الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مرجعية إماراتية للخط القرآني

مرجعية إماراتية للخط القرآني
14 أغسطس 2013 19:22
ما يُرادُ به من أبوظبي، وفقا للمعنى الثقافي المحض، وبحسب ما أعلنت وزارة الثقافة والشباب والتنمية الاجتماعية، أن تصبح هذه المدينة واحدة من الحواضر العربية الكلاسيكية الثقافية، في ما يتصل بالفنون العربية والاسلامية، وتحديدا بالنسبة لـ”فن الخط العربي”، وذلك تبعا لما صدر عن الوزارة من بيانات صحفية في أثناء التئام ملتقى “خطّ القرآن الكريم الرمضاني” لدورته الخامسة التي انعقدت خلال أيام بدءا من الخامس والعشرين من رمضان وحتى السابع والعشرين منه في دبي. الحال أن هناك مدنا من الممكن القول بأنها باتت كلاسيكية في هذا الشأن، مثل بغداد وصنعاء والقاهرة ودمشق والقدس والقيروان وفاس وحتى اسطنبول وسواها الكثير من الحواضر التي لا بدّ من أن يأتي المرء على ذكرها إذا ذُكِر فن الخط العربي، إذ غالبا ما لا يذكر هذا الفن إلا مقترنا بالمخطوطات وتلك الحاضرة التي تحتضنها. ثمة مخطوط قرآني أنجزه ثلاثون خطاطا هم من العرب والمسلمين وينتمي لخطي الثلث والنسخ تحديدا، وقد جرى حفظه الآن وتسلمه من قبل جهة معنية ليكون كذلك، أي ليكون مرجعا ما في زمن ما لهذا النوع من الخط العربي على وجه التحديد، وبحيث تصبح الجغرافيا الاماراتية مرجعية لهذا الفن أسوة بسواها من الحواضر العربية التي تنتمي هويتها الثقافية إلى العربية والاسلامية إلى ما تريد هي أن تكون عليه بالنسبة للناظرين إليها سواء من قرب أم من نُعد. فكرة مغرية ولِمَن يرى الأمر على حياد ومن مسافة قريبة، زمانا ومكانا، فإن الفكرة تبدو مغرية بالفعل خاصة وأن هذا الفن، عربيا، يشهد تراجعا على مستوى حضور المواهب اللافتة من الأجيال الجديدة من الخطاطين وكذلك على مستوى خلق مشاريع خاصة بهذا الفن وتحمل في رحمها إمكانية الاستمرار، وبالتالي إمكانية التطوير والخلق الابداعي الذي يجعل هذا الفن قادرا على الاستمرار بذاته ولذاته. من الصعب أن يلحظ المرء مشروعا يحمل هذا الهدف عربيا ويسعى إلى تحقيقه في هذه اللحظة العربية الحرجة خاصةً أن فن الخط العربي هو فن متطلب ماديا ومعنويا. هذه الاستراتيجية “الفنية” هي التي تمّ الاعلان عن الشروع بها من دورات خمس لتحقيق هدف يمكن تلخيصه بأن الإمارات، يُراد لها أن تكون مرجعية لهذا الفن وواحدة من “عواصمه” في هذه اللحظة التي يشهد فيها تراجعا على مستويات مختلفة، سواء لجهة تراكمه نوعا وكمّا أو لجهة ندرة الخطاطين الذين هم ضمانة استمراره كفن يحمل قسمات عربية خالصة ويمثل جانبا من هوية ثقافية عُرفت به الأمة العربية خصوصا والاسلامية عموما إلى جوار فنون مجاورة لدى أمم أخرى عريقة على هذا المستوى مثلما هي الحال مع اليابان والصين. من الصعب الآن، وربما في المستقبل القريب أيضا، النظر إلى هذه الفكرة وحدها، دون التأمل في المنجز الذي يتحقق على الأرض، متمثلا بمخطوطات من الممكن