السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التواطؤ».. أسئلة في عمق «المسألة الروسية»!

16 ديسمبر 2017 22:10
إذا كنت تبحث عن جواب قاطع حول صحّة الاتهام الموجه إلى الرئيس دونالد ترامب بالتواطؤ مع موسكو، فلن تجد ضالّتك المنشودة في هذا الكتاب الجديد الذي نشره ليوك هاردينج تحت عنوان «التواطؤ» Collusion، لأنه يطرح المزيد من التساؤلات حول القضية بدلاً من تقديم الإجابات الشافية عنها. وأرى أنه كان من الأفضل أن يكون عنوانه: «ربما»! أو أية عبارة تخمين أخرى من هذا النوع. ويمكن القول بطريقة ما، إن الكتاب في مجمله لا يعدو أن يكون مجرّد مطالعة سرديّة لملف بالغ التفصيل من إعداد «اللجنة الوطنية الديمقراطية»، وقد قام بتجميع مادته الجاسوس البريطاني المتقاعد كريستوفر ستيل. وتمكن هاردينج من إجراء اتصال مع ستيل على رغم رفض هذا الأخير أن يكون هو المحور الرئيس لهذه القصة. ويقول أحد المطلعين على كتاب هاردينج إن ستيل يعتقد أن ما بين 70 و90 في المئة من المادة التي يطرحها الملفّ صحيحة ودقيقة. ويؤكد ستيل أن نشر بحثه كان سبباً في وضع حدّ للجهود الأولى التي بذلها ترامب، وكانت تهدف للتراجع عن العقوبات المفروضة على روسيا. إلا أن ملف ستيل وكتاب هاردينج حول ترامب، لا يمكن اعتبارهما أيضاً من قبيل المصادر الصحيحة والقاطعة. ومثلما هي حال معظم التقارير التي تناولت القضية الغامضة للعلاقة بين ترامب وروسيا، يمكن اعتبار كتاب هاردينج وثيقة غير مكتملة الأركان. ومع ذلك، فمن المهم مطالعته من أجل الاطلاع على الانتقادات الموجهة لترامب بشكل خاص، والتفكير بعمق في التساؤلات المعقدة التي يطرحها. ويعرض هاردينج في أهم فصلين من الكتاب لعلاقة ترامب بمصرف «دويتشه بنك». وهو بنك ألماني لإقراض الأموال أثيرت حوله شكوك بالسماح لتجار ورجال أعمال روس بتبييض «روبلاتهم» بتحويلها إلى عملتي الدولار واليورو. ويتحدث هاردينج عن بول مانافورت، الذي كان ذات مرة مديراً لحملة ترامب الانتخابية وتم إعفاؤه من تلك المهمة بناء على تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» يفيد بأن اسمه ورد في سجل للحسابات المصرفية عثر عليه في كييف ويعود لزبون مهم ينتمي للنظام الأوكراني السابق يدعى فيكتور يانوكوفيتش، وهو نفسه الرئيس السابق لأوكرانيا. وجاء في تقرير نشرته صحيفة «الجارديان» أن هاردينج كان يغطي في ذلك الوقت أخبار حملة الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا عام 2007. ويصف هاردينج المشهد جيداً عندما قابل لأول مرة الرجل الذي أصبح مكلفاً بإدارة حملة ترامب الانتخابية بعد تسع سنوات. وكانت لدى مانافورت رسالة بسيطة أبلغها لهاردينج مفادها أن نظرة الغرب ليانوكوفيتش خاطئة تماماً. فقد كان من المتوقع أن ينحاز إلى الصف المؤيد للجانب الروسي أثناء اندلاع الثورة البرتقالية عام 2004 عندما قام المتظاهرون الأوكرانيون بعزله باعتباره تابعاً لروسيا. إلا مانافورت يقول إن يانوكوفيتش تغيّر وتبدلت توجهاته تماماً. وراح مانافورت يسوّق الرئيس الأوكراني السابق على أنه «إصلاحي موالٍ للغرب»، وأكد لهاردينج في ذلك الوقت أن يانوكوفيتش أكثر انفتاحاً على الغرب من انفتاحه على روسيا، ولكنّ هاردينج توصل بعد ذلك إلى استنتاج يقول: «خلال السنوات القليلة