السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقيلة راتب أضاءت سماء الفن وماتت عمياء

عقيلة راتب أضاءت سماء الفن وماتت عمياء
19 أكتوبر 2006 23:50
ابراهيم فرغلي: لا يعرف الكثيرون أن الاسم الأصلي للفنانة الراحلة عقيلة راتب هو كاملة محمد كامل ابنة الاستاذ محمد كامل شاكر أحد رجال مصر الوطنيين الذي شارك بدور كبير في أحداث ثورة 1919 من خلال ترجمة المنشورات العربية إلى الانجليزية والفرنسية، وكان عمر ابنته كاملة آنذاك ثلاثة أعوام إذ ولدت في 23مارس عام ·1916 عرفت كاملة بعذوبة صوتها منذ صغرها وهو ما اشتهرت به في سنوات دراستها الأولى واحبت التمثيل فأصبحت نجمة المدرسة وشاركت في إحدى الحفلات المدرسية التي حضرها الممثل زكي عكاشة وشقيقه عبدالله عكاشة صاحبا فرقة عكاشة المسرحية وقد اصابتهما الدهشة لجمال صوت الفتاة الصغيرة· وتلقت عرضاً بالتمثيل في الفرقة فلما ذهبت إلى أبيها تسأله الموافقة ثار وغضب غضباً شديداً ولم يطق أن يرى ابنته وقرر أن تقيم لدى عمتها فاطمة، وعندما ذهبت إلى المدرسة اكتشفت أن زكي عكاشة كان يسأل عنها يومياً، والتقته فاخبرها بأن والدها حضر للقائه وعاتبه بشدة على عرضه عليها أن تمارس التمثيل، وهدده بالقتل· وأضاف زكي أنه رغم التهديد فهو على استعداد لأن يفعل أي شيء من أجل أن يكسبها للمسرح· ولعبت فاطمة عمة كاملة دورا كبيرا في توجيه ابنة شقيقها للفن، اذ كانت تحب الفن والفنانين، ولذلك وكما يشير محمد الشافعي في كتابه عن عقيلة راتب دافعت عن هواية ابنة اخيها ورحبت عندما اخبرتها كاملة بلقائها مع زكي عكاشة ورحبت ايضا بزيارته في اليوم التالي وعندما جاء عكاشة اشترطت فاطمة تأجيل الموعد لمدة شهرين على امل ان تستطيع اقناع اخيها بالموافقة· وعاد زكي عكاشة بعد شهرين وهو يحمل نص اوبريت ''هدى'' الذي اعده خصيصا من اجل كاملة، كما كلف الممثل فؤاد شهوزاد بمهمة تدريبها على الالحان في بيت عمتها وكانت كاملة تذهب الى البروفات متخفية في ثياب تغطيها من اعلى الرأس الى اخمص القدم· واستمر الوضع هكذا حتى تقرر موعد عرض الاوبريت وظهرت مشكلة الاسم الذي ستظهر به كاملة امام الجمهور فلو ظهرت باسمها الحقيقي ستقع كارثة بسبب والدها وقبل الاوبريت مباشرة اقترح زكي ان يختاروا لها اسما فنيا واجتمعوا جميعا بحضور عمتها فاطمة واقترحوا اسماء عديدة واخيرا اقترحت كاملة اسما مركبا من اسم صديقتها المقربة عقيلة واسم شقيقها الراحل راتب واعجب الجميع بالاسم الجديد وبدأت رحلتها مع النجاح بالاسم الجديد عقيلة راتب· نجاح وخوف ورغم النجاح المدوي للاوبريت فإن عقيلة لم تشعر بلذة النجاح بسبب خوفها من والدها، وكانت تعيش في قلق مستمر، فاخبرت عمتها التي اشفقت عليها وذهبت لإخبار والدها بنجاح ابنته في المسرح إلا ان الامور سارت على نحو سيئ اذ تسمر الاب في مكانه من الصدمة ووقع مصابا بالشلل، وعكف على علاجه كبار الاطباء حتى تحسنت حالته بعد عام لكن عقيلة مُنعت من زيارة والدها· وقد ادى نجاح عقيلة الى زيارة اسماعيل باشا صدقي رئيس الوزراء آنذاك وكل وزارته للمسرح الذي تعرض عليه الاوبريت الشهير ''هدى'' ورغم ذلك فإن احساسها بالذنب تجاه والدها حرمها من أي شعور بالنجاح، حتى فاجأتها عمتها يوما بأن والدها قرر ان يراها، وبموافقة الطبيب عبدالعزيز باشا اسماعيل واعلن لها والدها في ذلك اليوم انه سامحها وانه يشعر بالفخر بما تقدمه على المسرح· وبسبب الغيرة وعدم وعي عقيلة راتب بدور المجاملات مع النقاد تعرضت لمقالب ومشكلات عديدة ادت الى استقالتها من مسرح عكاشة، وانضمت الى فرقة علي الكسار التي حققت معها نجوميتها الحقيقية، فقد احتضن علي الكسار موهبتها وكانت فرقة الكسار تضم نخبة ممتازة من ممثلي وممثلات المسرح الى جانب المطرب حامد