليين الشك في أن بلادهم تسير على الطريق الصحيح، وهم لذلك اختاروا الاستمرار على الدرب نفسه دون تغيير من خلال تصويتهم على ديلما رويسف كرئيسة للبرازيل في انتخابات يوم الأحد قبل الماضي بعدما شغلت منصب رئيسة موظفي الرئيس لولا دا سيلفا، الذي غادر السلطة بعد ولايتين رئاسيتين بنسبة شعبية عالية لا تقل عن 80 في المئة. لكن مواصلة أسلوب دا سيلفا في إدارة البلاد والحفاظ على المكتسبات التي حققها لن يكون سهلاً على"ديلما"، وحتى وإنْ كانت قد لعبت دوراً مهماً في بلورة نجاحات الرئيس السابق، فضمان الاستمرار الذي يريده البرازيليون سيكون صعباً للغاية، ذلك أن الالتزام بنفس سياسات "دا سيلفا"، لن يكون كافياً لوحده، بل سيتطلب الحفاظ على النجاحات الاقتصادية والبناء عليها، اعتماد مقاربات جديدة للتعامل مع سلسلة من المشاكل المزمنة والمستعصية، التي فشلت الحكومات البرازيلية السابقة في حلها. ومهما بدا المستقبل مشرقاً بالنسبة للبرازيل، فإنه لا بد من اجتراح أفكار جديدة مع تغير الشروط وبروز تحديات جديدة على الساحة، فالبرازيل اليوم تمر بأفضل مرحلة من الازدهار الاقتصادي منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث نما الاقتصاد على نحو مطرد خلال الثماني السنوات التي رأس فيها "دا سيلفا" البلاد، كما تراجعت نسبة الفقر بنسبة 25 في المئة. أما الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد الأميركي بعنف، فبالكاد شعر بها الاقتصاد البرازيلي، هذا في الوقت الذي ما زالت نسبة البطالة منخفضة إلى أدنى مستوى لها، بل الأكثر من ذلك تبشر الاكتشافات البترولية الأخيرة بتحويل البرازيل التي تحقق أصلًا اكتفاءها الذاتي من الطاقة إلى أحد أكبر مصدري النفط في العالم. ولا ننسَ أيضاً المكانة العالمية المتميزة والنفوذ المتعاظم على الساحة الدولية الذي باتت تحظى به البرازيل، فهي أزاحت الولايات المتحدة من أميركا اللاتينية، وأصبحت القوة المؤثرة في العديد من القضايا. وإلى جانب الصين والهند أصبحت البرازيل إحدى أقوى الدول النامية في العالم، لا سيما بعدما اضطلعت بأدوار ريادية في النقاشات الدولية حول العديد من القضايا العالمية بما فيها التغير المناخي والسياسات التجارية وعدم الانتشار النووي والمؤسسات متعددة الأطراف، كما أنها أحد أربعة مرشحين لشغل مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، ناهيك عن أنها ستستضيف كلاً من كأس العالم لكرة القدم عام 2014 والألعاب الأولمبية عام 2016، لذا يحق للبرازيليين الافتخار ببلدهم لما أحرزوه من تقدم على مدى السنوات الماضية، لكن مع ذلك تظل بعض المشاكل مستعصية في انتظار الحل. فرغم الحيوية الواضحة التي أظهرتها الديمقراطية البرازيلية خلال الانتخابات الأخيرة يبقى الأداء الحكومي قاصراً، كما أن العديد من مؤسسات الدولة بما فيها الكونجرس والقضاء تخترقها مشاكل حقيقية تعيق في الكثير من الأحيان عملها، هذا بالإضافة إلى الفساد الذي ما زال ينخر السياسة، وهو ما أدى في السابق إلى استقالة كل من كبير موظفي الرئيس السابق وخلفها في المنصب نفسه. وعلى غرار باقي دول أميركا الجنوبية يتعين على البرازيل معالجة مشكلة العنف والجريمة المنتشرة في مدنها دون المساس بحقوق الإنسان التي يظل الأداء فيها دون المستوى المطلوب. وعلى البلاد أيضاً توظيف مكانتها العالمية الجديدة للمشاركة في المسؤوليات الدولية، لا سيما في اتجاه تطوير سياستها الخارجية التي تخضع لمراقبة شديدة، فأميركا اللاتينية تشتكي من التدخل المبالغ فيه للبرازيل في شؤون بلدانها الداخلية ما جعلها محط انتقادات كانت في السابق قاصرة على الولايات المتحدة. هذا في الوقت الذي تبدو السياسة الخارجية للبرازيل غير مهتمة ببعض المسائل، إذ في أكثر من مرة ظلت البرازيل صامتة على العديد من حالات انتهاك حقوق الإنسان في بعض الدول المجاورة، كما لم تول الاهتمام اللازم بخطر الانتشار النووي بعدما نسجت علاقات متقدمة مع دول معزولة عالمياً، وهو ما اتضح مؤخراً في التوتر الحاصل بين البرازيل والولايات المتحدة على خلفية العلاقات مع إيران. لكن بالنسبة لأغلب البرازيليين يبقى الاختبار الحقيقي للرئيسة الجديدة في المجال الاقتصادي ومدى قدرتها على تثبيت المكتسبات المنجزة والاستمرار في تحقيق معدلات نمو مرتفعة والإبقاء على نسبة البطالة المنخفضة، فضلاً عن التحكم في معدل التضخم وضمان تدفق التمويل للبرامج الاجتماعية، هذه الإنجازات مع الأسف تتهددها العديد من التحديات مثل الإنتاجية البطيئة المحتاجة إلى دعم في جميع المجالات. كما أن نسب الادخار الضئيلة سواء في القطاع العام أو الخاص تحول دون تدفق الاستثمارات على مشاريع البنية التحتية الضرورية، دون أن ننسى السياسات الضريبية غير الفعالة وتدني معايير التعليم. وهنا تبرز الحاجة إلى أفكار جديـدة وحلول مبتكرة وليس الدوران في نفس فلك السياسات القديمة، والأهم من ذلك هو الحاجة إلى تحقيق التوازن الضروري بين مواصلة الإنفاق على البرامج الاجتماعية ودعم النمو الاقتصادي وبين الانضباط المالي ومنع ارتفاع الأسعار. وفي خضم ذلك يتعين على "ديلما" دعم القطاع الخاص بإيلائه أهمية أكبر مع التقليل من تدخل الدولة في الاقتصاد وسيطرتها عليه. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©