الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

إشكالية الإصلاح·· والإرهاب الدموي في الشرق الأوسط

18 أكتوبر 2006 02:35
د· رسول محمد رسول: ببساطة، لا نحتاج إلى كثير من العناء لكي نحدِّد معنى (الإرهاب المعولم)، فهو نمط من العُنف الدموي الذي يتوسَّل أصحابه كل تقنيات الاتصال المتقدِّمة التي تجعل من الكوكب الأرضي متراصاً بشبكة عنكبوتية واحدة في سبيل تحقيق أهداف مجموعات هذا الإرهاب التي لا ترى في كيانها سوى أنه على طريق الصواب وكل ما عداه من كيانات أخرى مغايرة على طريق الخطأ، وهي الجماعات التي يمتاز عنفها بنزعة تدميرية جذرية قاتلة ويستند إلى منطق الإبادة الشاملة· كان المتغير الإسلامي في إيران نهاية عام ،1979 وحرب الخليج الأولى مطلع الثمانينات، وتأسيس تنظيم (القاعدة) عام ،1988 وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق عام ،1989 وحرب الخليج الثانية عام ،1991 وصعود نظام طالبان في التسعينيات، فضلاً عن صعود جماعات إسلامية راديكالية توسَّلت العُنف الدموي في عملها بالجزائر وغيرها في العقد نفسه، قد أسهم كل ذلك، وعلى نحو فاعل، في بلورة رؤى أصولية ذات منحى راديكالي دموي، كانت بمثابة الغطاء الأيديولوجي لتنظيمات مسلحة ساعدت بعض دول المنطقة العربية والإسلامية ودول النفوذ الغربية الكبرى على تغذيتها وفق أجندات خفية ومعلنة، فحازت تلك الجماعات على امتياز الفئات البشرية المتعولمة التي لا تعرف للحدود مكاناً ولا للجغرافيات مغزى، بل حازت على المواطنة العالمية عندما ارتبطت جماعات كثيرة منها بمؤسسات إسلامية وعربية وعالمية عابرة للجغرافيا مستفيدة من الفرص التي وفرتها العولمة لإنسان نهاية القرن العشرين كي يخرج من جحيم المحلية إلى العالمية بيسر وسهولة· تعد هذه الجماعات الدموية الراديكالية المتعولمة أحد أهم التحديات التي تواجه راهنيَّة الكوكب الأرضي؛ فهي لم تعد في مكان واحد إنما تعمل في كل الأمكنة، وهي لم تعد تعمل في الأقبية إنما على سطوح الكوكب الأرضي، وهي أيضاً لم تعد تحترم أي خطاب ربّاني أو بشري سوى خطابها الشيطاني التي صارت تؤسلمه بما تجود عليها آليات التأويل التي تعتمدها وفق رؤاها الراديكالية المتطرِّفة في قراءة المقدَّس الديني والمؤنسن الدُّنيوي· صدّام وبن لادن فبالنسبة للعراق مثلا، لم يكن فيه حتى نهاية حرب الخليج الثانية أي نشاط للجماعات الأصولية التفكيرية· حيث كانت هناك أحزاب عمل إسلامي أصولية تسعى منذ عام 1917 إلى إنهاء أسطورة الاحتلال البريطاني وحكومات الاستبداد الفاسد التي تتالت على العراق، لكن كل تلك الأحزاب ما كانت تكفيرية على الصعيد المذاهبي، بل لم يعرف عراق القرن العشرين أي نمط تكفيري، خصوصاً بعد هزيمة الفكر الوهّابي السَّلفي ابتداءً من عام 1924 عندما رحل محمود شكري الآلوسي (1856 ـ 1924) الذي كان آخر مروِّجي الأفكار الوهّابية في العراق· ولكن كان في العراق، ومنذ بداية حرب الخليج الأولى في الثمانينيات، بعض الجماعات السَّلفية أو