الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النّابشون في الحرف

النّابشون في الحرف
12 أغسطس 2015 21:06
(العملية) تشبه تماماً فكرة تاريخية وثقت انطلاق وشهرة (الدانتيل)، تلك القطعة المغزولة بالخيط، بفتحاتها المتناسقة، وتحديداً أثر السيدة الإيطالية، جيو?انا داندولو، التي رغم شهرتها في دعم فن طباعة الكتب، إلا أن البندقية لقبتها بأميرة الدانتيل، لاهتمامها بتلك الصناعة الجمالية، بكل ما تحمله من جهد ودقة في التنفيذ والتأمل». (بالضبط).. تلك كانت إجابة مطور ومصمم العلامات التجارية السعودي عبدالعزيز الجفن، بينما (أكيد).. مثلت ردة فعل مطورة ومصممة العلامات التجارية اللبنانية لارا أسود، حين طرحت عليهما تساؤلاتي حول أبعاد تلك التجليات العميقة للخط العربي، وأثره في منظومة تطوير العلامات التجارية، فهل العملية بين تنفيذ العلامة التجارية وتطوير أشكال وخطوط الحروف العربية، إثراء في حقل تنامي مستقبل اللغة فنياً؟ وهل ما يعرف ب «التايبوغرافي» العربي، باعتباره فن ابتكار الخطوط العربية للطباعة، مرحلة تاريخية مهمة، لتفعيل استثمار الأبجدية العربية، كونها (هوية) تتنبأ بمكانة اللغة الحضارية والاقتصادية، معلنةً بذلك مشاركتها في الإنتاج المعرفي والبصري، بوصفها المقاييس الأهم نحو مستقبل تاريخ اللغات في العالم؟ أجمل ما يمكن استشفافه في الفترة الحالية، هو ما يطلبه الفنانون أو المصممون، عادةً، من الجمهور المتذوق للفنون، بأهمية إبطاء عملية تأمل العمل الفني، وعدم التسرع في الحكم عليه إبان مشاهدته أو قراءته، ليحقق المنتج هدفه في إحداث تصور جمالي. والأجمل كذلك ما يسعى إليه الفنانون، عبر الدخول إلى زمن اللحظة، وابتكار لوحة أو عمل فني، يجعل من المتلقي جزءاً منه بشكل آني ومستدام. في الحقيقة لا نعلم ما مدى إيمان المثقفين أو المتابعين للحراك الثقافي، بمفهوم «التايبوغرافي»، ودائماً هناك (تحفظ) للاطلاع على الأعمال ذات الدلالة التجارية، رغم أنها سبيل مهم في إحداث (تفاعل) جاد نحو اللغة العربية، التي تواجه احتفاءً مؤسساتياً في شتى الملتقيات النقاشية، إلا أنها إنتاجياً «تعاني من فقر شديد»، والتعليق الأخير هو نفسه الذي أكدت عليه المصممة الفنية لارا أسود، في أوج بحثها عن الأهمية الابتكارية للحروف العربية للطباعة، ما يجعل قرار الذهاب للأسواق التجارية مجدداً، والاطلاع على أغلب تلك الشعارات والعلامات، المصنفة بين محلات تجارية مختلفة، وشركات عالمية بطرازاتها المتنوعة، ضرورة بحثية، ليست لإتمام المقالة الصحفية فحسب، وإنما لرصد أثرها كثقافة بصرية. عبر كتاب «الرسالة» لمؤلفه سيمون غارفيلد، يفسر الكاتب أنه «بشكل عام تكتب الرسالة، لتقرأ بصوت مسموع»، وهو نفسه الاعتقاد الساري بين «التايبوغرافيين» بأن أصواتهم كمصممين، تُسمع من خلال ما يقدمونه، ويستطيع المتلقي أن يكشف إحساسهم وخطهم الفني عبر نتائج الأعمال، وجميعها فعلياً تؤكد سر التفاعل الخاص مع أحد شعارات المصمم عبد العزيز الجفن، الذي قام بنشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي. واللافت في أعمال عبدالعزيز