الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التسامح في هولندا··· وتوظيف الكراهية

التسامح في هولندا··· وتوظيف الكراهية
16 فبراير 2008 23:58
عندما تتحول عبارة ''التسامح'' إلى سبة وشتيمة توجه إلى المعارضين في هولندا، ندرك أن شيئاً خطيراً يحدث في بلد كان يفخر الهولنديون على الدوام بأنه الأكثر تسامحاً على وجه الأرض، وفي أوقات أخرى غير هذه المحمومة التي تشهدها هولندا اليوم، ما كان لخطاب المكلة ''بياتركس'' -ألقته بمناسبة أعياد المسيح الماضية- الذي طالبت فيه بالمزيد من التسامح بين الهولنديين واحترام الأقليات، أن يثير كل هذا الجدل، لكن ''جيرت ويلدرز'' -زعيم حزب ''الحرية المناهض للمسلمين'' ذي الميول اليمينية المتطرفة- هاجم خطاب الملكة، واصفاً ما جاء فيه ''بهراء التعددية الثقافية''، ومطالباً بتجريدها من دورها الدستوري في الحكومة، فقد سبق للزعيم المتطرف الذي يحتل حزبه تسعة مقاعد في البرلمان الهولندي، أن شبه القرآن بكتاب هتلر ''كفاحي''، كما عبر مراراً عن رغبته في وقف وصول المسلمين إلى هولندا، محذراً من يوجد منهم في البلاد بتمزيق نصف القرآن إذا كانوا يريدون البقاء في هولندا· في نظره، يعتبر التسامح مع المسلمين نوعاً من المهادنة الجبانة لا تليق بأوروبا، التي يرى بأنها واقعة تحت تهديد الإسلام؛ وهو في هذا الإطار يقول: ''عما قريب سيفوق عدد المساجد عدد الكنائس'' ما لم تهب أوروبا للدفاع عن الحضارة الغربية، والمفارقة أنه رغم دعوات الزعيم المتطرف بحظر القرآن، إلا أنه وأنصاره يزعمون بأنهم يدافعون عن حرية التعبير المطلقة باعتبارها مكسباً غربياً، ولا يوفر ''جيرت ويلدرز'' فرصة لكي يختبر، كما يقول، مدى تسامح المسلمين من خلال توجيه انتقادات استفزازية للإسلام، كان آخرها ظهوره في فيلم قصير يهاجم فيه ديانة شريحة واسعة من المواطنين الهولنديين· وبرغم أن الفيلم لم يعرض بعد وأثار سجالا واسعاً في الأوساط الهولندية، إلا أن هذا الجدال الذي أثاره في الساحة السياسة يشكل بالنسبة لسياسي من الدرجة الثالثة مثل ''جيرت ويلدرز'' ترويجاً مجانياً لأطروحاته المريضة· ومع أن العديد من المعلقين أشاروا إلى الخلفية الكاثوليكية للزعيم المتطرف وانحداره من بلدة نائية، وإلى هدفه المعلن في الحفاظ على الإرث المسيحي اليهودي للقارة الأوروبية، إلا أن حربه ضد الآخر لا تقف عند الإسلام والمسلمين في أوروبا· فبقدر ما يهاجم المسلمين يُظهر نفس القدر من الكراهية تجاه النخب السياسية والثقافية، والمؤسسة الفكرية الهولندية، فضلا عن انتقاده للبيروقراطيين الأوروبيين في بروكسيل والسياسيين ذوي التوجهات الليبرالية مثل ملكة هولندا· ويظهر ذلك بوضوح من خلال خطبه المرصعة بإيحاءات سلبية تجاه النخب المتغطرسة الذين، حسب رأيه، لا يفهمون مشاعر المواطن العادي· ومن هذا المنطلق تتحول مبادئ التسامح واحترام الآخر، إلى مجرد رموز تدافع عنها النخب المنعزلة عن الحقائق الملموسة في الشارع، حيث يتعرض الهولنديون إلى تهديدات متكررة من الأجانب القادمين من وراء البحار· والجدير بالذكر أن ربط النخب بالمهادنة والاستسلام لا يقتصر فقط على المتطرفين في هولندا، بل يمتد إلى دول أخرى مثل إسرائيل· ففي الدولة العبرية يطلق المتطرفون اليمينيون على النخب المستنيرة ''الأرواح الجميلة''، محيلين في سخرية واضحة إلى النشطاء اليهود من المثقفين الذين ينتقدون الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، لا لشيء، سوى انهم يفضلون المفاوضات على العنف، ويرون بأن للعرب حقوقاً أيضاً· فالرجل العادي المتصل أكثر بحقائق العالم يعرف أكثر من النخب، بحيث تتحول قيم التعصب والقسوة إلى وسائل ناجعة للوصول إلى نتائج· وحتى في الولايات المتحدة أصبحت كلمة ''ليبرالي'' مرادفة، في تعليقات الجناح اليميني من السياسيين، للنخب الحضرية المتعجرفة المتمركزة في الساحلين الشرقي والغربي؛ وقد أصبح يُنظر إلى الليبراليين ليس فقط على أنهم طبقـــــة ''رخـــــوة'' من الســــياسيين، بل على أنهــــم أيضا غــــير أميركيين بما يكفي· الأكثر من ذلك، تكتسي سياسة توظيف الكراهية التي يلجأ إليها المتطرفون أبعاداً أخطر عندما تُستغل مشاعر الخوف لدى أفراد المجتمع· فلا شك أن هناك أسبابا وجيهة تدفع الناس للتوجس من العولمة الاقتصادية والبيروقراطية الأوروبية والتدفق الكبير وغير المراقب للمهاجرين، وبعض الممارسات العنيفة للإسلام السياسي الراديكالي، لا سيما وأن هذه القضايا لم تعالج على نحو مناسب وتُركت دون اهتمام· وهناك شعور لدى العديد من الأوروبيين، وليس فقط عند الهولنديين، بأنهم تركوا لمصيرهم في عالم سريع الحركة، حيث الشركات متعددة الجنسيات أقوى من الدول، والنخب الحضرية المتعلمة أوفر حظاً من سكان المناطق الريفية، وحيث السياسيون المنتخبون ليسوا فقط عاجزين عن معالجة الأمور، بل هم مستسلمون تماماً للقوى الكبرى التي تهدد أنماط حياتهم· وفي هذا السياق تبدو المطالبة بالتسامح ليس فقط نوعاً من الضعف والمهادنة، بل خيانة للوطن، ومع أنه يتعين علينا محاربة التطرف بجميع أشكاله، إلا إن المتطرفين من أمثال ''جيرت ويلدرز'' لا يكتفون بانتقاد التشدد، بل هم من خلال كراهيتهم للأجانب يكرهون أيضاً النخب السياسية وينعتونها بالخيانة· أيان بوروما أستاذ حقوق الإنسان في جامعة ''بارد'' الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©