الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطبيعة والفن مزيج يكسب غابات كيرلا الهندية سحراً خاصاً

الطبيعة والفن مزيج يكسب غابات كيرلا الهندية سحراً خاصاً
1 سبتمبر 2014 20:05
للمطر إيقاع موسيقي محبب، وخاصة في شهور الصيف الحارة، لكنه لا يخلو من رهبة. وفي الطريق من مدينة تريشور إلى كوتشين على ساحل كيرلا الغربي، في الهند، تلبية لدعوة لحضور ندوة حول الأدب العربي- الهندي، أقامتها “أكاديمية كيرلا للآداب” على مدار يومي الثامن والتاسع من الشهر الماضي، أمضينا نحو ساعتين ونصف الساعة تحت عاصفة مدارية من المطر. في البداية يشعر المسافر الغريب بشيء من الخوف، وخاصة لمن لم يشهد في حياته من قبل مثل هذا المطر المتدفق بغزارة مدهشة. كانت مساحات السيارة عاجزة عن كشف الطريق بوضوح، لكن مهارة السائق الشاب جعلت الرحلة آمنة، ويبدو أن الناس اعتادوا على العيش والسفر في موسم المطر الممتد من يونيو إلى أغسطس. غنى المكان قبل يوم من هذه الرحلة، قمنا بجولة في الغابات وكنا في طريقنا إلى الشلالات. كان الجو صافياً والشمس ساطعة، وأشجار جوز الهند والموز وأنواع أخرى من أشجار الغابات المعمرة والجديدة من مثمرة وغير مثمرة، تجاور الطريق من جانبيه حيث اكتسى سطح الأرض ببساط أخضر من مختلف الأعشاب، مطرز بألوان من الورود والأزهار. بينما كانت البيوت الريفية والمحال التجارية الصغيرة تبدو مثل الأكواخ التي تحف بها العرائش الخضراء. توقفنا أمام كومة من جوز الهند الأخضر، وأخذ البائع يقطع أعلى الثمرة بمهارة ويضع الشلمونة فيها ليقدمها لكل واحد من الزوار، وراح يحدثنا بلغته البسيطة عن سروره بأن يرى كل يوم وجوها جديدة من السياح يزورون المنطقة قاصدين الشلالات، بينما كانت كاميرات الإعلام المرافقة للوفد الزائر تأخذ لقطات من هذا المشهد الريفي الجميل. ومن هناك بدأنا السير في طريق ترابي منحدر مرصوف بالحجارة يمتد طوله ما يقارب كيلومتر، قسم منه منحدر جدا بحيث لا يمكن للكبار بالعمر أن يواصلوا السير إلى نهايته، وهي عبارة عن صخور طبيعية كبيرة تحيط بنهر عريض من المياه العذبة التي تنحدر من الأعالي متدفقة بشلالات كأنها من الفضة والماس تتلألأ تحت أشعة الشمس، والجبال تبدو شامخة من ورائها، ولا يمكن للكلمات أن تنقل روعة تلك الصورة الجميلة من الخضرة والجبال ومياه الشلالات. جمهور كبير كان يزور المنطقة، وكل واحد يقوم على طريقته بالتقاط صور تلك البقعة التي لا تزال على طبيعتها البكر، وكانت بعض الحيوانات، وخاصة من “السعادين” الصغيرة تقفز بين الممرات وعلى غصون الأشجار، بينما انتشرت أكشاك البيع لقطع من التحف الفنية والأشغال اليدوية التقليدية التي يختارها الزوار من أشكال خشبية تعبر عن فنون المنطقة وتراثها الهندي العريق. لوحات ثرية كانت مناسبة الزيارة إلى مدينة تريشور بمشاركة عدد من أدباء الإمارات وبعض البلدان العربية في ندوة حول الأدب العربي- الهندي والترجمات المتبادلة بينهما، أقامتها لأول “أكاديمية كيرلا للآداب” على مدار يومي الثامن والتاسع من الشهر الجاري. وبعيدا عن إلقاء الشعر والحديث عن الترجمة كان برنامج الافتتاح حافلاً بالفن والموسيقى. كان في استقبال الجميع من الضيوف المشاركين وأساتذة الأكاديمية وطلابها فرقة موسيقية بأزيائها المميزة وآلاتها الإيقاعية والنحاسية والوترية، حيث بدأت العزف وأداء الحركات الراقصة