تأملاته الشاعرية، وتحديداً استثماره للذائقة والحس المعلوماتي لبيئته المعرفية، فعلى سبيل المثال تصميمه لشعار «غنى»، وتجسيده للعلامة التجارية ضمن معاني أيقونة الورود، يُعد أمراً ساحراً يدعو للبحث وقراءة ما هو أبعد من مجرد رصد لعلامة تجارية؛ فعندما يؤمن المصمم عبدالعزيز بالخط العربي، كأهم الفنون الثقافية المرتبطة بالإرث الشعبي، والذي يلعب الدور الأسمى في مجال عمله، فإنه يدفع بذلك المتلقي لتلك اللغة البصرية، لتعزيز مكانة اللقاءات بين الإعلام الثقافي وبين مصممي العلامات التجارية، كمؤشر اجتماعي. عبدالعزيز.. ابتدأت حديثك بمفهوم (العلامة)، وقلت: «كل شيء في حياتنا اليوم تحول إلى (علامة)، الأشخاص والأماكن وغيرهم، مهما تغيرت أشكال التطور المجتمعي الذي يؤثر فينا بشتى الوسائل، إلا أن فكرة (العلامة) ستظل مستمرة وفق جميع المتغيرات الحياتية»، كيف تحضر اللغة عبر (الخط العربي) بمجال عملك في «عالم تصميم العلامات التجارية»؟، وكيف هي رحلة بناء عناصر العلامة التجارية (الهوية) و(الخامة) و(البيانات) عبر تقنية «التايبوغرافي»؟، وهل اللغة في منظومة الحروف الطباعية ستمتلك نفس ديمومة الاستمرار لمفهوم (العلامة)؟ اليوم بالاطلاع على أهم (العلامات الفنية) في العالم، والتي امتازت بها مختلف الثقافات، لاحظنا مدى العمق التاريخي الذي حققته، مثل (العمارة) بتجلياتها الهندسية الموجودة في روما مثلاً، مروراً بالصينيين والهنود والفراعنة، ووصولاً إلى فهمنا لقدرة الحروف العربية، واستخداماتها المتنوعة في تأسيس رافد، سيشكل بطبيعة الحال علامة متجددة للبلدان العربية وللعرب عموماً. ينظر الأجانب للحرف العربي بدهشة بصرية فذه، وأعتقد أنهم أكثر تعطشاً لتحليل المشهدية الخلابة لأشكال الحروف العربية، وبالنسبة لي فإنها وسيلة وجمالية نستطيع من خلالها أن نضاهي فيها إنتاجات علمية عالمية، وإبراز الحرف العربي كمنتج جمالي، لذلك فإن الإيمان بمبدأ تحويله إلى (علامة) يتجاوز الإطار التجاري المرتبط بمحلات التجزئة وغيرها، إلى كونه أسلوب حياة، لذائقتنا المرئية. *لارا.. أكثر من 17 سنة، في مجال تداول العلامات التجارية وتطويرها، استثمرتِ نحو 14 سنة للعمل في مدينة دبي، وفعلياً تكفي زيارة ل دبي مول للاطلاع على أهم العلامات، التي قمتِ بالاشتغال على تطويرها أو تنفيذها. في حديثك المسترسل عن نشاطك في تدريس «التايبوغرافي»، عبر ورش تعليمية محلية، تؤمنين أن مرحلة التعلم، وصناعة الفضول لدى المتلقي حول موضوع الحروف العربية للطباعة، سيساهم في إحداث نقلة تواجه مسألة قلة الوعي بجمالات تاريخ الخط العربي من جهة، وتأسيس حاضنات أكاديمية بمعايير تحترم الخبرة إلى جانب الشهادة الجامعية من جهة أخرى، في اعتقادكِ.. هل ما تنتجونه يثري اللغة العربية بهوية بصرية مختلفة؟ وبالنسبة لمفهوم (النبش) في تاريخ الخط العربي، ما مدى أهميته في عملكم؟ لنبدأ مع تاريخ الخط العربي، ما أود التأكيد عليه أن حاجتنا إلى البحث في المنطق الطباعي للخطوط، في المصاحف القرآنية سواء الحجازية أو المغربية، على سبيل المثال، يقدم للمطلع والمصمم نفسه خيارات وآفاق عديدة، في تصوره لأشكال الخط، فكما هو معروف أن حرف (الهاء) مثلاً، يتضمن العشرات من أشكال الخطوط، ومدى الوعي بتلك الأبجدية والاستخدام الجمالي، يحتاج فعلياً إلى إعادة (النبش) فيه، وعدم الاكتفاء بالخطوط القديمة والجاهزة، وهو ما سينقلنا تدريجياً إلى مسألة ابتكار الخطوط، وبالعودة إلى دراستي البحثية، في مجال الكتابة العربية وطباعة الحروف في المعرض الوطني للبحوث المطبعية في نانسي بفرنسا، توصلت إلى أن فضاء التجربة العملية في الميدان، يظل الأقدر دائماً على مساعدتنا في الاكتشاف، فمصمم الخطوط الطباعية يمثل مهنة بحد ذاتها إلى جانب مهنة الخطاط، بالرغم من اختلاف أنظمة التعامل مع الحروف العربية في كل مهنة. وفي المنطقة المحلية بالأخص، هناك رغبة دائمة لاستثمار العاملين العرب في مجال «التايبوغرافي» العربي، لندرة المتخصصين، والذي أرى أنه يعود لسببين أولهما: لأنه لا يوجد فعلياً من يلفت انتباه الأفراد لأهمية المجال تعليمياً، وثانياً: أن العاملين في «التايبوغرافي»، لا زالوا مقصرين في عمليات الإبداع الطباعي للحروف العربية، رغم ثراء الخط. إضافة أشكال الخطوط العربية لـ «التايبوغرافي» سينطلق باللغة، إلى أبعد من الخطوط العربية التقليدية، التي اتسمت عجلتها بالتراخي وقلة التحديث بحسب المصمم عبدالعزيز، فهو يرى أن وضع آلية ابتكار للخطوط العربية، يحتاج إلى فهم بيئة ومتطلبات الحاضنات لتلك النوعية من البحوث العلمية في مجال الخط، قائلاً: «نحن نحتاج إلى فرق عمل متكاملة في المجال، وليس الاعتماد فقط على مخرجات المصممين في مجال «التايبوغرافي» أو تطوير العلامات التجارية. وفي واقع الأمر، فإن التوقف عند منظومة فهم البيئة، في حديث عبدالعزيز، يجعل المتابع يفكر بماهية أبعاد بيئته المتعلقة بمسألة «الإلهام»، خاصةً أنه يشجع الانضمام إلى ميدان تطوير العلامات التجارية، ضمن تصنيفها كإحدى الفنون الرقمية، وتأكيده أن الكل يمتلك القدرة للولوج إلى عالم التصميم، بشرط أن يمتلك (فكرة)، والأخير يحتاج إلى دفعة كبيرة من مجسات الإلهام بأبعادها المعرفية، حول ذلك يؤكد عبدالعزيز أن الإلهام، طريقة خلاقة لاتتبع قواعد معينة، وعملياً يمكن أن تصمم علامة تجارية، باستخدام «التايبوغرافي»، لشركتين من نفس المجال، إلا أن هناك الكثير من العوامل التي تدخل في مسألة صناعة واختيارك لهوية العلامة، ومنها رؤية المؤسسين للشركة، وثقتهم بمنتجهم، وحجم الشركة، سواء كانت قديمة ولها تاريخها، أو جديده ولها تفردها، وقبل الانتقال إلى تفسيرات أدق في مسألة بيئة الإلهام، يحرص عبدالعزيز على ما يسميه ب «التغذية البصرية»، مشبهاً ذلك بتعلم سياقة السيارة، ففي البداية نتعلم كيف ندير المحرك، ونركز في كيفية تحريك المقود، وتشغيل الأشياء الثانوية، كالمسجل، وبعد فترة من الممارسة العملية، نتدرج بقيادتنا للسيارة دونما تركيز على كل شيء، بل تحدث الأشياء معنا بتلقائية عالية وتامة، وبالنسبة للمصمم عبدالعزيز، بعد مرحلة من العمل المتواصل، بادت حواسه تتحرك بطريقة مرنة، نحو طبيعة القراءات البصرية والاستعداد الثقافي لمشاريع التصميم المختلفة، من