معاينتها من قبل أهل الاختصاص والمريدين لهذا الفن، خاصة وأن فن الخط العربي شديد الغنى والتنوع لوحده من ناحية، ثم إنه قد انفتح بمختلف أشكاله على مختلف أنواع الفنون التشكيلية الحديثة من ناحية أخرى. ما يعني أن إدراك قيمته وأهميته الحقيقية أمر يحتاج إلى متابعة سنوية بعيدا عن اختصاصه بموضوع هو قائم عليه أصلا، وهو هنا القرآن الكريم وإنجاز مصحف سنويا، وبعيدا عن كونه يتعلق بمناسبة دينية هي شهر رمضان. بعد روحاني قد يبدو صعبا نزع البُعد الروحاني عن منجز هذا الملتقى بسبب ارتباطه الديني الرمضاني الذي يمنحه خصوصية من نوع ما، لكن النظر إليه من وجهة نظر فنية يجعله مختلفا ويُعطيه تلك القيمة التي من المفترض بها أن تقرّبه من “الخلود”، أي أن تجعل منه فنا كلاسيكيا يدخل إلى مكتبة المدونات والمخطوطات العربية حيث من المفترض بهذه المكتبة أن تكون مرجعية معرفية قائمة في الامارات. ولعل هذا هو المكسب الأساسي الذي يضيف للإمارات قيمة أخرى تعزز من موقعها على الخارطة المعرفية بوصفها واحدة من المرجعيات الأساسية، وذلك بالنظر إلى ديمومة الفعل ذاته، والاستمرار في إقامة الملتقى والتنويع في العناوين التي يُقام تحت أحدها كل عام، أي العمل ضمن خطة استراتيجية واسعة تؤهل الملتقى لكي يكون ملتقى للخطاطين بأجيالهم المختلفة والمتعددة وتوجهاتهم الفنية واتجاهاتهم عندما يسعون إلى الاستفادة من الفنون التشكيلية المجاورة وخاصة اللوحة التشكيلية والأعمال التجهيزية والتركيبية التي تقوم في فكرتها الأساسية على هذا الفن، أي أن يتجه الملتقى إلى أن لا يكون لا مصدرا لفن الخط العربي بصيغته الكلاسيكية فحسب بل لأن يعمل أيضا على أن يكون مختبرا لما يمكن أن يقترحه الخطاطون بوصفهم فنانين وليسوا تقنيين فحسب. يقول المرء ذلك لأن هناك الكثير من المساحة الواسعة التي منحها فن الخط العربي على امتداد أزمنته الكلاسيكية وغير الكلاسيكية وسواء أكانت لغته هي العربية أم سواها من اللغات الأخرى التي تستخدم الحرف العربي كالفارسية وغيرها. بهذا المعنى يكون الملتقى ليس محترفا للخطاطين وحدهم بل هو أيضا المختبر الذي من الممكن من خلاله اكتشاف جماليات الخط العربي واللغة العربية والإضافة إليهما. أي أن الملتقى من الممكن له أن يكون الفكرة ومعناها معا. إذ أن يأتي ثلاثون خطاطا من المعروفين على المستوى العربي إلى دبي لكتابة نسخة من القرآن الكريم وفقا لأجزائه الثلاثين فالأمر يتجاوز المناسبة الكريمة التي يُقام بها الملتقى ليتحول بأرض دولة الامارات إلى واحدة من الدول التي تجعل هذا الملتقى حدثا فنيا بمناسبة دينية وليس مجرد احتفال سنوي بما يمكن للخطاطين أن ينجزوه خلال ثلاثة أيام وكأنهم يدخلون في سباق من سباقات الركض. وهنا القيمة أيضا وليس الفكرة والمعنى وحدهما. لقد انتهى الملتقى. وقد يبدو فوز ثلاثة خطاطين عرب من بين ثلاثين خطاطا عربيا وأجنبيا هو الحدث اللافت للانتباه، ولا يعلم أحد ما هي المعايير التي منحت