السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجاوز نظرية صدام الحضارات

19 أكتوبر 2006 23:51
الاتحاد - خاص: يقول صامويل هانتنجتون فى دراسته الشهيرة ''صدام الحضارات'': يعتبر التفاعل بين الإسلام والغرب صدام حضارات، إذ إن المواجهة التالية ستأتي حتما من العالم الإسلامي، وستبدأ الموجة الكاسحة التي تمتد عبر الأمم الإسلامية من المغرب إلى باكستان التي تناضل من أجل نظام عالمي جديد''· وأضاف أن النزاع تفجر بصورة متزايدة على الحد الشمالي للإسلام بين الشعوب الأرثوذكسية والمسلمة، بما في ذلك مذبحة البوسنة وسراييفو، والعنف الكبير بين الصرب والألبان، والعلاقات الحرجة بين البلغار والأقلية التركية· وأورد مجموعة من النماذج ·أبرزها، العنف بين الأوستيين والأنغوش (داخل القوقاز الشمالي التابع لروسيا)· والمذبحة المتصلة المتبادلة بين الأرمن والأذربيجانيين، والعلاقات المتوترة بين الروس والمسلمين في آسيا الوسطى· ونشر القوات الروسية في القوقاز وآسيا الوسطى· ودور الدين في إحياء الهويات الإثنية وإعادة المخاوف الروسية بشأن أمن حدودها الجنوبية·ومساندة تركيا وإيران للأذربيجانيين أشقائهما في الدين والعنصر واللغة، حتى إن الرئيس التركي السابق تورغوت أوزال صرح بأن ''تركيا ستظهر أنيابها''، وحلقت الطائرات النفاثة للسلاح الجوي التركي في رحلات استطلاعية على امتداد الحدود الأرمينية· وعلقت شحنات الأغذية والرحلات الجوية إلى أرمينيا· وكانت الحكومة السوفيتية السابقة ساندت أذربيجان، لأن حكومتها كان يسيطر عليها الشيوعيون ، بيد أنه مع سقوط الاتحاد السوفيتي ''أخلت الاعتبارات السياسية الساحة للاعتبارات الدينية''· الواقع أن أفكار هانتنجتون التى قامت على الصدام القادم بين الحضارات جرى تفنيدها من مجموعة كبيرة من الباحثين والمفكرين المسلمين ·وعددوا الثقوب التى انطوت عليها· وفى هذا السياق قدم الباحث المغربى محمد براو فى دراسته ''نقد نموذج صراع الحضارات '' نماذج عكسية تخالف تصور هانتنجتون أو على الأقل تشكك فى أطروحته ونتائجها وتصفها بعدم الشمولية والانتقائية· وبخصوص ملاحظته أن الهجمة آتية من العالم الإسلامي ومن مسلمي آسيا الوسطى والقوقاز من بينهم، فإن المشهد الدولي يعطي صورة أخرى، وهي أن الهجمة آتية من الطرف الآخر الأقوى: وأن المسلمين هم الضحايا وليسوا فاعلين كما يقدم النموذج الصربي في البلقان والنموذجين الروسي والأرمني في القوقاز· وأشار هاتنتجتون عن حق إلى المذبحة ''المتبادلة'' بين الأرمن والأذربيجانيين، والتوتر المتزايد بين الروس ومسلمي آسيا الوسطى، لكن التدقيق في الصورة يفيد أن التوتر بين الروس والمسلمين هو أكثر منه توتر بين غالب انقطعت سطوته فجأة ومغلوب ظل خاضعا فترة من الزمان، ويريد كسب استقلاله الفعلي بعد أن حصل على الاستقلال القانوني بعيد انهيار الاتحاد السوفيتي· ومن جهة ثانية، فإن روسيا تمر بفترة تأقلم انتقالية؛ وأية توترات هنا وهناك هي بمثابة أثمان تاريخية لذلك الانتقال، وهي توترات تلعب فيها المحددات الجيوستراتيجية أدوارا لا يمكن إنكارها· أما