في الساحة الرئيسة المظللة بالأشجار أمام مدخل الأكاديمية، وقد استمر هذا الحفل الفني نحو عشرين دقيقة، ثم استكملته داخل قاعة الندوة فنانة هندية شابة صدحت بصوتها العذب الشجي بأغنية شعبية استقبلها الجمهور الذي غصت به القاعة بالتصفيق. هذه الفقرة الفنية من موسيقى وغناء ورقص كانت بداية جميلة مختلفة عن أغلب المناسبات الأدبية التي تأخذ عادة طابعا رسميا يقتصر على الآراء والمناقشات. وفي إطار من القراءات الشعرية العربية والهندية، تم تكريم الدكتور شهاب غانم من قبل وزير الثقافة ك. سي. جوزيف لحصوله على جائزة طاغور للسلام. وبعد الانتهاء من فعاليات الندوة كانت لنا جولة بين المعابد والمتاحف والأسواق في المدينة، منها متحف التقاليد الذي يضم عددا كبيرا من اللوحات الفنية والتحف التقليدية مرسومة أو مشغولة بأساليب هندية متنوعة، وفي فترات زمنية مختلفة وهي تتميز بألوانها الشرقية الزاهية. ومن أجمل ما في القاعة الرئيسية الواسعة من المتحف دائرة مزخرفة تغطي قسما كبيرا من وسط القاعة وقد وقف على طرفيها شابان متقابلان لكي يلفتا انتباه الزائرين لكي يبتعدوا عنها لأنها مرسومة من ذرات التراب الناعم، كما أن هذا العمل الفني مرسوم بأشكال هندسية مزخرفة ومناظر فنية مبتكرة رائعة. طقوس شعبية خرجنا من المتحف لنواجه أمامه بائع أطواق من زهر الياسمين، وقد امتدت إلى جانبه المحال الصغيرة والكبيرة التي امتلأت بأنواع من الأقمشة الملونة والثياب والصناعات التقليدية، والتوابل المتنوعة التي اشتهرت بها الهند. لكن أكثر ما اجتذب أنظارنا بطقوسه الشعبية الجميلة هو أن سيارة جديدة وقف بها صاحبها وعروسه أمام بوابة المعبد ليباركها له الكاهن، وقد أشعل أمامها أعواد البخور ثم مسح مقدمتها بالزيت المبارك معلنا انتهاء المشهد بالدعاء للعروسين بحياة سعيدة. ونختتم هذه الجولة في قلب الغابة حيث الأشجار الضخمة، وفيها مزارع لعشرات من الفيلة الأليفة التي يقوم على العناية بها أشخاص مدربون حيث ينشأ تآلف وتفاهم وعلاقة ودية بين الفيل ومن يعتني به. ورغم اللوحات الخشبية والمعدنية المنتشرة بالقرب من مرابط تلك الفيلة والتي تنبه الزوار إلى أن الفيل مزاجي ويمكن أن يغضب ويؤذي من يقترب منه، إلا أن بعض المشرفين على الأفيال كانوا يمسحون على عنق الفيل ويحادثونه بلطف، حتى يسمح لنا بالاقتراب منه وملامسة جلده الخشن والتقاط صور تذكارية إلى جانبه. أمضينا أسبوعا في كيرلا التي أخذت اسمها من اللغة العربية “خير الله” كما أن لغتها “مالايالم” مأخوذة من العربية أيضا “ما لا يعلم”. ولعل مدينة “كوتشي” الساحلية التي أضاف إليها المستعمرون حرف النون فصارت “كوتشين” تستحق من زائرها وقفة مستقلة. ولن أنسى في ختام هذه الزيارة أن أشير بكل الإعجاب والتقدير إلى الطبيعة الهادئة والمسالمة التي يتمتع بها شعب كيرلا. وربما الشعوب الهندية جميعها. فخلال الأسبوع لم نسمع كلمة صارخة ولم نشهد خلافا أو مشاجرة، رغم أن ازدحام السير وكثرة المركبات المختلفة من الدرجات النارية إلى الركشا ذات العجلات الثلاث إلى نوعين من التكسي، صغيرة وعادية، إضافة إلى الباصات وسيارات النقل بأنواعها. كل ذلك يتابع طريقه ويسير بهدوء وطول بال، بلا ضجر ولا عصبية ولا غضب. وفي ذلك التراث العظيم تتوهج ذكرى غاندي فيلسوف السلام وتتجلى عظمة الهند.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©