الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السياحة تحفظ ماء وجه «الكراب» في المغرب

السياحة تحفظ ماء وجه «الكراب» في المغرب
1 سبتمبر 2014 20:05
يقصدونه حين يشتد الحر لإرواء عطشهم والاستمتاع بالنظر إلى ملابسه المميزة، التي لم تتغير مُنذ عقود طويلة من الزمن، أو أخذ صور فوتوغرافية تُوثِّق رحلتهم وأيامهم الجميلة التي استمتعوا بقضائها في المغرب. . إنه “الكراب” أو “الساقي”. وهو وجه مألوف في المغرب ورمز من رموز الفولكلور المغربي، حتى أصبح علامة مُسجلة ترمز إلى السياحة المغربية ورمزا من رموز الكرم وحسن الضيافة، إلا أنها باتت مهددة بالانقراض بسبب تراجع الإقبال على العمل بها نظرا لتدني دخلها، وانعدام الاهتمام الحكومي بها. لقاء دافئ أجراسه النحاسية تتلألأ من شدة الصقل والنقاوة وحين تنعكس عليها أشعة الشمس الحارة، تخطف الأبصار. لباسه الأحمر مُميّز فهو ينتعل “بلْغتُه” الفاسية بتصميمها المغربي العريق والأصيل. أما قبّعته الكبيرة التي تحميه من لهيب أشعة الشمس الحارقة فهي قُبعة مُستوحاة من القبعات المعروفة في المكسيك ودول أميركا الجنوبية. ولا تفارق محياه ابتسامته الصادقة والتي تعكس صفاء روحه وسعة قلبه وتواضعه والقناعة التي تملأ قلبه، وإيمانه بقيمة الماء وقدسيته، ذلك الذي يحمل كمية منه في قربته الكبيرة المصنوعة من جلد الماعز. يمشي هذا “الكراب” مزهوا بخطاه ويرسم الابتسامة على وجه السياح، ولا تكتمل فرحته إلا حين يأخذ قبعته الحمراء والمُذهبة ويضعها على رؤوس أبناء وبنات سياح يزورون ساحة جامع الفنا العريقة بتاريخها النابض في قلب مدينة مراكش، ويرى أبناء السياح يتقافزون فرحا أمامه معبّرين عن فرحتهم بأخذ الصور معه. وابتسامة هذا “الكراب”، كما يسمونه في بلاد المغرب، والمرسومة على وجهه هي ابتسامة صادقة، يرسمها أمام السائح الأجنبي من جنسيات مختلفة، على الرغم من ظروفه المادية الصعبة التي يعيشها، فَهَمُّهُ الوحيد هو أن يصنع فرح الناس مُتَنَاسِيا آلامه وأحزانه وفقره وحسرته على ما آلت إليه مهنة “الكراب”، التي كانت تُغْني صاحبها قبل عقود من الزمن، يوم كان الإقبال على الماء، الذي يحمله في قربته، مرتفعا نظرا لشُح الماء ونقاوته. تغير الحال يقول “الكراب” السيد علي (70 سنة)، الذي يسكن في حي شعبي من أحياء مدينة مراكش “منذ خمسة عقود وأنا أعمل في هذه المهنة التي كانت مزدهرة وكانت مهنة تكسب صاحبها مالا وفيرا، لكن الزمن تغير، “ودوام الحال من المحال”، كما يقول المثل حيث بدأت الأجيال الحديثة في المغرب تتنكر لِمِهْنَتِنَا التي تشكل علامة بارزة من علامات الأصالة المغربية وهي تعكس كرم المغرب والمغاربة، فكل من يطلب منا شربة ماء لا نحرمه منها نحن هدفنا إرواء عطش السائل حتى ولو لم يدفع لنا قرشا واحدا، فنحن نكتفي ونقنع بكلمة شكرا وأجرنا عند الله”. ويضيف “حتى في أشد الأيام الصيف حرارة فنحن لا نربح إلا دراهم معدودة من السائح الذي يكون كريما معنا”. ويؤكد السيد علي “لا يمكن أن أترك مهنتي التي أحببتها وتعلقت بها منذ عقود، على الرغم من أن المرض غافلني، وأصبحت لا أقوى على قضاء الساعات الطويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، لكن مهنتي تجعلني أحس بالسعادة حين يطلب مني السائح الأجنبي الإذن لأخذ صور لي ليحملها معه تذكارا جميلا من المغرب”، مضيفا “هؤلاء السياح يكونون كرماء معي ومع غيري ممن يمتهنون حرفتي ويدفعون لنا بسخاء حين نضع قبعاتنا المزكرشة على رؤوسهم ويأخذون صورا جميلة معنا لأن “الكراب”، علامة من علامات السياحة المغربية، رغم أن وزارة السياحة لا تهتم بنا ولا تقدم لنا مساعدات