الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصور بين الرمال

قصور بين الرمال
6 يناير 2008 00:20
نسمي السرطان في الإمارات والخليج ''القَبْقُوب'' أو ''القٌبْقُبْ''، ويسمونه في الشام ''السلطعون''، وفي العراق ''أبو الجنّب''، وفي مصر ''أبو جلمبو وأبو حنجل والكابوريا''، وكنيته ''أبو بحر'' حيث يحفر لنفسه جحراً ذا بابين أحدهما يفتح إلى الماء والآخر إلى البر مما يدل على مكره وخداعه· وهناك مجموعة السرطانات الأصيلة كالسرطان الشبح والسرطان العازف وسرطانات الصخور وغيرها، أما السرطانات غير الحقيقية فهي ''أشباه السرطانات'' ومنها السرطان الناسك وسرطان البورسلين وسرطان الرمال وغيرها· نظراً لحساسيته المفرطة لوقع الأقدام أو حتى الحركات البعيدة، تابعت بالعدسة ''الزووم'' وعن بعد معقول، حفريات وإنشاءات سرطان الرمال الصغير الحجم كحبة بندق أو أصغر، لثلاثة صباحات متتالية ومجهدة في الشمس الحارقة للشاطئ، كي أقتنص له مجموعة من الصور التذكارية والبورتريهات الشخصية وهو يبني مأواه العجيب في الرمل· بيت سيأتي كل مرة بشكل مختلف ربما يقصده أو لا يقصده هذا المهندس اللطيف، وهو يرصف بدقة وأحجام متساوية كرات الرمل المستديرة التي تلمع تحت أشعة الشمس كالبلور، فهاهنا تجد قصراً على شكل وردة ندية، وهناك دار على شكل قلب خطه رسام حاذق، وهناك فيلا مصممة على شكل نجمة أو تلة أو بركان أو حتى علامة سؤال· وهناك سراطين كسولة جاهلة تبني بيوتاً عشوائية لا طعم لها ولا لون، حتى ليمكن القول عنها إنها ''بيوت مبنية على طراز غير شكل''!· رصدت اللقطة تلو اللقطة وأنا أتساءل بحيرة: ماذا يفعل هذا المخلوق الصغير حقاً؟ هل يأكل ويرمي الباقي نحو أقدامنا؟ هل يرسم منطقته الحدودية ليضع لافتة ربما سيكتب عليها لاحقاً: ''منطقة حدودية، ممنوع اللمس أو الاقتراب أو التصوير''! أم أنه يغزل بيتاً لحبيبة القلب التي ستمر بعد قليل وسيتغزل فيها على مهل وهو يستعرض بتهور إنجازه الهندسي، غير مكترث بتهديد مناقير الطيور الجائعة أو خطوات الحيوانات والبشر الغافلين، وغير مهتم بالخطر الأكبر وهو ''تسونامي'' البحر الذي لن يخرب بيته وحده فقط، بل مئات بيوت جيرانه الأقربين والأبعدين بضربة واحدة!؟ يضرب المثل بآثار أنامل السرطان المتحركة على الرمال للدلالة على عدم الوضوح، وقد وصف أحد الظرفاء خطّاً رديئاً بقوله: ''نظرت في خط مُخْتَطّ، كأرجل البطّ على الشطّ، أو أنامل السرطان على الحيطان''!· إلا أن السرطانات حيوانات بحرية عجيبة ماكرة تتحرك سريعاً في كل الاتجاهات دون أن يتغير اتجاه جسمها فتقبل وتدبر بنفس السرعة، ومعظم أنواعها بحرية، وبعضها يعيش في المياه العذبة بالأنهار والمستنقعات، والقليل جداً منها يعيش على اليابسة قريباً من المياه، وغالباً يتسلق الأشجار ويهاجر في جماعات إلى مصادر المياه القريبة أثناء موسم التزاوج· السراطين ليست سباحة ماهرة، فالسرطان اللص أو سرطان جوز الهند شوهد يتسلق الشجر أحياناً، أما السرطان الناسك فيعيش داخل أصداف الرخويات طلباً للحماية، فإذا شعر بالخطر سارع للاختباء في صدفة مسروقة، وبعض السراطين تلجأ للجري السريع تفادياً لأعدائها، كالسرطان الشبح الذي يتواجد بكثرة على شواطئ المناطق الرملية الدافئة، والسراطين الوحلية التي توجد لنفسها فجوات تحت الوحل كي تختبئ فيها، وهناك السرطان الجندي الذي يحفر غرفة صغيرة في الرمل عندما تغمره مياه المد، وعند انحسارها يخرج مفتشاً عن قوته· حركات السرطان الميكانيكية جداً تشبه حركة اللعبة السريعة، لاسيما أن السيد الظريف يولد وهو مزود بكماشتين متصلتين بيديه، ليتمكن من التقاط أصغر القطع، حيث يتغذى على العوالق الموجودة في تيارات المحيط الغنية· فالسرطانات تتغذى بتصفية الماء والرمل، ولذلك يطلق عليها اسم حيوانات المصافي، فكل ما تفعله هو تصفية الماء لتحصل على غذائها اليومي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©