السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكاتب سجيناً في قفص «خدش الحياء»

الكاتب سجيناً في قفص «خدش الحياء»
24 فبراير 2016 02:30
الاتحاد الثقافي - القاهرة - إيهاب الملاح بات الكاتب المصري أحمد ناجي، حديث الشارع الثقافي المصري، فالحكم الصادر بحبسه لمدة سنتين يفتح جبهة لمعركة قديمة، جديدة حول الحريات والحق في التعبير، ورفض حبس الكتاب والمشتغلين بالرأي تحت أي مبرر أو ذريعة، خصوصاً أن مواد صريحة في الدستور المصري الذي تم إقراره باستفتاء شعبي، عقب ثورة 30 يونيو التي أطاحت حكم الإخوان، قد نصت بوضوح على أن «حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة النهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقّع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدِّد القانون عقوباتها، وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقاً للقانون»، وذلك بحسب المادة 67 من الدستور. كانت محكمة جنح مُستأنف بولاق أبو العلا بالقاهرة، قد أصدرت حكماً نهائياً بحبس الروائي والكاتب الصحفي أحمد ناجي سنتين، وتغريم طارق الطاهر رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب المصرية 10 آلاف جنيه، في القضية رقم 9292 جنح بولاق أبو العلا التي تتهم ناجي بخدش الحياء العام، لنشره فصلاً من روايته «استخدام الحياة» في عدد من أعداد أخبار الأدب العام الماضي. والحكم بالحبس على ناجي، هو ثالث حكم سالب للحريات يصدر ضد كتاب ومشتغلين بالرأي خلال شهرين فقط في مصر، بعد أن صدر حكم ضد الإعلامي ومقدم البرامج إسلام البحيري بتهمة ازدراء الإسلام، وصدر بعده حكم آخر ضد الكاتبة والمترجمة فاطمة ناعوت بذات التهمة، مما اعتبره مثقفون ومفكرون تراجعاً غير مقبول ولا مبرر في الحريات والحق في التعبير التي كفلها الدستور والقانون. وقائع القضية تعود وقائع القضية إلى شهر أغسطس من العام الماضي، حينما نشر أحمد ناجي في جريدة «أخبار الأدب» الأسبوعية في عددها رقم 1097 فصلاً من رواية له بعنوان «استخدام الحياة»، صدرت في وقت لاحق عن دار التنوير، قام بعدها مواطن يدعى هاني صالح توفيق، برفع دعوى قضائية ضد جريدة «أخبار الأدب» ورئيس تحريرها والكاتب أحمد ناجي لنشرهما ما اعتبره «مقالاً جنسيّاً» في الجريدة. النيابة قبلت الدعوى، وقالت إنه تمت إحالة الصحفي ورئيس التحرير للمحاكمة الجنائية، طبقاً للمواد 178,200 مكرر أ/‏2 من قانون العقوبات، «لأنه في يوم 3 أغسطس لسنة 2015 نشر المتهم الأول مقالاً جنسياً بقصد العرض والتوزيع، بينما أخل المتهم الثاني بواجب الإشراف على المقال محل الاتهام». وأضافت النيابة، في أمر الإحالة للقضية رقم 1945 لسنة 2015 إداري بولاق أبو العلا، أن «الاتهام ثابت على المتهمين وكافٍ لتقديمهما إلى المحكمة الجنائية بسبب ما قام به المتهم (أحمد ناجي) ونشره مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية ولذة زائلة وأجّر عقله وقلمه لتوجه خبيث حمل انتهاكاً لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق والإغراء بالعهر خروجاً على عاطفة الحياء». وتابعت أن «المتهم خرج عن المثل العامة المصطلح عليها فولدت سفاحاً مشاهد صورت اجتماع الجنسين جهرة وما لبث أن نشر سموم قلمه برواية أو مقال حتى وقعت تحت أيدي القاصي قبل الداني والقاصر والبالغ فأضحى كالذباب لا يرى إلا القاذورات فيسلط عليها الأضواء والكاميرات حتى عمت الفوضى وانتشرت النار في الهشيم». وبعد جلستين أمام المحكمة، شهدت خلالهما مرافعة المحامي عن المتهمين أحمد ناجي وطارق الطاهر، مرافعة مجيدة عن حرية الرأي والتعبير والإحالة إلى كتب عدة من التراث العربي والإسلامي، حملت عبارات لا تحتمل التأويل بها ما اعتبرته النيابة «خادشاً للحياء» و«صادماً للمجتمع» في حين أن هذه النصوص كلها وغيرها منها ما يرد في كتب التفسير والفقه والأحاديث القديمة، قضت المحكمة برئاسة