لاقتناء لوازم المهنة، خصوصا أن بعضها باهظ الثمن كالأجراس النحاسية التي أصبحت نادرة جدا لأن نحاسها من أصفى وأرفع الأنواع”. خطر الاندثار مهنة “الكراب” لم تجد لها مكانا وسط الأجيال الشابة؛ فمن النادر أن تجد في أشهر الساحات والفضاءات السياحية شابا يعمل فيها من الجيل الجديد فهؤلاء الشباب تنكروا لحرفة أحبها الأجداد والتي كانت مصدر رزقهم لسنوات طويلة، وحتى المواطن المغربي لم يعُد مُقبلا على خدمات الكراب لإرواء عطشه من ماء قربة مصنوعة من جلد الماعز، تفاديا لإصابة بمرض من الأمراض المعدية وجلّ الشباب أصبحوا يشترون الماء المعدني المعبأ في القوارير البلاستيكية، ولا يحبون مشاركة الآخرين في استعمال الكؤوس النحاسية التي يحملها “الكراب” خشية الإصابة بالأمراض المعدية أو المتنقلة، حتى لو كانت تلك الكؤوس نظيفة، حيث يحرص “الكراب” على تنظيفها أمام أي زبون قادم. ويؤكد نجيب، صاحب محل من محال بيع التحف النحاسية في زقاق خلفي من أزقة جامع الفنا، أن مهنة “الكراب” أصبحت مُهددة بالانقراض، فالشباب لا يرغبون في احتراف مهنة كانت تُشرّف الأجداد، وحتى الأواني النحاسية التي تعتبر رأسمال “الكراب” أصبحت نادرة جدا ويتهافت عليها أصحاب “البازارات”. ويرى نجيب أن “الكراب” المغربي يواجه خطر الانقراض شأنه في ذلك شأن الكثير من المظاهر الاجتماعية التي تخلى عنها المجتمع المغربي المتحول باستمرار، لأن “هجمة” العولمة لا ترحم أحداً، مشدداً على أنه يجب على وزارة السياحة أن تبادر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه للحفاظ على مهنة “الكراب” من الاندثار لأنه رمز وعلامة تُجسد الأصالة وكرم المغاربة. ويقول نجيب “حين يموت أحد هؤلاء ممن يحترفون مهنة “الكراب” فإن أصحاب بيع التحف النادرة يقصدون أبناءه لكي يقتنوا منهم أوانيه النحاسية ويعرضون عليهم مبالغ خيالية لأن تلك الأواني أصبحت تحفا نادرة يصعب الحصول عليها”. ذكريات الطفولة حول رأيها به، تقول سائحة فرنسية «الكراب بلباسه هذا وأجراسه النحاسية المتلألئة هو تحفة فنية تمشي على قدميها»، ومضيفة «أحب المغرب وأزوره كل عام تقريباً، لأن هذا البلد هو مسقط رأس والدي الذي اشتغل طبيباً في مدينة مراكش لعقود طويلة من الزمن، وقد احتفظت مُخيّلتي بِصُور جميلة من مراكش وبين تلك الصور صورة «السقاء» الذي عشت كل طفولتي وسنوات عمري الأولى وأنا أراه يجوب الحارات، داعياً الناس لشراء حمولته»، متابعة «دقات أجراسه النحاسية لايزال صداها يدق في أعماقي، وحين أزور مراكش أجدني أستعيد الزمن الهارب من حياتي ولا تكتمل فرحتي إلا حين أرى «الكراب» يجوب بقربته ساحة جامع الفنا، وحين أزور مراكش أبحث عنه لأشرب من ماء قربته التي تُذكرني بطفولة بعيدة قضيتها برفقة والدي في مدينة مراكش أيام كان الكراب يعيش أيامه الذهبية». صور مع مشاهير يضيف السيد علي، الذي يعمل في مهنة السقاية «لا أملك أي مدخول مادي أعيش به، فوزارة السياحة تتنكر لنا ولا نستفيد من صناديق التقاعد، وحين يمرض أحدنا يتكفل به أصحاب القلوب الرحيمة على الرغم من أننا نسدي خدمة جليلة للسياحة في هذا البلد». ويضيف «في ساحة جماع الفنا التقطت لي صور مع مشاهير العالم من ممثلين ومطربين ورسامين وكبار الأثرياء ورؤساء الشركات العابرة للقارات، وأنا أعتز بكوني أصنع الفرحة لهؤلاء، فهم يُعجبون بزيّنا المُميز وبِقُبّعاتنا الجميلة والمزينة بخيوطها البراقة. كما إن كبار الرسامين رسمونا في لوحاتهم التي تباع في أشهر المعارض العالمية»، لافتاً إلى أن صور «الكراب» مطبوعة على البطاقات البريدية المغربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©