بخصوص المذبحة ''المتبادلة''، فهي ليست ''متبادلة'' حقا لأن المعتدين هم الأرمن، والحل الوسط الدولي الذي تقترحه منظمة الأمن والتعاون الأوروبي يقوم على أساس انسحاب المعتدين من الشريط، مهما تحججوا بأوضاع أشقائهم القاطنين هناك· وفي موقع آخر أشار إلى ''وقوف تركيا وإيران إلى جانب أذربيجان''· وهذا إن كان صحيحا بالنسبة للأولى، فهو ليس صحيحا بالنسبة للثانية، إذ إن إيران ساهمت بشكل ملموس في فك الحصار عن أرمينيا المسيحية· أضف إلى ذلك أن طهران متحالفة إستراتيجيا مع روسيا المسيحية (حتى الآن) ضد أي توتر يهز استقرار هذه الأخيرة، بما فيه ثورة الشيشان المسلمين· وبرغم صواب ما وصفه بدور الدين في إحياء الهويات الإثنية·· إلا أن الهويات الإثنية قد تتخذ طابعا محليا أيضا، حتى داخل البلد نفسه، كما هو شأن الشيشان وجورجيا وغيرهما· ثم إن الدين هنا مندمج بالعامل القومي، ولا ينفصل عنه· إنه الدور التاريخي الذي يلعبه حاليا الدين في المنطقة، لا يرتبط بأي طموح أممي أو تحالف إيراني- أصولي، كما تزعم نظرية المؤامرة المؤسسة لأطروحتي ''الخطر الإسلامي'' و''صدام الحضارات''· ويوضح الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجرى أن القول بحتمية صراع الحضارات أو صدامها، يجافي سنة التاريخ ويتعارض مع طبيعة الحضارة، فالحضارة لا طابع عرقي لها، وهي لا ترتبط بجنس من الأجناس، ولا تنتمي إلى شعب من الشعوب، على الرغم من أن الحضارة قد تنسب إلى أمة من الأمم، أو إلى منطقة جغرافية من مناطق العالم على سبيل التعريف ليس إلا، بخلاف الثقافة التي هي رمز للهوية، وعنوان على الذاتية، وتعبير عن الخصوصيات التي تتميز بها أمة من الأمم، أو يتفرد بها شعب من الشعوب· والحضارة هي وعاء لثقافات متنوعة تعددت أصولها ومشاربها ومصادرها، فامتزجت وتلاقحت، فشكلت خصائص الحضارة التي تعبر عن الروح الإنسانية في إشراقاتها وتجلياتها، وتعكس المبادئ العامة التي هي القاسم المشترك بين الروافد والمصادر والمشارب جميعاً· ولكل حضارة مبادئ عامة تقوم عليها، تنبع من عقيدة دينية، أو من فلسفة وضعية، حتى وإن تعددت العقائد والفلسفات، فإن الخصائص المميزة للحضارة، تستمد من أقوى العقائد رسوخاً وأشدها تمكناً في القلوب والعقول ومن أكثرها تأثيراً في الحياة العامة، بحيث تصطبغ الحضارة بصبغة هذه العقيدة، وتنسب إليها، فتكون النسبة صحيحة، لصحة المبادئ التي تستند إليها· ومثال ذلك الحضارة الإسلامية· والحضارات الكبرى التي عرفها تاريخ البشرية تتفاوت فيما بينها في موقفها من المادية والروحية، فمنها ما يغلب عليه الجانب المادي، ومنها ما يغلب عليه الجانب الروحي، ومنها ما يسوده التوازن بينهما· فهي إذن، سلسلة متعاقبة من الحضارات التي تخلي كل واحدة منها المجالَ لما سوف يتلوها من حضارة أخرى، مما جعل كثيراً من الباحثين في مجال دراسة الحضارات يذهبون إلى القول بوجود التماثل والتطابُق بين الكثير من هذه الحضارات والتماثل والتطابق لا يدعان مجالاً للصراع· وكالة الاهرام للصحافة
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©