السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فضل يوم عرفة

فضل يوم عرفة
11 نوفمبر 2010 20:43
في التاسع من شهر ذي الحجة من كل عام، يتجه ضيوف الرحمن من الحجاج بقلوبهم إلى الله مخلصين له الدين حنفاء، معتصمين بحبله المتين، ومتمسكين بعروة نبيهم الأمين، تجمعهم أقدس رسالة وأسمى شريعة، في هذا اليوم الأكبر يقف ضيوف الرحمن في عرفات يسألون ربهم الرحمة والغفران ويبتغون منه الفضل والرضوان، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات، لقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: (انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبرا ضاحين، جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة ) (أخرجه البيهقي وابن حبان). و يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وهو من أيام المسلمين المشهورة التي يجتمع فيها حجاج بيت الله الحرام الذين جاءوا من كل مكان، لباسهم واحد، وهمهم وآلامهم وآمالهم واحدة، لا فرق فيهم بين الكبير والصغير، ولا الغني والفقير، ولا القوي والضعيف. وقد جاء في فضل يوم عرفة، أنه خير يوم طلعت فيه الشمس، وأكثر الأيام خيراً وبركة، لما ورد في فضل صيامه أنه يكفر الذنوب العظام، وتلك نعمة من أجلّ نعم الله على عباده، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: «صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية» (أخرجه مسلم)، ولما ورد أيضاً أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «ما رُئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر، ولا أحقر، ولا أدحر، ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما رأى يوم بدر» قيل : وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: «أما إنه رأى جبريل يَزَع الملائكة») (أخرجه مالك). وروى ابن المبارك عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: وقف النبي- صلى الله عليه وسلم- بعرفات، وقد كادت الشمس أن تثوب، فقال: «يا بلال، أنصت لي الناس»، فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنصت الناس، فقال: «يا معشر الناس، أتاني جبريل- عليه السلام- آنفاً، فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله- عز وجل- غفر لأهل عرفات، وأهل المعشر الحرام، وضمن عنهم التبعات»، فقام عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، هذا لنا خاصة؟ قال: «هذا لكم، ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة»، فقال عمر- رضي الله عنه- كثر خير الله وطاب (أخرجه ابن المبارك) وقد بين- صلى الله عليه وسلم- فضل الحج حيث يقول عليه الصلاة و السلام: «إن هذا البيت دعامة الإسلام، فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضموناً على الله إن قبضه أن يدخله الجنة وإن رده رده بأجر وغنيمة» (أخرجه ابن ماجه)، فمن توفي من حجاج بيت الله الحرام في البقاع الطاهرة فقد يسر الله له دخول الجنة بفضله وكرمه، ومن عاد سالماً فقد عاد مغفوراً له إن شاء الله إن التزم بطاعة الله ورسوله. وفي يوم عرفة أتم الله نعمته على الإنسانية كما في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وهو الإسلام، حيث أخبر الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبداً، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً، كما وروي عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرؤون اية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: وأي اية ؟ قال قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: عشية عرفة في يوم جمعة) (تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 2 /19-20) . لقد حج رسولنا المصطفى- صلى الله عليه وسلم- حجة واحدة، لم يحج قبلها ولا بعدها، تسمى «حجة الوداع» سميت بهذا الاسم لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ودع فيها أصحابه، فقال لهم فيما قال: «أيها الناس، اسمعوا مني، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا..»!!، وقد كان الأمر كما توقع- صلى الله عليه وسلم- وأخبر، فإنه بعد عودته من حجته إلى المدينة المنورة، عاش بعدها واحداً وثمانين يوماً، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى، إلى جوار ربه، فكانت هذه الحجة، هي الأخيرة وهي حجة الوداع!!، وتسمى أيضاً حجة الإسلام لأنه-صلى الله عليه وسلم- حج فيها بأهل الإسلام ليس فيهم مشرك، وكذلك تسمى بحجة البلاغ لأنه قال في خطبته عدة مرات: هل بلغت؟! في أرض عرفات خطب خاتم الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- خطبته الشهيرة التي وضح فيها مبادئ «حقوق الإنسان»، والميثاق الذي ينبغي أن يتعامل به البشر، قبل أن يعرف الناس هذه الحقوق والمواثيق، إلا منذ زمن قريب، قررت بعضها هيئة الأمم المتحدة، وبقي ذلك حبراً على ورق في هذه المنظمات والدول، إنما هو لمجرد الدعاية الإعلانية، فالأموال تسلب، والدماء تراق، والحق مع القوي الغالب. لقد كانت خطبته- عليه السلام- في عرفات في ذلك الجمع الحاشد، وفي ذلك اليوم المشهود، مشعل نور وضياء يضيء للبشرية طريق السعادة والهدى، ويأخذ بأيديها إلى مدارج العز والكمال. ولدى مراجعتي لموضوع حجة الوداع في السيرة النبوية لفت نظري أمران أحب أن أذكرهما: الأمر الأول: هذا الجمهور الضخم من المؤمنين الذين لبوا النداء وجاءوا من كل حدب وصوب مصدقين برسالته، مطيعين لأمره، وقد كانوا قبل ثلاث وعشرين سنة على الوثنية والشرك بل كان كثير منهم قد ناصبوه العداء، وجالدوه بالسيوف والرماح، ما الذي أحدث هذا الانقلاب العجيب في عقيدتهم وسلوكهم، إنه الإيمان بالله، إنه تأييد السماء لرسوله- عليه الصلاة والسلام- لأنه على الحق. والأمر الثاني: هذا الخطاب القوي المحكم الذي خاطب به الرسول الكريم الناس أجمعين، فيه الخير كل الخير للإنسانية كلها، والأمن والاستقرار للمجتمعات كلها، والصلاح والفلاح للبشرية على مدى الدهر. هذا الخطاب الجامع الذي اشتمل على حرمة الدماء والأموال والأعراض، وحرمة الربا والأخذ بالثأر، وعلى أداء الأمانة، وعلى مخالفة الشيطان، واشتمل أيضاً على حقوق النساء، وعلى الاعتصام بالكتاب والسنة، هذه الخطبة تحتاج إلى مجلدات عند شرحها، وهي عبارة عن ميثاق عظيم على البشرية أن تعمل به وأن تستفيد منه. فهذا بيان للبشرية جميعاً بضرورة التحابب والتواد، فالناس سواسية كأسنان المشط، وعلى المسلم أن يتجنب الأموال الحرام، والأكل الحرام، والخوض في أعراض النساء، وإني لأتطلع إلى تلك الجموع الحاشدة التي ستقف على جبل عرفات والأمل يحدوني أن يتذكروا وصايا رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم بضرورة التحابب والسير على الطريق القويم، وليعملوا بقوله- صلى الله عليه وسلم-: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)(أخرجه مسلم). أملي فيهم وهم ينعمون بالصلاة في المسجد النبوي الشريف والطواف حول الكعبة المشرفة أن يتذكروا أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين، المسجد الأقصى الأسير، وأن يتضرعــــوا إلى الله بالدعـــــاء بأن يفك أسره، وأن تحرر بلادنـــا المباركة فلسطين. نسأل الله أن يجعلها أيام خير وبركة على والأمتين العربية والإسلامية الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©