الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اقتربت ساعة المهرجان

اقتربت ساعة المهرجان
12 نوفمبر 2010 21:03
كنت أرفض بشكل قاطع المشاركة في البرامج التلفزيونية المباشرة، وأرفض أيضاً البرامج المسجلة والإذاعية والتحدث أمام الجمهور في محفل عام. والسبب هو ضعف ثقتي بنفسي من الناحية «الكلامية». صحيح أنني أثرثر في الجلسات الخاصة لكنني لا أجيد الكلام المنمّق والموزون. وكل كلامي الشفهي منذ أن ولدتني أمي كلام يميل إلى التهكّم، وفوق هذا هو مبتذل بعض الشيء. وصحيح أنني أكتب أن «الحاجة ضرورية وحتمية لإدخال تغييرات جذرية على مسار القضية المعروضة على طاولة النقاش»، لكنني أعبّر شفاهة عن هذه الفكرة بالقول: «يا أخي لازم ترتيب القضية يتغيّر». لكن حدث انقلاب في موقفي حين جاءني اتصال في شهر مارس الماضي من إدارة «مهرجان طيران الإمارات للآداب» يدعوني فيه للمشاركة في المهرجان في دورته الثالثة التي ستقام بعد سنة كاملة، أي في مارس 2011. تذكرت في لحظة أنني لا أعرف كيف أتكلم كلاماً ينمّ عن سعة الاطلاع وعمق الثقافة كما يتوقع الناس من الكتّاب والأدباء، لذلك قلت فوراً: أعتذر عن المشاركة. لكن الأخت المتصلة أخذت تفنّد كل الحجج الوهمية التي فبركتها للتهرّب من المهرجان، فقلت في نفسي: ما دام المهرجان سيقام بعد سنة كاملة، فلم لا أوافق لأتخلّص من هذه المكالمة؟ بعد سنة سيتغير كل شيء وربما ينسون أمر هذا الاتصال. فقلت لها: نعم سأشارك إن شاء الله. تنفّست الصعداء وعدت أكمل قراءة الجريدة لكن بالي ظل مشغولاً بالمهرجان، وأخذت أسأل نفسي: ماذا سأفعل بعد سنة حين أكون وجهاً لوجه مع الجمهور؟ ماذا سأقول في المحاورات الأدبية التي تحدث أثناء المهرجان، وفي جلسات الكتابة الإبداعية التي ستقام، واللقاءات المباشرة مع الجمهور وفي ورش العمل؟ المصيبة أن المهرجان يستمر لمدة أربعة أيام تقريباً، ويستضيف كتّاباً وأدباء من مختلف دول العالم، وسيكون الجميع على خير ما يرام، وعلى مستوى الحدث، وعند حسن ظن الجمهور، وثقة إدارة المهرجان، إلا أنا، سأكون الفضيحة المدوية، وربما أتسبب في إنهاء المهرجان قبل موعده وإلغائه إلى الأبد. أنا أعرف ما الذي سأفعله على المنصة أمام الجمهور ووسائل الإعلام وأمام الأسئلة التي لا أعرف كيف أجيب عليها شفاهة، سيغمى علي، وربما انخرط في البكاء، أو تصيبني حالة بكم قد تتحول إلى إعاقة دائمة، أو سأصاب بإسهال شديد، وقد أشعر بالغثيان وأقعد أتقيئ والجمهور يضحك ويعد بصوت جماعي: واحد، اثنان، ثلاثة. وفي أفضل الأحوال، قد أفعل كما فعل خطيب ارتجّ عليه الكلام فور صعوده المنبر، فلم يجد شيئاً يقوله سوى: أشهدكم أن امرأتي طالق. وخطيب آخر ارتقى المنبر وأخذ ينظر إلى الناس وهو مذهول، ولحسن حظه رأى رجلاً أصلع، فقال: لعن الله هذه الصلعة، ونزل. وبعد أيام طلبوا مني سيرتي الذاتية، ثم صورة من جواز سفري، ثم صورة شخصية عالية النقاء، ومع كل طلب منهم كنت أتخيل أشياء جديدة ستحدث لي على المنصة، ومع كل اتصال أقول في نفسي: يبدو أن الأمر جدي وأن الساعة اقتربت. ولأنني أعرف أن زمن المعجزات ولّى، ولن أصبح خطيباً مفوهاً فجأة، فقد قررت المشاركة في أي لقاء أدعى إليه، فتحدثت في بعض الملتقيات، وفي الإذاعة، وظهرت أخيراً في برنامج تلفزيوني على الهواء مباشرة. وقبل كل مشاركة أشعر بآلام في بطني، لكن الآلام تخف من لقاء إلى آخر، وبعد كل مشاركة تزداد ثقتي بنفسي. وفي كل مرة أصفّ كلاماً منمّقاً قبل الدخول في المواجهة وأحفظه عن ظهر قلب. وأصبحت الآن موقناً بأنني لن أبكي أو يغمى عليّ على المنصة، والباقي على الله. Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©