المستشار إيهاب الراهب، ببراءة الكاتب والروائي المصري أحمد ناجي من تهمة خدش الحياء العام، ورئيس تحرير صحيفة (أخبار الأدب) طارق الطاهر بتهمة التقصير في مهام عمله ورفض الدعوى المقامة، وكان دفاع المتهمين قد استند، أيضاً، إلى شهادات كل من الكاتب والروائي صنع الله إبراهيم، والكاتب المسرحي محمد سلماوي. حيثيات البراءة «الأولى» جاءت حيثيات حكم محكمة أول درجة ببراءة أحمد ناجي، وثيقة مشرفة وتاريخية دفاعا عن حرية الرأي والتعبير، والرجوع الذكي إلى سياق الثقافة العربية والإسلامية، قديماً وحديثاً، وقدمت هيئة المحكمة ما يشبه القراءة النقدية العميقة لهذه القضية وأشباهها، التي تثار بين الحين والآخر، واستندت المحكمة في حيثياتها إلى نص المادة 67 من الدستور، وبنت عليه ما يلي: (ولما كانت المادة 67 نصت على «حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، و? يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إ? عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري). وحيث «إنه من المقرر أن حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتوالد عنها ? يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارساتها سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها، بل تكون للمواطن الحرية أن يتنقل بينها يأخذ منها ما يأخذ ويلفظ منها ما يلفظ دون أن يوضع له إطار أو قالب يحد من تكوين أفكاره ومعتقداته، كما أن طرح الأفكار والآراء والمعتقدات علانية يجعلها مجا?ً للبحث والتقييم من جانب المختصين، بل والمجتمع أجمع فيأخذ منها الصالح ويطرح الطالح». كما «أن العمل الأدبي هو كيان واحد إذا انقطع منه جزء انهار ذلك العمل، كما أن المحكمة ترى أن تقييم الألفاظ والعبارات الخادشة للحياء أمر يصعب وضع معيار ثابت له، فما يراه الإنسان البسيط خدش للحياء يراه الإنسان المثقف أو المختص غير ذلك وما يراه صاحب الفكر المتشدد خدشاً للحياء لا يراه صاحب الفكر المستنير كذلك». وكذلك «ما يطرح في مجا?ت البحث العلمي في الطب مثلاً يكون بالنسبة للغير خدشاً للحياء إ? أنه ? يكون كذلك بالنسبة للأطباء، مثلاً، فإن العبرة في عقلية المتلقي وتقديره للأمور. فالعبارات التي حوت تلك القصة محل الاتهام ارتأت النيابة العامة أنها تخدش الحياء لم يرتئها الأدباء والروائيون خدشاً للحياء، طالما كانت في سياق ومضمون عمل أدبي فني». إذًا، فإن المعيار في ذلك يختلف من شخص إلى آخر حسب ثقافته وأفكاره وتعليمه، فما أتى به العلماء والمثقفون قديماً من أفكار وآراء واجتهادات كانت محل رفض ونقد لهم من مجتمعاتهم آنذاك أصبحت اليوم من الثوابت العلمية والإبداعات الأدبية التي تثري مجتمعنا. ولما كان ذلك الأمر الذي ترى معه المحكمة انتفاء القصد الجنائي الخاص لدى المتهمين عن قصدهما بخدش الحياء ونشر الرذيلة ولما كان المستقر عليه قانوناً وفي قضاء محكمة النقض أن الأحكام الجنائية تبنى على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين، وإن تشكك القاضي في صحة الإسناد كفيل بالقضاء ببراءة المتهم، الأمر الذي تقضي معه المحكمة، والحال كذلك، ببراءة المتهمين مما نسب إليهما من اتهام ورفض جميع الدعاوى المدنية المقامة وإلزام رافعيها المصاريف. لهذه الأسباب حكمت المحكمة.. ببراءة المتهمين مما نسب إليهما من اتهام ورفض الدعاوى المدنية وإلزام رافعيها بالمصاريف وأتعاب المحاماة. لم تقنع النيابة بانتهاء القضية عند هذا الحد، فقررت الاستئناف على حكم المحكمة الصادر ببراءة أحمد ناجي وطارق الطاهر، وصدر حكم محكمة الاستئناف يوم السبت 20 فبراير، بحبس الأول سنتين وتغريم الثاني 10 آلاف جنيه، وتم ترحيل الكاتب مقيداً في الأغلال إلى أحد السجون لتنفيذ الحكم. أصداء الحكم وجد الحكم الصادر بحبس أحمد ناجي أصداء واسعة على صفحات التواصل الاجتماعي التي دشنت (هاشتاجات) لإعلان التضامن مع الكاتب ورفض حبسه، بيانات