الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التكنولوجيا: خيار الانفتاح والتغيير

17 أغسطس 2011 01:04
ثورات القرن الماضي كانت تقوم بالقوة العسكرية، وباسم الجماهير الكادحة والمظلومة أو التحرر من الاستعمار أو… ولكنها كانت تبني من جهة، ومن جهة أخرى كانت تُكرس عبودية جديدة ومفاهيم تخلقها الأيديولوجيات فتشوه وتدمر المجتمع. وهكذا كانت تَركُد الثورات العربية وتأسن ومن ثم لا بد من ثورة جديدة وسيد جديد وعبودية من نوع آخر. كما كانت هذه الثورات العسكرية مُعدية وظاهرة الضباط الأحرار أو المُحررين كانت تنتقل كالنار تحت الرماد من بلد عربي إلى آخر. وبالإضافة للدسائس والمؤامرات لعبت التكنولوجيا العسكرية دورها في تحقيق تلك الثورات حتى لو لم يكن هُناك من موجب حقيقي لها قدر كونها طموحاً لقائد عسكري يطمح ليكون سيداً جديداً أو لمجموعة حزبية تطمح للسيطرة. الثورات العسكرية لم تتمكن من السيطرة من دون غطاء إيديولوجي لها تدَعي من خلاله تمثيلها للجماهير. وكان الإعلام المُسير من قبل الدولة (الثوار الجدد) يوفر هذه المهمة أما الجماهير الحقيقية، فلم يكن لها دور حقيقي. الدور الحقيقي كان للجماهير المؤدلجة والتي عموماً هم الأقلية الطامحة لتحقيق مبادئها أو للانتفاع من الوضع الجديد. مشكلة المجتمعات العربية أنها غير قادرة على خلق نظام حكم ديناميكي يتطور مع الزمن بصورة سلسة من دون الحاجة إلى ثورات متتابعة وخسائر فادحة. وهذه هي ذاتها مشكلة عدم قدرة هذه المجتمعات على خلق التكنولوجيا المتطورة. كم ثورة حصلت وكم محاولة فشلت في العراق وفي سوريا ومصر والسودان وليبيا؟ بعد كل تغيير يظهر مُنقذ جديد وأيديولوجيا جديدة وتعود القصة من جديد. وتعود من جديد قصة مصلحة الجماهير والنضال في سبيلها. إن الثورة السياسية ليست هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة غير طبيعية لتغيير واقع عصي على التغيير. في القرن الحالي وفي عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ليس من السهل السيطرة على المجتمع، إلا من خلال عزله عن العالم تكنولوجياً. وتفننت الدول العربية في السيطرة على شبكة الإنترنت، وحجب المواقع الإلكترونية وحجب القنوات الفضائية. المجتمعات العربية لم تتمكن من صناعة الفرد المعاصر المنفتح ولكن التكنولوجيا المعاصرة وفرت لهذا الفرد وسيلة الانفتاح على العالم ولو بصورة نسبية. الجيل المعاصر المنفتح نسبياً على العالم، لا يجد لديه ما يمكن به مواجهة الحقيقة القاسية، والتي تُبين كونه جزءاً من مجتمع متخلف متراجع عن الحياة المعاصرة التي يلمسها لمس اليد يومياً من خلال التكنولوجيا المتوفرة. هذا من جهة ومن جهة أخرى وفرت هذه التكنولوجيا وسيلة اتصال هائلة وكبيرة وفي مأمن عن عيون ورقابة السلطة أياً كان نوعها. في وضع كهذا تُثار على صفحات الإنترنت تساؤلات كبيرة ونقاشات كثيرة متخطية الخطوط الحمر في مجتمعات أبوية مغلقة تُحرِم التساؤل وتُبجل الطاعة والخضوع. في وضع كهذا لا يمكن للإيديولوجيات العصماء الصماء الحفاظ على هيبتها. في وضع كهذا لا يتمكن المناضلون القادة المنزهون من الحفاظ على هيبتهم وقدسيتهم. ومن ثم لا يمكن للأحزاب المؤدلجة التحدث جُزافاً باسم الجماهير كما كانت الحال سابقاً ومن ثم الأبطال المناضلين المنقذين يصعب ظهورهم بعد. وهكذا فإن الإيديولوجيا المُستعبِِدة لا يمكنها أن تعيش إلا في المجتمعات المغلقة ذات الممنوعات الكثيرة. لم تنجح ثورة شعبية قامت في عموم العراق عام 1991 حيث لم يكن لدى العراقيين وقتذاك أجهزة اتصال خلوي ولا إنترنت ولا لاقطات تلفزيون فضائية. وتمت عملية القضاء بإبادة وحشية بعيداً عن الرأي العام العالمي لم يُعرف هولها إلا بعد عام 2003. التغييرات التي تقوم بها المجتمعات العربية الآن استثمرت التكنولوجيا من خلال الجيل الشاب الذي ألفها. التكنولوجيا الحديثة هذه متوائمة مع النظم الديمقراطية التي أوجدتها أساساً. وهكذا تسللت مندسة حرية الاتصال وتبادل الرأي لتشمل العالم، وليس مجرد دول الابتكار فقط. وكما كانت الثورات العسكرية معدية وزمن العدوى كان على مقياس سنوي لتظهر في بلد آخر فإن التطورات المعاصرة معدية كذلك بسبب وجود الاستعداد القوي والكبير للعدوى، إلا أن زمن الانتقال الآن بالأشهر أوالأسابيع وليس السنين كما كانت الحال سابقاً، وذلك يعود للتكنولوجيا، التي سهلت التنظيم ولعدم الحاجة للمال والإمكانيات الكبيرة كما كانت سابقاً. هذه الثورات الجديدة غير مؤدلجة، وليس لها بطل مناضل، ولكن هذا لا يعني أنها غير قابلة للتلوث. الثورات العسكرية القديمة حملت شعارات كبيرة أبعد ما تكون عن مفردات الحياة اليومية للفرد وتناولت التحرر والاستعمار والصهيونية و..و..أما ثورات الشباب، فإنها ثورات مطالب حياة يومية وتعرض معاناة حقيقية إنها تطلب الحرية الحقيقية وليست حرية الشعارات. مثل هذه الثورات النظيفة (المبدأ)، التي يراها العالم كله من على شاشات التلفزيون ساعة بساعة تحصد التأييد العالمي والمتابعة المستمرة ولكن للأسف هذه الشعوب ما تزال غير قادرة على استثمار الثورات في بناء نموذج حكم ديمقراطي ديناميكي يحمي نفسه من الارتجاجات الخطرة. وهذا ما يشكل خطورة إمكانية ولادة نماذج مشوهة عن هذه الثورات. وكما كانت الحال مع سلسلة الثورات العسكرية العربية المتتابعة، فإن ثورات الشباب، ربما ستكون مستمرة وستبقى هذه المجتمعات على حافة بركان دائم الثوران حتى تتمكن هذه المجتمعات من بناء الفرد المعاصر الذي سيخلق النموذج المعاصر المنتقل عبر الزمن بسلاسة من دون ثورات ودماء وخسائر. محمد عزالدين الصندوق كاتب عراقي ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©