الوهّابية المدعومة من دول الخليج العربي، كان نظام صدام قد شجَّع وجودها، وعدد من ضبّاط المخابرات العراقية منخرطون فيها ما دلّ على أن الجماعات الوهّابية كانت مُخترقة من قبل أجهزة صدّام الأمنية، لكن تلك الجماعات كانت مهزومة على الصعيد المجتمعي في العراق، بل كانت موضع سخرية مجتمعه الأهلي وطوائفه المذهبية، وهو مجتمع شيعتهُ من الجعفرية وسنَّتهُ من الأحناف والشوافع والمالكية، أما الحنابلة فلا وجود لهم في العراق حتى يكون لهم أتباع بالبلاد· كان الرئيس صدّام في الثمانينيات بحاجة إلى جماعات ضغط أصولية لتحقيق توازن في الداخل العراقي الذي كان في حرب مع إيران الشيعية حسب القراءة الأميركية / الخليجية، وهو العراق الذي نخرته الحرب والعقوبات الاقتصادية لاحقاً، وزعزعته عزلة نظامه العربية والدولية في خلال التسعينيات، وبالفعل شرع صدّام بالاتصال مع تنظيم (القاعدة) عندما كان أسامة بن لادن مقيماً بالسودان في أواخر إقامته هناك عام ،1996 وتطوَّر الاتصال أكثر بعد انتقال بن لادن إلى أفغانستان في مايو ،1996 وأثمرت جهود خمسة أعوام من تلك الاتصالات عن استقبال مجموعات من تنظيم (القاعدة) المدربين وفق لوجستيات نظام طالبان القتالية، وإرسالهم إلى مناطق نائية في شمال العراق (شمال كردستان) في وقت وقَّع فيه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون قراراً في منتصف عام 1996 أمر فيه أجهزة الاستخبارات الأميركية باستخدام كافة الوسائل اللازمة للقضاء على تنظيم (القاعدة)· أما في بغداد، فشرع صدّام في تدريب مجموعات من العراقيين من ذوي التعليم البسيط وخريجي السجون والإصلاحيات على أساليب القتال وفق ما يتم تدريبه في أفغانستان، فصار لصدّام تلك الجماعات المتطرِّفة في تدريبها وفي توجهاتها، وهي التي عندما سقط نظامه في أبريل ،2003 خرجت من جحورها لتجد قيادات من نظام طالبان العدواني تتوافد على العراق الذي فُتحت حدوده أمام الجميع برغبة أميركية حميمة لجذب الأميركيين (القاعدة) إلى العراق، وليكون هذا البلد جبهة مركزية مشرعة الأبواب لمكافحة الإرهاب، فالتقى المتطرِّفون الدمويُّون ليعيثوا في العراق الفساد والقتل والدمار، وليجدوا أمامهم الدعم المالي الفاحش الذي يرد إليهم من دول الجوار· الإصلاحيات المُتصادمة!! نحن اليوم إذاً بإزاء مشهد تتصادم فيه النماذج الإصلاحية الراهنة، أنموذج إصلاحي طالباني، أنموذج إصلاحي أميركي احتلالي، أنموذج إصلاحي أميركي ديمقراطي، أنموذج إصلاحي جماهيري، أنموذج إصلاحي إسلامي معتدل، ونماذج عربية أخرى كالأنموذج الإصلاحي الجمهوري، والأنموذج الإصلاحي الأميري، والأنموذج الإصلاحي الملكي، وهي نماذج إصلاحية تسعى إلى بسط رؤاها الإصلاحية على المجتمع· إن التحدي الأكبر هو ما نشاهده بل ونلمسه اليوم من تصادم قاهر بين الأنموذج الإصلاحي، وبقية النماذج الإصلاحية الأخرى التي ربما تتخلّى نسبياً عن تصادميتها لتتوجَّه نحو الحوار والتفاهم والتعايش، وتلك مناحٍ لا نجد لها أي مظهر في