بالعشرات من كتاب ومثقفين ودور نشر وجمعيات حقوقية ترفض الحكم وتعلن التضامن مع الكاتب، دعوات لإعداد مؤتمرات ولقاءات حاشدة، فضلاً عن مجموعة من الإجراءات اتخذتها نقابة الصحفيين المصريين، واتحاد الناشرين اللذين بادرا فور صدور الحكم بإصدار بيانين رافضين للحكم وتداعياته من حبس الكاتب وتنفيذه حكماً سالباً للحريات بالمخالفة للدستور والقانون. من جانبها، دعت دار التنوير بالقاهرة إلى عقد مؤتمر تضامني مع الكاتب، وللدفاع عن حقه وحق غيره في حرية التعبير، معلنة أن المؤتمر مفتوح للجميع، وسيشارك فيه كتاب ونقاد ومثقفون ومدافعون عن الحريات منهم: جابر عصفور، شاكر عبد الحميد، سيزا قاسم، نبيل عبد الفتاح، عادل السيوي، محمود الورداني، صنع الله إبراهيم، محمد سلماوي، وآخرون. كما دعت دار ميريت للنشر، والحزب الاجتماعي الديمقراطي، وجهات أخرى، إلى تنظيم لقاءات ومؤتمرات حاشدة خلال الأسبوع، وفي أكثر من مكان، من أجل عمل جماعي موحد للدفاع عن الكاتب المحبوس في قضية رأي، لنشره فصلاً من رواية في جريدة!! الحدث الذي لم يحدث قبلاً في تاريخ الثقافة المصرية، وتاريخ القضاء المصري، أن يُحبس روائي لأنه خدش الحياء! المستشار أشرف العشماوي، نائب رئيس محكمة استئناف، ومساعد وزير العدالة الانتقالية الأسبق، والكاتب الروائي أيضاً، أدلى بشهادة مهمة، أعلن خلالها كامل تضامنه مع الكاتب المحبوس، وكتب على صفحته الشخصية على «فيسبوك» يقول: «في مرحلة من حياتي العملية كنت معنياً بالتحقيق في مثل هذه النوعية من الجرائم التي تخص الكتاب والمفكرين، وكانت التهم وقتها هي «ازدراء الدين وتحقيره أو نشر دعايات مثيرة وأمور كاذبة أو خدش الحياء العام والإضرار بالآداب العامة»! وهي كما ترى عبارات مطاطة عامة، ولأنني أدركت هذا منذ البداية وعرفت أن بعضها يهدف إلى التجريس أو امتصاص مشاعر غاضبة لا تستند إلى فكرة بعينها، فقد نجحت في حفظ أكثر من أربعين بلاغاً على مدار سنوات طويلة لأسماء كان بعضها شهيراً في وقته أو في زمن فات. وتابع العشماوي في شهادته المهمة: «ما لا تدركه الغالبية منا جيداً أن القارئ في مصر لا يحتاج إلى وصاية من جهة رسمية ولا يثق إلا فيمن يختاره ويلجأ إليه طواعية إذا ما تشكك، ليستنير برأيه وليس ليجعله وصياً عليه، وأغلب الكتب والمطبوعات تعتمد على الذائقة الشخصية ولا تحتاج إلى وسيط. أما موضوع خدش الحياء العام والإضرار بالآداب العامة، فساعة واحدة أمام بعض الفضائيات كفيلة بهتك عرض كل أخلاقياتك ومبادئك وكافية لإصابتك بدهشة تعقبها حيرة لتدخل بعدها في اكتئاب، ولو فكرت في أن تشكوهم مثلما فعل المواطن الشريف الذي جُرحت مشاعره الرقيقة بسبب نشر فصل من رواية حتى أدمتها، فلن تسمع مجيباً للأسف الشديد. أما الروائية والناقدة اللبنانية لنا عبد الرحمن، فقالت إن عبارة «خدش الحياء العام»، غير مفهومة بالنسبة لي، في القرن الحادي والعشرين، في زمن الفضاء المفتوح، في زمن التكنولوجيا، ووسائل الاتصال التي جعلت من الصورة حاضرة بشكل أبرز من حضور الكلمة. الناقدة اللبنانية تساءلت مندهشة: «لا أفهم ما المقصود بالحياء العام، وكيف تم خدشه؟ ثم كيف يتم محاسبة شخص على أنه خدش حياء العموم، ثم من هم العامة الذين تم خدش حيائِهم لأنهم قرأوا فصلاً من رواية في صحيفة أدبية؟ أم أن الحكم استباقي لما سيكون مستقبلاً من خدش للحياء العام؟». أضافت عبد الرحمن: «لكن المرعب حقاً أن يتم سجن مبدع بسبب كتابته، ومحاسبته على أفكاره، وآرائه، ولغته، بالأحرى منعه من التفكير والاختيار، من حق كل كاتب حرية ما يريد قوله، وكيف يعبر عنه، ومن حقه أن لا يكون خائفاً حين يكتب، لأن سيف الرقيب يقف له بالمرصاد، ليضعه خلف القضبان، ليحاكمه على كلماته». القضية ساخنة، ومرشحة لمزيد من السخونة والاشتعال في الفترة القادمة.. ولا زالت الثقافة المصرية فوق صفيح ساخن حتى إشعار آخر!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©