التالية، اتضح لي أن الرواية التي يطرحها مانافورت أكثر من خاطئة، وأن كل ما ذكره لي كان كذباً بشكل واضح». ولم يعد «زبون مانافورت» من مؤيدي بوتين عندما أصبح يانوكوفيتش يقود الحزب الحاكم في أوكرانيا وأصبح رئيساً لتلك الدولة عام 2010. وعلى رغم إسراعه إلى اعتقال زعيم المعارضة بعد ذلك، إلا أن مانافورت كان يواصل تقديمه للغرب على أنه رجل إصلاحي من الطراز الأول. ومن خلال جماعات الضغط المتنكرة بمظهر مركز للبحوث والدراسات يدعى «المركز الأوروبي لدراسات أوكرانيا المعاصرة»، حصل مانافورت شخصياً، ومعه جماعات الضغط من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، على الأموال من يانوكوفيتش مقابل إظهاره بمظهر الرجل الذي يحضّر لضمّ أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2014، عندما اندلعت الثورة البرتقالية التي طالبت بعزله، سارع يانوكوفيتش بالهروب إلى روسيا في عتمة الليل تاركاً وراءه كل شيء. ولهذا السبب، يتوجب على مانافورت أن يفسر هذه الأحداث الجديدة لهيئة المحلفين الكبرى. وقد أصبح مانافورت صيداً ثميناً بالنسبة لرئيس وأعضاء لجنة التحقيق التي يترأسها روبرت مويلر في قضية التدخل الروسي في الحملة الانتخابية الأميركية، وتم توجيه التهمة إليه بسبب تبييضه لعشرات ملايين الدولارات التي تقاضاها عن خدماته المشبوهة. صحيح أنه زعم أنه غير مذنب، ولكن مع كل هذا الدخان الكثيف الذي يلف القضيّة، من المهم التساؤل: لماذا يعرض هذا الرجل الذي يُفترض أنه قد تلقى أموالاً من أشخاص مقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، خدماته المجانية على دونالد ترامب؟ إلا أن هاردينج لا يقدم إجابة عن هذا السؤال على رغم أنه لم ينس أيضاً أن يذكرنا به. والقضية المهمة الثانية التي يعرض لها هاردينج في كتابه تتعلق بأكثر العناصر المتعلقة بالتهمة الموجهة لترامب تعقيداً، وهي الأموال التي يمتلكها. ومن المهم قراءة الفصل المتعلق بـ«دويتشه بنك» في الكتاب. ويقول هاردينج إن ترامب تأخر عن سداد قرض بقيمة 340 مليون دولار كان مديناً بها لقسم العقارات في البنك الألماني. وفي عام 2008، حاول البنك تحصيل مبلغ 40 مليون دولار من ترامب كرسوم إضافية لخدمة القرض، إلا أن ترامب رفض الدفع بدعوى أنه لم يكن قادراً على ردّ القرض المستحق عليه بسبب الأزمة المالية التي شهدها العالم في ذلك العام، وهي الأزمة التي ساهمت في حدوثها الممارسات المالية المتشددة لـ«دويتشه بنك». وتجاهلت المحاكم قضية ترامب بعد أن انتهت بتسوية حساباته مع البنك عام 2010. ولكن كيف حدث هذا؟ لقد بادر إلى اقتراض الأموال من قسم الثروات الخاصة بـ«دويتشه بنك». ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن ذلك القسم فتح خطاً جديداً لإقراض الشركات العقارية التابعة لترامب المزيد من الأموال. ووفقاً لما تقوله خدمة «بلومبيرج» فإن ترامب مدين الآن لـ«دويتشه بنك» بمبلغ 300 مليون دولار. ويختتم هاردينج هذا الفصل بالتساؤل عما إذا كانت هناك حلقة ارتباط بين تورط «دويتشه بنك» بتبييض الأموال وتحويلها من عملة الروبل إلى عملتي الدولار واليورو، وقبوله بإقراض ترامب ملايين الدولارات. * محلل أميركي في قضايا الأمن الوطني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©