الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوميات صائم

20 أكتوبر 2006 22:58
فوانيس .. الغريب ''يا عزيزي·· أنت كمن يؤذن في مالطة·· تتحدث عن الجلسات العائلية ولقاءات الأصدقاء وزيارات الأقارب في ليالي رمضان، تصدع رؤوسنا بالحديث عن التواصل الحميم والأجواء الدافئة، غير عابئ بتنبؤات الأرصاد الاجتماعية التي تؤكد أن إشعاعات التليفزيون وعواصف موجات المحمول تسيطر على المناخ العائلي في رمضان وغير رمضان''·· بهذه الكلمات استهل صديقي عارف الغريب حديثه الساخر بعد أن فاجئني بزيارة حقيقية غير هاتفية أنهت قطيعة طويلة لا اعرف سببها· قال الغريب: لماذا تصر على إعادة الزمن إلى الوراء، لماذا تطلب من أبنائك أن يعيشوا بمنطقك وان يرجعوا إلى زمانك وأن يفكروا بعقلك وأن يقنعوا بما كان يرضيك قبل أربعة أو خمسة عقود وهو أقل من أن يذكر؟· قال وقد رفع ـ كعادته ـ حاجب السخرية الأيسر: هل احكي لك قصة طريفة تغنيك عن كل حديث آخر عن الماضي الجميل والحاضر البارد·· سأحكي لك قصتي مع فانوس رمضان عندما حاولت تطبيق أحلامك الوردية فوقعت في شر أعمالي· قال الغريب: قبل بداية الشهر الفضيل بأيام قررت أن أشرك أبنائي الصغار في تنظيم احتفالية خاصة باستقباله، واتجه تفكيري على الفور إلى فانوس رمضان بألوانه الخلابة، وبالطبع إلى الأغاني التي كنا نرددها في صغرنا ونحن نجوب الشوارع الترابية في ضاحية عزبة النخل على أطراف القاهرة ''وحوي يا وحوي·· اياحا''·· ومنذ اللحظة التي قررت فيها ذلك توالت المفاجآت والمقالب وتحول الأمر بتمامه إلى كابوس مخيف· أولى المفاجآت أن الفوانيس لم تعد ملونة ولا مزينة بالنقوش إسلامية الطابع كما كانت في السابق·· اكتشفت أن كل الفوانيس متشابهة·· نوافذ من البلاستيك الأبيض وهيكل بلاستيكي أحادي اللون، اصفر شاحب أو ازرق باهت أو لون اخر·· وأنها تحولت من تحفة فنية يدوية رائعة إلى مجسم قبيح بلا هوية·· وثاني المفاجآت أنه لا يوجد فانوس واحد في أي مكان بالدولة مصنوع في دولة عربية أو إسلامية، وكأن صناعة الفوانيس تحتاج إلى تكنولوجيا تستعصي علينا كما استعصت كل التطبيقات الصناعية الأخرى·· أما أغرب وأهم المفاجآت فهي أن الفوانيس العصرية هي التي تغني وليس الأطفال، وان بعض الفوانيس ما أن يتم تشغيلها حتى ينطلق منها صوت آلي نشاز يردد مقطعا واحدا لا يتغير من أغنية قد لا يكون لها علاقة من قريب أو بعيد برمضان، فإذا كان في البيت ثلاثة أطفال يحملون ثلاثة فوانيس·· فلك أن تتخيل ثلاثة أصوات نشاز تردد مقاطع من أغنيات مختلفة في وقت واحد، تخيل انك تستمع في وقت واحد وبأصوات عالية مزعجة إلى ''أخاصمك آه'' و ''رمضان جانا'' و ''كوكو واوا'' والأخيرة ليست بالطبع ''رائعة'' شوف الواوا·· هذا بالفعل ما حدث·· تحولت محاولة العودة إلى دفء التواصل الحميم وإشراك الأطفال في احتفالية مختلفة بقدوم الشهر الفضيل إلى كابوس لم ينقذني منه سوى نفاذ بطاريات الفوانيس الثلاثة· صلاح الحفناوي alhefnawi@yahoo.com
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©