خلال رحلات السفر والملتقيات الفنية العامة، إضافة إلى البحث المتخصص، اعتماداً على نوع المنتجات في تصاميم الشعارات، ومنها قراءة تفاصيل الحضارات القديمة، كالثقافة الأمريكية في السبعينات والثمنينات، حيث يمكنها أن تفيد المصمم في مسألة تنفيذ علامة تجارية أو تطويرها لمطعم متخصص بالوجبات الأميركية. معايير أبدت المصممة لارا استغرابها من مسألة التحفظ على الشهادة الدراسية العليا لبعض المصممين من قبل بعض الجامعات، والتي تمنعهم من الانضمام بشكل جدي أكثر في عالم التدريس الأكاديمي لـ «التايبوغرافي»، متسائلة عن معياري الخبرة والانتاج، ودورهما في عمليات الاختيار والتقييم عموماً، سواءً في الأعمال التجارية، أو المؤسسات التعليمية، مضيفة أن هناك تردداً في مسألة الإبحار التعليمي في المجال، ما نحتاجه فعلاً هو أن نكون أكثر ثقة وفخراً بمجال التصميم وإنتاج «التايبوغرافي»، مبينة أنه لكونها عربية، ساعدها ذلك في إتاحة فرص مهنية عبر شركات عالمية. تتفانى لارا في سعيها نحو مفهوم التوسع والانتشار لهذا الفن، المتزامن مع ثراء الخط العربي، وإقدامها على تصميم الخطوط والرسوم التوضيحية لـ كتابين للأطفال، هما «طابتي» و»أصوات الأبجدية». وعُرض العملان في متحف «هاوس دير كونست» في ميونخ، وفي معرض «أجيال» للفنون في بيروت عام 2010، كما نال الخط الذي طوّرته لارا للكتابين، شهادة تميّز في فن الطباعة عام 2011 من «نادي مديري الخطوط الطباعية في نيويورك»، وحازت لارا أيضاً على جائزة «أوبرا بريما» في معرض بولونيا لكتب الأطفال عام 2012 للرسومات وتصميم الخط في كتاب «طابتي». «دور المصمم بشكل أساسي يتجسد في تحويل الفكرة إلى تفسير شكلي».. هنا تفسير المصممة لارا لأهداف عملية تصميم أو تطوير العلامة التجارية، ومن جهتهما يرى كلا المصممان جوناثان هويفلر وتوبايوس فريري، في حديث عن «التايبوغرافي» أن الخطوط ليست ألعاباً، بل أدوات صممت لحل المشاكل، كما أنهما يحبان أن يتعرف الناس إلى أعمالهم، ويتم التجاوب معها بطريقة عاطفية، لافتين أن الحروف توجد في كل مكان حالياً، وهذا ما يجعل الكتابة، في الوقت الراهن، ممتعة للغاية بالنسبة للناس، بحيث أصبحت جزءاً لا يتجزء من حياتنا اليومية، ونتوق لها بشكل متكرر. واعتبرت المصممة باولا شير أن الهدف الأسمى من «التايبوغرافي» هو إمكانية أن تحظى بأكبر أصالة وفهم لعملية الاتصال، ومن بين المعلومات البحثية حول كيفية استثمار البيانات في اللغة البصرية الفنية، هو حديث المصمم ديروي بيرازا بأنه يكفي أن تعود بالتاريخ إلى 200 عاماً، لتكتشف أن الاستخدامات الأولية لفن (الإنفوجرافيك) -كمثال- يعود لتخطيط تفشي الكوليرا في لندن! ويعتقد المصممون أنه بسبب الحاسوب والنشر الإلكتروني، أصبح الناس مدركين للكتابة البصرية ومزج الحروف بشكل مختلف. أسس عبدالعزيز «الجفن آرت ستوديو»، ويصنف ضمن أهم الشباب السعوديين الأنشط في احتراف مهنة تصميم العلامات التجارية، بمتوسط تكلفة يساوي 50 ألف درهم لتصميم الشعار، وقد يصل إلى 100 ألف، وبحسب ما أكد فإن حجم الجهد مرتبط بحجم الشركة، وتعتمد التكلفة