على أساسها لجنة التحكيم هذه الجوائز، غير أن المنجز الحقيقي الذي من الممكن الحديث عنه ككل يكمن في وجود نسخة من المصحف الشريف قد خُطّت في دبي في مثل هذا الوقت من السنة وهي محفوظة لدى جهة معلومة من الممكن العودة إليها والتثبّت من مدى فنية هذا المصحف بما يتوفر عليه من أنواع الخطوط التي نُفذت بها كتابته وكذلك مستوى إتقان الأداء قياسا بمخطوطات أخرى موجودة في أماكن أخرى من العالم وليس في الحواضر العربية وحدها. أي أن ما يبقى من الملتقى بعد مرور سنوات طويلة على انعقاد دوراته الأولى هو في قيمته الفنية الثابتة وليس الدينية وحدها، ذلك أن ما يمنح الخصوصية للامارات كمرجع هو الفن ذاته لا الكلام الذي هو موجود في كل الجغرافيات بلا استثناء. يعني ذلك أيضا أن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بوصفها الجهة المنظمة لهذا الملتقى والقائمة على تنفيذ تفاصيله ومتابعتها سنة بسنة تعمل ضمن منهجية أن تترك لأجيال مقبلة ثروة فنية تتعلق بفن الخط العربي ولا تتحدد مهمتها فقط في التدقيق والتثبت من صحّة الكلام المدون ومطابقته للقرآن الكريم فحسب. نهيان بن مبارك: الخط العربي ميزة فنية راقية في ما يلي مقتطفات من كلمة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في افتتاح ملتقى رمضان لخطّ القرآن الكريم بدبي: “لقد حظيت الثقافة العربية والاسلامية عبرَ العصور، بكوكبةٍ من الخطّاطين، الذين لهم باعٌ طويل، في هذا الفنِّ الجميل، الذي أصبح، أهمَّ صُوَرِ الفنِّ الإسلاميِّ على الإطلاق، وجزءاً أساسياً، من الإبداعِ الفنيِّ: الرائعِ والمُتَجدِّد، في الحضارةِ الإسلاميةِ كُلِّها. هؤلاء الخطّاطون يُؤدّون واجباً أصيلاً، ويُقدِّمون عطاءً كبيراً، وإسهاماً رائعاً، في حفظِ وصَوْنِ كتابِ الله، والعملِ على إيصالِ رسالتِه ومعانيه السامية، بل وأيضاً، تنميةِ الذَّوْق، وإرهافِ الحِسّ، ودعمِ قِيَمِ الخيرِ والحقِّ والجمال ـ كلُّ ذلك، يصل إلى النفوس والعقول، لتَرْتَوِيَ بروحِ القرآن العظيم، وتتَجَدَّدَ حياتُها، بكلِّ ما فيه، من مبادئَ وآداب، وأخلاقياتٍ وسُلوك. إننا نُعلن أنَّ اعتزازَنا بالقرآنِ الكريم، وحرصَنا على اللغةِ العربية، واحتفاءَنا بالخطِّ والخطّاطين، إنما هو كله، تأكيد على حرصنا، على تنمية حضارة عربية وإسلامية رائدة، تتحركُ دائماً، في صعودٍ متطور، نحوَ الأفضل، ونحوَ الأصدق. يشكّل الخط العربي ميزة فنية راقية في الحضارة الإسلامية والإنسانية على مر التاريخ، وأنه يعد أحد أهم خصائص الجماليات الإسلامية وعلاماتها المميزة. وستبقى وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع ملتزمة تجاه أن يكونَ الاهتمام بالثقافةِ والمعارف والفنونِ الإسلامية، أحدَ أهمِّ محاورِ العملِ بها، في إطارِ مسؤولياتِها، في الحفاظِ على كافة هذه العناصر، وتنميتِها، وعرضِها أمام العالم، في أبهى صورة، وبشكلٍ لائق”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©