الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبير نصراوي: أبوظبي أبهرتني وهذه حكايتي مع «مونت كارلو»

عبير نصراوي: أبوظبي أبهرتني وهذه حكايتي مع «مونت كارلو»
11 نوفمبر 2010 20:45
من تونس الخضراء وحدائقها الغناء ومدنها الجميلة وثقافة شعبها العريقة، انطلقت شابة تونسية تحمل معها إلى فرنسا جمال بلدها تونس وعبق حضارتها وتراثها الغني لتستقر في باريس بلد العطور والأضواء والفنون، ساهمت في تعريف الغرب على ملامح أصيلة من فنوننا وموسيقانا فكان لها حضورها الجميل وتأثيرها الفعال، هي النجمة المتألقة دائما عبير نصراوي الحاصلة على بكالوريا الآداب 1996 وعلى إجازة في العلوم الموسيقية 2001 هي حبيبة جدتها التي كانت تقاسمها الغناء والضحكات والأهازيج الشعبية الجميلة التي تعبر عن تراث غني، هي محبة للغناء بلهجات متعددة ومحبة للشعر والموشحات بشكل كبير، تتميز بصوت عذب وقوي مرهف الحساسية، نهلت من علوم الغرب وحافظت بذات الوقت على الجوهر الحضاري الكامن في ثقافة أمتها وتراثها الفني الأصيل، إنها ابنة تونس الجميلة. قلنا لها أنت من تونس ومقيمة في باريس، ما الذي شكلته بيئة تونس وماذا أضافت البيئة الباريسية لشخصية عبير، ليس فقط الفنية ولكن أيضاً لشخصيتك ككل؟، فقالت: «تونس رأت ولادتي وعمري وشخصيتي الفنية وشخصيتي الحقيقية في الدنيا حتى غدا عمري أربعة وعشرين عاماً. درست في تونس وعشت فيها ثم حصلت على إجازة في الموسيقى، وبعد ذلك ذهبت إلى باريس لأتابع دراسة المرحلة الثالثة في جامعة السوربون. بالنسبة لبلدي، أنا أصلي من وسط تونس، من منطقة اسمها الجصرين لأن فيها قصرين من الآثار الرومانية، ولذلك سميت بالجصرين، و»تقال باللهجة البدوية». المرحلة الأولى عشتها في الوسط التونسي حتى سن الخامسة عشرة، ثم ذهبنا للعيش في تونس العاصمة، بعد ذلك تغيرت لهجتي بطريقة عفوية بحكم حياتي هناك. بالنسبة لمنطقة ولادتي هي علمتني أن أحب الأرض وأصالتي وأن أكون فخورة بالذي أنا فيه، لدي ذكريات جميلة مع جدتي - رحمها الله - والتي كانت تتمتع بصوت جميل حيث كنا نغني أهازيج المنطقة مع بعضنا، وبعد قليل سأحدثك عن الألبوم الذي سيصدر والذي كرمتها من خلاله بأغنية كنا نؤديها مع بعضنا البعض. ثم بعد ذلك تأتي مرحلة تونس العاصمة. تدخلين لمدينة أكبر فتكتسبين أشياء جديدة ربما لا تكون موجودة في المنطقة التي ولدت فيها، حالها حال جميع العواصف وهي تزخم بنوعية الحياة التي أحبها. أنا أحب الحياة السريعة والمليئة ولا أحب الحياة الفارغة حيث أن الملل يقتلني. وأحياناً أكون متعبة جداً، ولكني أذهب وآتي وأحضر حفلات وأعمل وأدرس وأشتغل، وهذا ما أحبه وقد وجدته في تونس. في باريس أنا أعيش في قلب باريس، ورفضت العيش في بيوت كبيرة في ضواحي باريس وهي مناطق هادئة، وذلك لأني عندما أتيت لباريس أتيت كي أعيش في حركية باريس وفنونها ومسارحها ودور السينما الخاصة بها، أينما تحركت تعرفين الزخم الثقافي فيها، وقد أضافت لي باريس الانفتاح ومعرفة الآخر، وما هي الخطوة التي أخطوها نحوه، وكيف أتحاور معه حتى يتمكن من التقرب مني، لا أن أبقى متقوقعة على نفسي وعلى موسيقاي وثقافتي، وراغبة أن أعيش على الطريقة التونسية في وسط باريس. إذاً، ما الذي جعلني أعيش في باريس؟ حصلت في جامعة السوربون على شهادة التعمق في البحث في علم موسيقى الشرق، هذا ساعدني كثيراً بالإضافة لعملي مع موسيقيين من أصول إسبانية وموسيقيين فرنسيين من أصول أرجنتينية. في الواقع، كانت لي تجارب ثرية أحببتها وغيرت في الكثير، غيرت نظرتي للحياة وللموسيقى وللأشياء ولكل ما هو محيط بنا، لكن في الوقت نفسه وبقدر ما ساهمت حياتي في باريس على تفتح نظرتي وفكري أكثر، وذلك لأني كنت قابلة للانفتاح بقدر ما عدت لأصولي وعدت لتراثي. وهذه الحلي التي أرتديها الآن هي حلي تقليدية من تونس، لقد أصبحت من جهة منفتحة، ومن جهة أخرى أبحث عن كل ما يربطني بجذوري وثقافتي التي ابتعدت عنها فشعرت بقيمتها عندما ابتعدت عنها». «يا فرخ الحمام» وعن الاغتراب وهل يعيد الفنان لجذوره وماذا أعطاها التراث الروماني القديم، توضح: «هو ليس فقط تراثا رومانيا بل هو تونسي وروماني وبربري وفينيقي وعربي ومندالي، فبلدنا احتضنت الكثير من الحضارات، لكن في منطقتي أنا وهو التراث الذي عدت له والذي يحز في نفسي أني كنت أرفضه في البداية، الآن أصبح لدي وعي، ربما الغرب قد ساهم في تفتحي عليه. ففي المنطقة التي ولدت فيها كان هناك الغناء الجبلي الذي يؤدى في الحقل وهم يحضرون الغلال مثل هذه الأغنية التي كنت أؤديها مع جدتي «يا فرخ الحمام يا ساكن الأبراج تعلا لو كانت سهامه نجامة توصلي مبرومي لخلي». بالنسبة لي، عندما كنا نعيش في المنطقة عندما كانوا يغلقون المسجل ونحب أن نرقص على الموسيقى، كنا ننزعج. وكانت جدتي، وهذه قصة محزنة، كان لجدتي صوت جميل ثم ظهر لديها ورم سرطاني في الدماغ وخضعت لعمليتين وتوفيت بعدها. وفي السنوات الأخيرة قبل وفاتها، لم تعد تستطيع الغناء و كنت طالبة في معهد الموسيقى الذي تعلمنا به أن هذه الأنواع من الموسيقى، وأنا أقولها بمرارة، لم تكن تحظى باهتمامنا. بالنسبة لنا كانت هناك أم كلثوم والملوف التونسي الذي هو الموسيقى المتقنة، ربما كان هذا بسبب أحكام مسبقة أو بسبب النظرة الدونية للموسيقى التي تكون جبلية أو ريفية أو شعبية. الآن أرغب في أن أعيد اعتبار هذه الموسيقى، لقد تربيت وتعلمت على الموشحات والأدوار وغيرها، لكن لدي رغبة برد اعتبار الموسيقى الشعبية، هذه الروح لأنه حسب رأيي، وربما هذا ما أضافته لي باريس ودراسة الموسيقى، بأن هذه هي فعلا موسيقى البلد. لأن الموسيقى الحقيقية والمبدعة هي التي تولد من الوجدان الجماعي، ومن الألم ومن هموم العيش الحقيقي، وليس عندما نكون نعيش في قصر ومرتاحين في جلستنا ولدينا خدم وحشم ونأخذ العود ونلحن. أنا الآن لدي هذه النظرة، عدت كي أعيد اعتبار هذه الموسيقى وعدت لمنطقتي ولشاعرة تكتب باللهجة البدوية التي تتكلمها جدتي وجدي ووالدي والتي فقدتها وأحن لها، وهي أيضا لهجة قريبة جدا من اللهجة العربية الفصحى. انظري أنت بالرجوع للجذور من خلال اللهجة، لكن الموسيقى فيها عمل ومزيج. والهوية التي أبحث عنها وهي إدخال الآخر والتواصل معه. أنا بالموسيقى الخاصة بي في ألبومي تم العزف على الكمنجة والتي هي آلة غربية والعود والرق، ولكن في الوقت نفسه تم العزف على الجيتار الإسباني والكاخان والتي هي آلة إسبانية وأيضا هي آلة إيقاع تستخدم في إسبانية في موسيقى الفلامينجو، وأيضا في موسيقى أميركا اللاتينية، كما أن لدي طبلة هندية. فعلا، هو عمل متنوع جدا ومن خلاله أحببت، أنا الفنانة الشابة التونسية والتي