بالمجمل بما توفره شركته من استشارات خاصة لكل مشروع، إلى جانب الخدمات الخاصة بهوية الشركة ككل، وحول ذلك يقول عبدالعزيز: «20 يوما، استثمرهم في البحث والتأمل والتفسير وإعادة الإنتاج لما توصلته، قبل عرض الشعار نهائياً للعميل، وفعلياً أبدي رأيي في اختيار الاسم، كونه يشكل البنية التحتية لانطلاق الشعار والتفاصيل الأخرى كالتصميم الداخلي للشركة نفسها. في الحقيقة لا أعمل على أشياء أو أسماء غير مقتنع بها، لمجرد (البزنس)، وإنما أسعى دائماً للتفرد، وهذا ما جعل طبيعة تفاعلي مع «التايبوغرافي»، تسير بنفس نسق الاهتمام والعمق، أنا مؤمن أني أبني في عملي هوية متكاملة، وصناعة العلامة، يحتاج إلى جهد وتأني، وبالأخص تشكيل الكلمة، تناسباً مع معناها في إعداد شكل الحروف والخط، كالموسيقى تماماً. وبالنسبة لقوة السوق، فإن هنالك طلباً متزايداً من داخل السعودية، وكذلك، بشكل فيه من التنظيم، من دول الخليج كقطر والإمارات، ويمكن اعتبار أن نظرة العملاء للشركات المحلية قد تغيرت عن نظيرتها الأجنبية، لاتساع نطاق التواصل المجتمعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تعاملت مع حوالي 80 شركة، أغلب أصحابها لا تربطني بهم معرفة شخصية، ولم نلتقي في الواقع». نقطة لقاء بين المصصمة لارا أسود والمصمم عبدالعزيز الجفن، ألتقينا عند مساحة موزونة من تساؤل تقني وموضوعي وهو: هل يمكن للخطاط العمل في مجال (التايبوغرافي)، وما مدى ارتباط احترافية المصمم، بمقياس وعيه بالخطوط العربية؟ اتفق المصممان أن الوعي بالخط العربي وجماليته، أداة مهمة في مجال «التايبوغرافي»، وذلك لابتكار خطوط متنوعة، عبر فهم عميق لمقاييس الخط، على مستوى تأثير الحركة والميلان في كل حرف، إلى جانب الحجم، وغيرها من المفاهيم الفنية. وبالنسبة للمصممة لارا أسود فإنها تصف علاقتها بالخط العربي من خلال تأثرها بأستاذها الخطاط سمير صايغ، الذي تعلمت منه تفاصيل مهمة حول الخط العربي كفن ولغة تواصل، وجعلها تؤمن أن الخطاط يمتلك القدرة على تجربة فن «التايبوغرافي» بشرط فهمه الدقيق لأنظمة ومقاييس طباعة الحروف، بل ويمتلك مقومات العمل لتصميم شعارات مذهلة، مضيفة: إن «التايبوغرافي»، دونما الإبحار في مخزون الخط العربي، لن يصل إلى مرحلة من التفرد والإبداع الابتكاري للغة البصرية عبر الحروف العربية. من جهته يصف المصمم عبدالعزيز الجفن، علاقته بعمه الخطاط بدر الجفن، قائلاً أنه حاول في مرات عديدة إقناع عمه بالانضمام إلى حقل التصميم، إلا أن نسبة كبيرة من الخطاطين، يواجهون نفس الشعور الذي جعل من عمه يتجنب العمل في المجال، وهو الخوف من الخروج عن المألوف في صناعة الخطوط العربية، وهو أمر يحتاج إلى جرأة، وقدرة متناهية في كسر القواعد الخطية، فقد يُقدم الخطاط على الكتابة بخط ساحر وأنيق، ولكنه لا يصلح لتمثيل شعار أو علامة تجارية، وذلك لأنه لا يتوافق مع أساسيات فن «التايبوغرافي»، وعملياً فإن الخط العربي يحتاج إلى دفعة من جهود الخطاطين، والانخراط في مجال ابتكار الخطوط، لما سيلعب دوراً نوعياً في دفع عجلة الخط إلى أبعاد ثقافية وفنية مختلفة. وفي سياق