السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نسيم عزيز·· حمال على متن إحدى السفن

نسيم عزيز·· حمال على متن إحدى السفن
26 فبراير 2009 23:48
ظل الميناء لعقود طويلة يلعب دوراً مهماً في حياة الكثيرين حيث شكل مصدر رزق ونقطة انطلاق على العالم وعلى الرغم من المخاطر التي قد تعترضهم عند مخر عبابه، إلا أنهم أصروا على البقاء على متن تلك السفن عقوداً وسنوات قانعين بما قسمه لهم الله من رزق· من هؤلاء البحارة، نسيم عزيز، يعمل على متن إحدى السفن في مهنة حمل البضائع ونقلها من ميناء إلى آخر، سألناه، وهو جالس على ظهر سفينة وكأنه يأبى مغادرتها، أن يحكي لنا عن عمله وأسلوب حياته، نظر متأملا الأفق وكأنه يحاول استرجاع أيام وذكريات مرت عليه، قبل أن يقول: ''العمل هنا في الميناء خلية نحل لا تهدأ، وكلاهما سيان الليل والنهار صياح ونداءات، أصوات ترتفع أياد تلوح بالوداع·· ودعوات بأن تكون الرحلة آمنة، تخترقها أصوات السفن، وهي تشق طريقها عبر المياه''· ثم يضيف: ''اعتدنا على أجواء البحر، أحببناه فنحن نجلس فيه أكثر من منازلنا، حتى غدا المنزل والمستقر، هو عالم جميل على الرغم من أننا على سطح السفينة ولا تفصلنا عن اليابسة سوى بضع خطوات، إلا أننا في عالم آخر يختلف كليا عن اليابسة، اعتدنا على بقائنا على متن السفن حتى وإن كانت في المرسى، لأنها كل حياتنا، نحن نعيش في البحر ومعه، عشقنا رائحته، واختلطت قطرات عرقنا بمياهه، ألفنا أصوات السفن، ولم يعد يزعجنا ذلك الصفير، وتلك الأصوات الصاخبة، نترقب السفن وهي آتية، جالبة معها البضائع المتنوعة، ونودع سفناً رفيقة راحلة إلى أمكنة أخرى، مختزنة في باطنها حمولة من الحاجيات، وفي كل لقاء ووداع ترقب وانتظار ولهفة واطمئنان على رفاق العمر، أصبحنا كالكائنات البرمائية نحيا بين البر والبحر، فأنا أعيش حياتي مناصفة بين السفينة واليابسة، وإن كان معظمها يمضي على متن السفينة، أحب هذه المهنة على الرغم من أنها محفوفة بالكثير من المخاطر، إلا أن هذه الخطورة مغلفة بالمغامرة ملأى بالخبرة والتجارب واكتساب معارف، هي رحلة دائمة بين رسو ورحيل''· ويتابع محدثنا قائلاً: ''نحن على متن السفينة عائلة واحدة، نخاف على بعضنا من أي طارئ قد نتعرض له، علاقة وطيدة زاد البحر والغربة من تقوية أواصرها، كما اعتدنا على نظام حياة معين حيث بتنا نخرج مع خيوط الشمس الأولى لنغادر بلداً، ونرقب غروبها في بلد آخر، وعلى الرغم من هذا الاختلاف إلا أن السفينة هي ذاتها، والسماء الزرقاء التي تظللنا هي ذاتها، أيضا كذلك طيور النورس التي تستقبلنا عند كل ميناء شبيهة ببعضها وتحمل ذات اللون الأبيض النقي، جميلة هي هذه الرحلة وأنت في عباب البحر ولا يحيط بك سوى الزرقة التي تلف المكان، خاصة عندما يخيم الهدوء على الجميع ولا يبقى صوت سوى صوت المياه التي تفر هاربة من أمام السفينة، هناك يتوقف عقلك عن التفكير سوى في شيء واحد هو عظمة الخالق الذي حمل هذه السفينة التي يصل وزنها إلى أطنان على سطح قطرات من المياه الرقيقة المعدومة اللون والرائحة''· وكما لو أنَّه يصل إلى نهاية رحلته، يختم البحار قائلاً: ''هذه المهنة أكسبتنا الكثير من الخبرات، وجعلتنا نمر في العديد من التجارب، كما عرفتنا إلى مختلف الأشكال والأنواع من البشر، عشنا بفضلها أياماً تستعصي على النسيان، أيام حلوه وأخرى لا تخلو من المرارة، خاصة عند فقد بعض الأعزاء· أنا أعمل في البحر منذ سنوات طويلة، ولا أعرف لي مهنة سواها، ولا أريد استبدالها بمهنة أخرى، لأن أيا منها لن تعطيني المتعة والخبرة التي علمني إياها البحر، كما أنها مهنة مميزة فقد منحتني أصدقاء في جميع أنحاء العالم تقريبا، ومن مختلف الجنسيات، تعرفت على طريقتهم في الحياة والعادات التي تميز كل بلد عن الآخر· رحلتي مع البحر رحلة بحث لاتنتهي، فالبحر دائما يتحفنا بما هو جديد ويعرفنا على ما هو غريب، يفيض لنا بأسراره حتى لا يدركنا الملل·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©