ثقافتها عربية إسلامية تحيا في الغرب، أحببت أن أكون هكذا متحضرة من جهة ومتأصلة من جهة أخرى. والألبوم اسمه «هايمة» سيصدر بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع في معهد العالم العربي في باريس وفيه إحدى عشرة أغنية. الأغنية التي كتبتها، وهي التي أعطت للألبوم اسمه وفيه الأغنية التي كرمت فيها روح جدتي لأنها للأسف فارقت الحياة وأنا في باريس وكان لدي امتحانات فلم أذهب حتى لأودعها الوداع الأخير، وبحياتي لم أودعها وأشعر أني ما زلت في حاجة كي أودعها وهذا يؤثر بي دوما فكرمتها في أغنية «فرخ الحمام» التي ذكرتها. كذلك غنيت أغنية قديمة تونسية غير معروفة، لكن الذي سيستمع لها لن يصدق أنها قديمة، لأننا عندما نعيد القديم نحاول أن نضيف له شيئا جديدا، فالأغاني القديمة التي أعيد غناؤها ألف مرة فماذا تكون الفكرة من ذلك؟ لكن أنت عندما تقومين بعملية بحث وتخرجين أشياء جميلة وغير معروفة يكون لهذا فائدة. والأغنية هذه اسمها الغربة، وبقية الأغنيات من كلمات ليلى المكي. فلسفة ابن عربي وحول إقامتها في باريس وما هي درجة تأثير ثقافتنا العربية بالمجتمع الأوروبي تقول:»مشكلة الغرب وقد قلت ذلك في حفلة لي أقمتها في باريس وسألتني قناة فرنسية ناطقة باللغة العربية، فقلت لهم في الغرب هم يحبون طعامنا والرقص الشرقي ويحبون موسيقانا وعاداتنا وتقاليدنا، ولماذا لا يحبوننا؟ فإما أن يحب الجميع أو يكره الجميع، وهذا طبعا أقوله للمزاح. الغرب، حتى وإن كنا نراه مختلفا في نشرات الأخبار، ولكن في الواقع هناك إقبالا كبيرا على ثقافتنا وموسيقانا. مثلا، مؤخرا قمت بحفلة ولم أكن الوحيدة، كنت مع آخرين ولكن أنا عملت مع كورال 85% منهم فرنسيون يغنون باللغة العربية، أي بحروف لاتينية نكتب لهم الكلمات العربية، ثم ترجمنا لهم النصوص وقد عملنا معهم لمدة أشهر، وعندما نرى القاعة الكبيرة وهي من القاعات المهمة ونرى أن 70% من الجمهور هم من الفرنسيين وأغلب المغنين من الفرنسيين يغنون باللغة العربية في قلب باريس نشعر بالفخر، حتى الذي بحياته لم يسمع عن ابن عربي ذهب وسأل وشاهد التصوف وفلسفة التصوف وفلسفة ابن عربي، الراقية جدا والتي تقول: نحن أخوان في الحب وفي الإنسانية، فابن عربي ينظر إلى ما وراء الأديان وإلى ما وراء المعتقد وهو الإنسان. وحب الله عز وجل، مهما اختلفت الطرق فنحن نلتقي في الحب الإلهي والعشق الإلهي. وهذا أكبر مثال على أننا أثرنا في الغرب. أنا عندما أقيم حفلة في باريس وفي معهد العالم العربي، أؤكد لك أن ستين بالمئة من الجمهور هم غربيون، منهم من يعرف ومنهم من يأتي بدافع الفضول. لكن عندما أكون فضولية تجاه موسيقى أو ثقافة، فأنا أعرف ضمنياً أنها تعجبني وأرغب في اكتشافها وأتعرف عليها أكثر. وأيضا في السنوات الأولى من الهجرة، كان المهاجرون من ذوي المستوى الثقافي المتواضع جداً، منهم من ذهب ليعمل ومنهم من أراد أن يكون نفسه وترك أهله في الوطن. هناك أيضا هجرة الأدمغة من المثقفين والصحفيين والفنانين. لقد تغيرت الهجرة وتغيرت الجالية العربية الموجودة، وهي تقوم هناك بنشاطات كثيرة مهمة. الذي يعجبني في المجتمع الفرنسي فضوله واندفاعه نحو المعرفة، فهو متعطش يحب أن يعرف الآخر. عندما تقدمين طعاماً للفرنسي يتذوقه ثم يقول لك إن أعجبه أم لا، ولكنه لا يرفض. يكفيني أن يأتي