آخر، يوضح عبدالعزيز أنه بالنظر إلى أعمال المصممين الهواة، فإن بعضها لا يليق بمستوى احترام الخط، في تصميمهم للشعارات، ما يدعونا للوقوف ملياً والتفكير بالخط العربي ككيان، قبل الشروع في عملية استخدامه أو استثماره، لأن عملهم بطبيعة الحال، يؤثر بمكانة الحروف العربية وقيمة خطوطها. تصورات المصممين في عالم «التايبوغرافي» وصناعة العلامات التجارية، أثارت مفاهيم جديدة ومهمة، تفرض نفسها على طاولة التباحث الثقافي والمعرفي، فالتوجه الذي ينادي له المصممان بأهمية ابتكار خطوط عربية، واستثمارها لإثراء اللغة الفنية، تجعل المتابع ينظر إلى مستقبل الخط العربي (الحديث)، وتجاوز مرحلة الخطوط العربية التقليدية، بتطويرها وتفعيل استخداماتها المجتمعية، وهذا بطبيعة الحال لا يلغي القيمة التاريخية للخط العربي، بل يساهم في إظهاره للحياة اليومية، كذائقة ومعرفة. نوف الموسى عناوين فرعية البحث في المنطق الطباعي للخطوط في المصاحف يقدم للمصمم خيارات وآفاقاً عدة .............. الوعي بأبجدية الخط والاستخدام الجمالي للحرف يحتاج فعلياً إلى النبش فيه وعدم الاكتفاء بالخطوط الجاهزة علامة متجددة بالاطلاع على أهم العلامات الفنية في العالم، والتي امتازت بها مختلف الثقافات، نلاحظ مدى العمق التاريخي الذي حققته، مثل العمارة بتجلياتها الهندسية الموجودة في روما مثلاً، مروراً بالصينيين والهنود والفراعنة، ووصولاً إلى فهمنا لقدرة الحروف العربية، واستخداماتها المتنوعة في تأسيس رافد، سيشكل بطبيعة الحال علامة متجددة للبلدان العربية وللعرب عموماً. ينظر الأجانب للحرف العربي بدهشة بصرية فذة، وأعتقد أنهم أكثر تعطشاً لتحليل المشهدية الخلابة لأشكال الحروف العربية. أصواتهم تدلّ عليهم عبر كتاب «الرسالة» لمؤلفه سيمون غارفيلد، يفسر الكاتب أنه «بشكل عام تكتب الرسالة، لتقرأ بصوت مسموع»، وهو نفسه الاعتقاد الساري بين «التايبوغرافيين» بأن أصواتهم كمصممين، تُسمع من خلال ما يقدمونه. ويستطيع المتلقي أن يكشف إحساسهم وخطهم الفني عبر نتائج الأعمال، وجميعها تؤكد، فعلياً، سر التفاعل الخاص مع أحد شعارات المصمم عبد العزيز الجفن، الذي قام بنشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي. واللافت في أعمال عبدالعزيز تأملاته الشاعرية، وتحديداً استثماره للذائقة والحس المعلوماتي لبيئته المعرفية. أكثر من «بيزنس» أسس عبدالعزيز «الجفن آرت ستوديو»، ويصنف ضمن أهم الشباب السعوديين الأنشط في احتراف مهنة تصميم العلامات التجارية: «استثمر 20 يوماً في البحث والتأمل والتفسير وإعادة الإنتاج لما توصلت إليه، قبل عرض الشعار نهائياً للعميل، وفعلياً أبدي رأيي في اختيار الاسم، كونه يشكل البنية التحتية لانطلاق الشعار والتفاصيل الأخرى كالتصميم الداخلي للشركة نفسها. في الحقيقة لا أعمل على أشياء أو أسماء غير مقتنع بها، لمجرد (البزنس)، وإنما أسعى دائماً للتفرد، وهذا ما جعل طبيعة تفاعلي مع «التايبوغرافي»، تسير بنفس نسق الاهتمام والعمق، أنا مؤمن أنني أبني في عملي هوية متكاملة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©