وعي الإصلاح سوى الرفض الجذري للحوار والتفاهم والتعايش البشري والإنساني والحضاري لتقف تلك الإصلاحية عائقاً أمام تصريف الأفكار الإصلاحية الإنسانية والحضارية في الواقع الميداني الملموس للمجتمع، تلك الأفكار التي تحفظ للإنسان كرامته وتعلي من قيمته في الدنيا، وتسعى إلى خلق مستقبل آمن له، وتدفعه إلى الحوار الثقافي والتعايش البشري الخلاق· وحتى اللحظة لا يوجد إحصاء رقمي عن قيمة الخسائر التي أنفقها العالم بسبب العنف الدموي المعولم الذي ضرب البلدان· لقد تحدَّث العراقيون عن مليارات عدَّة خسرها بلدهم بسبب العنف الطالباني في العراق، لكنها أرقام ما زالت غير دقيقة، فقد قال المفتش المستقل للحكومة الأميركية في شأن مشاريع الإعمار بالعراق أن العراق فقدَ 16 مليار دولار من عائدات تصدير النفط في فترة عامين تقريباً لأسباب منها هجمات المسلَّحين على مرافق البنية الأساسية في البلاد· أزمة الدرس الإصلاحي ! ربما تكون النتائج الإصلاحية المادية معلومة، إلا أن النتائج النفسية والثقافية والحضارية أكثر فحشاً من الخسائر المادية، والأنكى من ذلك الخسائر في الموارد البشرية، فأين النُّخب العراقية ؟ إنها هائمة في أرض الله، منتشرة في دول كثيرة، أكثرها عاطل عن العمل، وغيرها ينتظر الموت بحسرة· وكم من غير النُّخب وهو البريء من كل ذنب بسبب العُنف الدموي الذي أنزلت الإصلاحية الإرهابية صوره كالحمم النارية على العراقيين إن جهوداً دولية وإسلامية وعربية تبذل من أجل تقويض النظم الإصلاحية الراديكالية المتطرِّفة في عالمنا الراهن، وتحت مسميات عدة، ووفق سياسات وأساليب متعدِّدة· ويقف الكتّاب والمحلِّلون السياسيون العرب وغير العرب مواقف مختلفة في شأن كل تلك الأساليب والسياسات الخاصة بتقويض تلك النُّظم، وما زال هناك ممَّن يقف إلى جانب الإصلاحيات المتطرِّفة··· في حين هناك ممَّن يقف موقف المعادي لها ويعمل ملء جهده من أجل التخلُّص منها· ما هو مؤسف أنه لا توجد مؤسسة واحدة في الوطن العربي أو في منطقة الشرق الأوسط معنية بدراسة خطاب تلك الإصلاحيات الدموية، كل ما هنالك مئات من المقالات التحليلية والنقدية لظاهرة الجماعات الدموية المسلحة، ومع ذلك لا توجد دراسات متخصصة تقرأ العنف الدموي بوصفه خطاباً إصلاحياً كما يذهب إلى ذلك أهله ودعاته· وربما لا غرابة في الأمر؛ فالدرس الإصلاحي في الشرق الأوسط ما زال مغيَّباً عن مدارس التعليم وعن الجامعات العربية والإسلامية، بل وفي مراكز البحوث بالمنطقة، الأمر الذي يعني إننا بحاجة إلى جهد علمي حثيث من أجل دراسة تلك النُّظم مرجعيات العنف الدموي كرؤى إصلاحية راديكالية لكي نقف عند سلطتها المعرفية بقدر ما نقف عند فعالياتها الميدانية بغية الوصول إلى مداخل من شأنها السيطرة على موجهاتها الإصلاحية وقدراتها الإجرائية التي من خلالها سيطرت تلك النُّظم على وعي أكثر من جيل من أجيالنا العربية في القرن العشرين وما بعده من سنوات·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©