السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السكران

20 أكتوبر 2006 22:50
كان النهر ينساب في هدوء·· أتابع جريانه الهادئ ونسمات العصر تداعب وجهي·· الساعة تشير الى الرابعة والثلث، هذا يعني انه بقي عشر دقائق لحين وصول الحافلة·· لم يكن هناك سواي وشخص آخر بدا لي في نهاية العقد الرابع·· نظرت إليه وتلاقت أعيننا وابتسمنا لبعضنا· - الجو جميل· - أكد على كلامي وبدأ يتكلم عن مميزات هذا الوقت من العام ثم عدنا للصمت مرة ثانية وعدت للتأمل·· قطع علي تأملاتي بسؤاله الهادئ: أأنت أجنبي؟ - رفعت رأسي·· نعم· - يبدو لي أنك عربي· - نعم أنا كذلك· - هذا واضح جداً·· ألوانكم مميزة، كما انني التقيت بالكثير هنا في فترات مختلفة أأنت قادم للدراسة؟ - لا·· أنا أعمل هنا· - أوه·· جميل، ربما كنت مهندساً· - في الحقيقة أنا مدرس· - جميل·· جميل كانت نظرات الدهشة تطل من عينيه·· وشعرت أنه من الأفضل ان اقطع اتصالي بالنهر لأقف بروحي مع هذا الشيخ· - سألته سؤالاً متردداً·· عفواً، هل أنت·· أعني أأنت من أهل المنطقة· - ابتسم لي في مودة·· اعتقد انني فهمت مقصدك·· نعم انا من هنا·· وأشار الى مسجد تطل مئذنته من بين أشجار الغابة·· من تلك القرية بالتحديد·· انا مسلم، واسمي عمار· - شعرت بالحرج لأنه أدرك مغزى سؤالي·· أردت الاعتذار ولكن صوتاً جهورياً قطع علينا الحديث· - سلام عليكم أيها المسلمون·· التفت لأرى رجلاً ضخماً يقف ويلوح لنا بيده وفي عينيه ارتسمت ابتسامة متعبة· - اقترب صاحبي مني وقال لي في صوت خافت: إنه سكران· - هيه·· كيف تسير الأمور هنا·· هذا الجو بديع ورائع، أليس كذلك· - رد عليه صاحبي باللغة المحلية كلاماً فهمت منه انه يريد ان ينهي معه الحديث· - التفت اليّ وابتسم ثم سألني·· انت غريب عن المنطقة·· ثم رفع يده وأشار الى النهر وزم شفتيه ثم التفت اليّ وقال، ما رأيك أنت؟ أليس الجو بديعا؟ - بلى·· بديع جداً· - آه يا عزيزي لو تدري كيف تسير الأمور هنا·· ثم تغير وجهه كمن تذكر شيئاً·· ومد كفه باتجاهي وابتسم: اسمي راسم·· يمكنك ان تناديني راسم، وانت؟ - نظرت الى صاحبي كأنني استغيث به·· لم يقل شيئاً واكتفى بابتسامة مشجعة·· اسمي عبد الله·· - أوه·· عبد الله·· أنت رائع بحق·· انت حنون يا صديقي·· ووضع يده على قلبه وقال بصورة تمثيلية: بعض الآخرين في هذا العالم يكسرون القلب· ثم ابتسم لي وقال: ولكن انت رجل·· اعجبتني·· سنكون أصدقاء· - ابتسمت له والتفت للنهر· - ألديك أبناء؟ - نعم·· عندي ولد· - قال بحزن: وأنا عندي ولد·· هل تركك ولدك؟ - لا·· ولدي لا زال صغيراً· - أوه·· انت محظوظ·· أنا ولدي تركني ورحل·· لقد تزوج مع الأسف؟ - أتأسف لأنه تزوج؟ كنت أجاريه في الكلام غير متخيل ان هذا الرجل يمكن ان يكون سكراناً·· كنت أشعر انه طبيعي باستثناء تنقله في المواضيع والتعابير المدهشة التي ترتسم على وجهه حين يغير المواضيع· - قال بصوت متهدج·· لقد تزوج وتركني·· أنا أبوه يتركني دون دعوة·· وأخذ يضرب على صدره بقوة·· أنا أبوه لم أتلق اي دعوة·· وتغيرت ملامحه مرة أخرى وأشار بيده في وضع يشبه التهديد وقال: ولكنني قلت له انني سأخبر الناس·· سأفضحه· - حاولت ان أهدئ من روعه ولكنه عاد للتباكي: انا أبوه يتركني دون دعوة·· اريد ان اراه وأرى أولاده· - ابتسمت·· هل لديه أولاد؟ - نعم لديه أربعة قل لي هل يرضى الله عن هذا؟ - لا·· الله لا يرضى ان يترك الابن أباه· - احمر وجه الرجل·· اذا لماذا يتركني ولدي ويذهب·· وبدأ يسب ولده ويسب الناس· وصلت الحافلة·· أسرعت بالركوب ابتسم وقال: سأزوره لا عليك·· انا طيب وأحب ولدي· - جلس صاحبي بجانبي·· ثم فجأة قال في صوت عميق: مشكلته في الخمر·· يا أخي هؤلاء الناس يقتلون انفسهم· - هل تعرفه؟ - نعم·· أعرفه·· لا يكاد يفيق من الخمر·· ومع ذلك فهو رجل جيد· - ·· بقيت أنظر للنهر وهو يجري بجوارنا· - ارجو ألا تكون صورة خاطئة عن مجتمعنا· - التفت إليه وابتسمت·· لا عليك، أنا أحب بلدك· التفت للخلف·· رأيت السكران يمشي وهو يطوح بيديه في الهواء·· التفت للنهر ثانية·· - الناس هنا طيبون·· كالنهر تماماً·· يعطونك من خيرهم ولكن في بعض الأوقات يفيض النهر ببعض رواسبهم فيفسد الحياة· التفت لصاحبي·· ارتسمت ابتسامته الهادئة على وجهه·· وهز رأسه مشجعاً· عبد الله بن علي السعد
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©