بعد كل حفلة أقيمها أحد مهتم بما أقدمه. في مرة أتت لي عجوز دامعة العينين قالت لي لم أفهم ولا كلمة، ولكن شعرت بأن عميق صوتك كان كالنسمة وقد وصلني إحساسك وهذا يكفيني». اللهجة المحكية أما الذي تفضله أكثر من الشعر والتراث القديم في أغانيها أم اللهجة المحلية، فتؤكد: بصراحة أنا أحب اللهجات، لقد غنيت باللغة العربية الفصحى وغنيت قصائد، لكن هناك شيء يجب أن نعرفه: اللغة الفرنسية تتطور وكذلك الإنجليزية لأن المحكي هو المكتوب. مشكلتنا في اللغة العربية الفصحى، أنها ليست لغتنا الأم.. اللغة الأم هي اللهجة المحكية، ففي لبنان هي اللهجة اللبنانية، وفي تونس هي اللهجة التونسية، وغيره. فيجب أن نجد حلا للغة العربية لأن لغتنا أصبحت من اللغات الميتة كاللغة اللاتينية، اللغة اللاتينية يقرؤونها في الجامعة ولكن لا يتكلمون بها في الحياة العادية. كذلك بالنسبة للغتنا العربية، في قنواتنا والتي هي إخبارية يتحدثون اللغة العربية الفصحى لكن لا أحد يتكلم بها في الحياة العامة. هذا ليس بموقف، فأنا درست الأدب العربي وأمتلكها وليس لدي مشكلة فيها، ولكن نحن نتحدث عن الإنسان العادي فعندما يحب قلبه يتحدث بالعامية. فبالنسبة لي أن أغني باللهجة اللبنانية المحكية أو المصرية أو غيرها، هذا يسعدني أكثر. لكن هذا لا يمنع من أني أعشق القصائد والموشحات. «حكاية نغم» وعن التواصل بين الفنانين العرب كما هو الحال بالتواصل مع الأوروبيين تقول: التواصل موجود وقوي لأنه ليس هناك مهرجان يقام مثلا في مصر إلا ويكون من بين المدعوين مغربيون ومشرقيون، كذلك لا يقام مهرجان في تونس إلا ويكون حاضرا فيه من الجاليات العربية المختلفة. كذلك هنا في الإمارات، هناك من مختلف الجنسيات حاضرون، العرب موجودون، وأينما وجدت الفنون يكون التواصل قائما ولنقل إن جنسيتي قد أصبحت عربية ولم تعد فقط تونسية. أنا أعمل براديو مونت كارلو، فإلى جانب أني مغنية أنا أقدم برنامجا فيها باللغة العربية الفصحى، ومنها برنامج «حكاية نغم» والذي يحكي حكاية أغنية عربية أو أجنبية، ونحاول أن نجري حوارا مع مغني هذه الأغنية، ومستمعي في مختلف الدول العربية. لهجتي لم تعد تونسية مئة بالمئة، فأنت تجدين فيها كلمة مصرية وأخرى تونسية ولبنانية وأردنية وسورية، وأحب هذه الهوية الجديدة. نحن محتاجون لأن نعود لثقافة بلدنا، وأنت تحنين لموسيقى بلدك وللأهازيج التي تربيت عليها، لكن في نهاية الأمر هناك تواصل إنساني أيضا، نحن نتقاسم نفس الأشياء ونفس الثقافة والشعر». تواصل إنساني جميل في سؤالها عما إذا كانت هذه زيارتها الأولى للإمارات العربية؟ وكيف ترى مدينة أبوظبي؟ وكيف كانت نظرتها لها عن بعد وكيف وجدتها عن قرب، تقول عبير نصراوي: نعم، هذه زيارتي الأولى لدولة الإمارات، وقد استمتعت كثيرا في أبوظبي وكورنيشها الرائع، الذي أبهرني بهدوئه ومظهره وبساطته.. . وهناك جنسيات متعددة تعيش في الإمارات، كما نحن كجالية عربية متعددة الجنسيات نعيش في باريس فتشعرين بأنه لم يعد هناك مشكلة في أنك لا تفهمين لهجة الآخر، لأن كل شخص يحاول التقرب من الآخر، تجدين في طبقة المثقفين هذه المشكلة ليست موجودة، فهناك تواصل جميل وإنساني وأنا سعيدة به جدا وإن شاء الله يكون هناك تواصل أكبر وأكبر في المستقبل».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©