مرسي مطرب المسرح الذي كان يقوم ببطولة مسرحيات الفرقة ومنها ''ملكة الغابة''· ولفتت عقيلة بجمالها وموهبتها نظر المطرب حامد مرسي الذي كان محط انظار سيدات الطبقة الراقية لكنه امام جديتها والتزامها لم يكن امامه الا بعض كلمات الغزل العفيف يلقيها كلما حانت الفرصة· وكان حامد مرسي آنذاك هو المنافس الاول للموسيقار محمد عبدالوهاب وولد في ايتاي البارود بمحافظة البحيرة المصرية وتتلمذ على يد سيد درويش وسافر معه في جولة فنية في ربوع الشام وعرف كذلك بانه ''دون جوان عصره'' لكنه ترك كل السيدات اللاتي كن يتوددن اليه وطارد عقيلة راتب حتى استطاع ان يقنعها بالزواج وبعد الزواج حملت عقيلة بطفلتها الاولى ''اميمة'' وهو ما تسبب في تعطلها عن العمل لفترة وعادت عقيلة الى استئناف نشاطها في فرقة الكسار وكانت الفرقة قد استعانت خلال فترة غيابها بعدد من مطربات الصف الاول ولكن لم تستطع اي منهن ان تملأ فراغ عقيلة، فلما عادت استردت الفرقة جمهورها وقدمت مسرحية ''قاضي الغرام'' التي حققت نجاحا كبيرا ثم قدمت الفرقة مسرحية ''الاميرة الصغيرة'' فحققت نفس النجاح، وتوترت الاجواء السياسية في مصر لكن علي الكسار اصر على عدم اغلاق مسرح الماجستيك تأكيدا لدور الفن في اذكاء الروح الوطنية، مما ادى الى غضب المتظاهرين واعتبارهم الكسار حليفا للانجليز وتصدت عقيلة لترد على المتظاهرين بكلمات بسيطة لكنها صادقة تعبر عن حقيقة مشاعرها الوطنية فصفق لها المتظاهرون وانصرفوا دون ان تحدث اي خسائر· وانتقلت فرقة الكسار من نجاح الى نجاح اكبر بسبب نجمة الفرقة عقيلة راتب وحامد مرسي مما جعل اجر كل منهما يقفز الى 150 جنيها شهريا اي دخلا في خانة المئات مع ام كلثوم وزينب صدقي وامينة رزق· وتسبب نجاح عقيلة في تهافت نجوم المسرح عليها ففكر نجيب الريحاني في ضمها لفرقته وفاتح بديع خيري في الامر ولكن لان الفرق كانت تتجسس على بعضها البعض عرف فوزي منيب -زوج ماري منيب- واسرع الى عقيلة راتب والح عليها ان توقع معه عقدا لتعمل مع فرقته بالاسكندرية لتنقذه من الديون· ووافقت عقيلة بالفعل واعتذرت لعلي الكسار وحققت مع فوزي منيب نجاحا كبيرا بعد ان قررت ان تؤدي المونولوجات الخفيفة وبدأت السينما تتهافت عليها بعد هذا النجاح الكبير· واما في المسرح فرغم العروض التي تلقتها لاحقا من عزيز عيد ومسيو دكران صاحب العديد من مسارح الاسكندرية وغيرهم لكنها قررت ان تعود الى فرقة الكسار وفاء لعلي الكسار الذي اعتبرته دائما في منزلة الاب الروحي فنيا· وتألقت في السينما ايضا حيث قدمت افلام ''اليد السوداء'' عام 1936 ثم ''خلف الحبايب'' الذي تسبب في تراجعها عن قرارها باعتزال الفن في فترة رأت انها حققت فيها كل ما تطمح له ثم توالت اعمالها السينمائية ''ليلة الزفاف'' و''اكاذيب حواء'' و''الشراب'' و''غدا يعود الحب'' و''شقة مفروشة'' وغيرها واستمر تألقها في مسرح التليفزيون عند افتتاحه في الستينات من القرن الماضي مع اسماعيل ياسين ثم مع فرقة نجيب الريحاني حيث كانت تؤدي معها الادوار التي كانت تقوم ببطولتها زوزو شكيب· ومع التليفزيون بدأت رحلة جديدة في الدراما التليفزيونية التي قدمت فيها عددا من المسلسلات الناجحة بعد مسيرة حافلة بالانجازات الفنية كما تم تكريمها من قبل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي منحها وسام الدولة كما حصلت على جائزة احسن ممثلة عام 1963 عن دورها في فيلم ''لا تطفئ الشمس'' وجائزة الدولة في نفس العام عن دورها في مسرحية ''حلمك يا شيخ علام'' كما حصلت على وسام الدولة من الرئيس أنور السادات وجائزة الجدارة من وزارة الثقافة عام 1978 وجائزة الريادة من جمعية الفيلم ودرع المسرح عام ·1992
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©